الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكونات الصغيرة في خراب العراق

سامي المالح

2018 / 10 / 9
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


واقع المكونات الصغيرة في خراب الوطن
تواصل العملية السياسية، عملية المحاصصة والتوافقات والاتفاقات الطائفية والقومية في العراق، بدفع الدولة الفاشلة الى المزيد من المهالك ودوامات التدخلات الخارجية، وتعرض المواطن للمزيد من الأذلال والحرمان من ابسط مقومات الحياة الكريمة، وتطوق حياته بشكل أقسى بالقلق والخوف والفساد والكذب والنفاق الديني والمزايدات الطائفية والقومية.
في أطار كل المآسي والاوجاع والكوارث التي عاشها الشعب العراقي، كانت حصة المكونات الصغيرة/ الأقليات الاثنية والدينية، هي حصة الأسد كما يقال. ذلك لأن العملية السياسية المشوهة التي انتجت دستورا مكبلا بالتمييز والشريعة والاستعلاء الديني والقومي والغزير بالتناقضات وعقد الصراع، لم توفر الأمن والاستقرار في البلد، ولم تكن مشروعا لبناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، ولم تفلح في حماية المكونات الصغيرة المسالمة، التي تفتقد مستلزمات الدفاع عن النفس ومقاومة شهوات الفساد والتغيير الديمغرافي والنعرات العنصرية للقوى الطائفية والقومية المهيمنة بالمال الحرام المنهوب وبمسلحيها وميليشياتها وتوظيفها المناطقية والعشائرية والمؤسسات والمراكز الدينية.
من المعروف، وكما أثبتت تجارب الكثير من البلدان الديمقراطية المستقرة والمزدهرة، ان أقرار وممارسة حق المواطنة المتكافئة وضمان ممارسة الحقوق المشروعة للمكونات الصغيرة في البلدان والمجتمعات، مرهون بطبيعة النظام السياسي والاستقرار وتطور الديمقراطية و ترسيخ قيمها الأساسية (المواطنة المتكافئة، مساواة الكل في الحقوق والواجبات دون اي تمييز، التعايش والتضامن).
من أشد الكوارث والمصائب واكبرها تأثيرا التي تعرض لها العراق كوطن والعراقيين من كل الانتماءات، وكنتيجة طبيعية لفكر وسياسات وفساد قوى الاسلام السياسي والقوى القومية ونظام المحاصصة والفساد، هي أضعاف روح المواطنة وأسس التعايش بين المكونات العراقية من جهة وتغذية الروح الطائفية والتعصب المقيت وصراع الهويات من جهة اخرى.
أن ما تعرض له المسيحيون والايزيديون والتركمان والصابئة المندائيون والشبك والكاكائيون من الجرائم والاهوال، خلال الخمسة عشر عاما الماضية، نسف في الواقع قاعدة وأسس تواجدها التاريخي وتطلعها للعيش بأمان وسلام وكرامة وثقة بالمستقبل. ان النفاق والاكاذيب اليومية والتشدق بديمقراطية مزيفة لم تعد تنطلي على احد، فالاعمال والمواقف والسياسات على الارض في كل العراق، من البصرة الى زاخو، هي التي تحاصر واقع هذه المكونات وتدفعها للنزوح المعذب والهجرة القاتلة، وتحطم ثقتها بالسلطات والمؤسسات الفاسدة والاحزاب والقوى السياسية المنشغلة بالصراعات الانانية الضيقة وبضمان حصصها من جسد وثروات البلد.
لقد وصلت صلافة القوى الاسلامية والقومية في البلد الى حد الاستحواذ المباشر على ارادة شعوب هذه المكونات، والى الاستيلاء بشتى الطرق على اصواتها في الانتخابات المشوهة من خلال القوانين والتشريعات الجائرة، ومن خلال صناعة مجموعات من الاحزاب والتشكيلات الكارتونية الكاريكاتيرية الفاسدة المنتفعة المرتبطة والموالية لها. ففي بغداد مثلا نصبت وتوجت القوى الشيعية شيوخ وقادة ميليشيات للمسيحيين، وفي كردستان هناك أشخاص وعوائل ودكاكين واحزاب معروفة صنعتها احزاب السلطة وتغذيها منذ عقود من المال العام (لا تختلف كثيرا عن جحوش أيام زمان) وظيفتها الوحيدة المزايدة قوميا على شعبها المغلوب على امره وتمزيق اوصاله دون خجل او حياء.
قد يبدو المرء متطرفا، حينما يؤكد، انه لمن السذاجة التعويل على قوى العملية السياسية والانتخابات المشوهة ومفاوضات الكتل والاحزاب لتشكيل الحكومة، للأرتقاء الى مستوى المسؤولية ولاتخاذ المواقف الوطنية والبدأ بأصلاحات جذرية وتغيير جوهر وطبيعة العملية السياسية لتغدو عملية بناء واعمار وتربية وتعليم وصحة وخدمات وامن واستقرار وازدهار وتعايش ومستقبل واعد. في الواقع، ليس من الصعب ادراك وفهم ترابط عناصر معادلة الانتحار والمصير لهذه القوى، حيث ان هكذا أرتقاء وتغييرات وتطورات أن حصلت فأنها ستقضي حتما على كل هذه القوى، لان وجودها وأستأثارها بالسلطات ونهب البلد مقترن بشكل عضوي بطائفيتها وقوميتها وتوافق مصالحها ونفاقها وفسادها واستحواذها على المال الحرام ونهجها الاستراتيجي الثابت في القضاء على الحريات والمعرفة والامل والتطلع الى التغيير والتطور و تخليص الشعب من التجهيل والظلامية والاذلال.
ليس خافيا على احد، ان قوى المعارضة والمواجهة للعملية السياسية الفاسدة، القوى العاملة من أجل بناء دولة علمانية متحررة من أغلال الدين ومخالب رجال الدين، دولة مواطنة وقانون، هي للاسف قوى ضعيفة ومتفككة. أن احد مظاهر ضعف الحركة الديمقراطية والتحرك الجماهيري هو عدم الاهتمام الجدي بمشاكل المكونات الصغيرة والالتفات الى وتبني قضاياها والدفاع عن وجودها وحقوقها المشروعة. فرغم التحركات والمظاهرات والانتفاضات والتضحيات الغالية التي قدمها ويقدمها شباب اعزل، لاتزال الحركة الجماهيرية محدودة المدى والتأثير، ولقد اثبتت الايام والتجارب وآخرها في البصرة، بأنها لاتزال بأمس الحاجة الى تنظيم افضل ولتطوير الادوات والاساليب و الى برنامج واضح محرك جامع والى قيادة مخلصة شجاعة ثابتة وفية لتطلعات الملايين من المحرومين الفقراء من الاطفال والشباب والنساء المغيبين والمخدوعين.
لا يمكن ان نخدع انفسنا، فليل العراق طويل، وان الاقليات ستعاني المزيد والمزيد. عبثا تحاول احزاب هذه المكونات المشاركة في العملية السياسية والانتخابات وفي اعمال البرلمانات المتعاقبة ان تخدع نفسها وتخدع شعوبها. فهذه الاحزاب التي انتفعت واعتاشت على فتاة فساد القوى المهيمنة، لم ولن تفلح في ضمان ابسط الحقوق ومعالجة المشاكل المزمنة وتحقيق انجاز مهم يذكر لجماهيرها. ليس هذا الاقرار الموجع من باب التشاؤم والدعوة للاستسلام. كلا، أنه أقرار بواقع مر، واقع من الهام جدا استيعابه ومعرفة مكامنه، ومن ثم الانطلاق منه كما هو لأيجاد المخارج وتحديد المواقف ووضع الحلول والسياسات البديلة.
أن مصير المكونات الصغيرة ومستقبلها في العراق مرتبط بشكل وثيق بمدى نجاح جهود تنظيم وتطوير وانتصارمعارضة جماهيرية سياسية للعملية السياسية في البلد. فنضال هذه المكونات من اجل الحقوق القومية والحريات والمواطنة المتكافئة منذ اكثر من قرن كان نضالا وطنيا ورافدا أساسيا ومهما من روافد نضال الشعب العراقي من اجل الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبناء دولة معاصرة مزدهرة. وفي هذه المرحلة المصيرية، حيث تتعرض هذه المكونات الى تهديد لنسف وجودها وقلعها من جذورها واضطرارها للهجرة والنزوح، على ابناء هذه المكونات ان تقف بثبات في ذات الخندق، مع القوى والحركات والفعاليات، التي لا بد لها ان تنمو وتكبر وتتجاوز ضعفها وتفككها، مع الجماهير في رفضها العملية السياسية والفساد والمحاصصة والطائفية، وتهيأتها للأرتقاء الى مستوى طرح برنامج واقعي بديل لبناء دولة معافية ناجحة في العراق، دولة قانون ومواطنة ودستور علماني يضمن حقوق وامن وكرامة الجميع دون أستثناء، من كلا الجنسين، من كل المكونات، صغيرها وكبيرها، من كل الاديان والاثنيات والطوائف والمناطق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - - الليل في العراق طويل-
طارق ( 2018 / 10 / 10 - 08:02 )
لَيلُكَ ياعراق أصبحَ طويلاً.

اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام