الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة النسوية والجنوسة في الخطاب المسرحي العراقي المعاصر . المحور الاول : النسوية و الجنوسة في المنظور الفلسفي والأدبي .

مصطفى جلال مصطفى

2018 / 10 / 9
الادب والفن


الجنوسة ( Gender ) هي احد المفاهيم النقدية التي تمحورت حول الدراسات النسائية في كافة المجالات منها ( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية الطبية والنفسية والعلوم الطبيعية والأدبية والفنية وفضاءات الإعلام والاتصال والتراجم وغيرها ) مما جعلها مركز تبئير لبرامج ودراسات تخصصية بدأت تنشط في الجامعات والكليات والغربية ولعل محركها الأول في الدعوة إلى التحرر التي تبنتها الحركات النسائية التي تركز على مفهوم الجنوسة كعامل تحليل الذي يكشف الفرضيات المتحيزة المسبقة في فكر الثقافة عموماً ، وإذا ما لاحظنا ان أصل المصطلح اللغوي الالسني الذي يشير إلى تقسيم ضمني مشتق من المفردة اللاتينية ( genus ) التي تعني النوع أو الأصل ثم تحدر إلى اللغة الفرنسية ( gendre ) التي تعني النوع أو الجنس ومنها تتأتى الأنواع الأدبية أو الأجناس الفنية مثل الرواية والمسرحية والشعر وغيرها ؛ وهنا نجد إن التصنيف اللغوي في قواعد اللغة لا تختلف عنها في الأدب ولا في تحديد النوع البشري من حيث التذكير والتأنيث ، فالجنوسة في بعض اللغات أساسية ومهمة لكنها تغيب تماما في لغات أخرى أكثرها تعقيدا لكونها ليست بنية كونية قارة بل تتغير من لغة إلى أخرى ففي بعض اللغات نجد التمييز الجنوسي قائما على الفرق بين المذكر والمؤنث وحيادي الجنس كالجماد لكننا نجد التمييز في لغات أخرى قائما على الفرق بين الحي وغير الحي ، الإنسان وغير الإنسان ، العاقل وغير العاقل على الفرق بين الإنسان الذكر وغير الذكر وعلى اختلافات أخرى لا علاقة لها بالجنس البشري أصلاً لكن كل هذه الاختلافات تؤدي في النهاية وظيفة الفرق بين الذكر والأنثى فالأجناس تتمايز نحوياً حسب اتفاقها م عدمه مع ما يحيط بها من مفردات وقد يتبدى هذا الاتساق إلى اتساق الأفعال والصفات مع الجنوسة المذكرة أو المؤنثة .
لقد ظهر النقد النسوي منذ ما يقرب من أربعين عاماً فهو فرع من النقد الثقافي الذي يركز على الجنوسة المؤنثة إذ قام بعض النقاد بدراسة الطرائق التي تشكلت بها صور المرأة في وسائل الإعلام وبدورها في النصوص الدرامية والاستغلال الجنسي لجسد المرأة واهتموا كذلك بالمسائل المرتبطة بها مثل النظرة الذكورية في النصوص والقيم والمعتقدات الموجهة مباشرة للمرأة مثل الروايات العاطفية والمسلسلات إذ تبين إن أصحاب النقد النسوي يركزون على دور المرأة الذي تلعبه في النصوص ودورها في الحياة اليومية وعلى استغلالها بوصفها موضوعاً جنسياً وعلى سيطرة الرجل في أماكن العمل والعلاقات الجنسية وعلى وعي المرأة من حيث ارتباطه بحياتهن لهذا يجد الباحث أهمية تحديد مصطلح النقد النسوي إذ يميز الناقد ( ادوارد سعيد ) في كتابه ( الثقافة والامبريالية ) بين الأدب الذي تكتبه المرأة ويطلق عليه ( كتابة المرأة أو الأدب النسوي ) وبين الأدب الذي يعبر عن موقف محدد عقائدي بأنه سمات خاصة بالأنثى ورؤاها للعالم ويطلق عليه ( أدباً أنثوياً موازياً ) وهكذا يتحدث عن النقد الأنثوي وعن الحركات الأنثوية وما يعنيه هذا التمييز هو إن النقد الانوثي قد يكتبه رجل لا أنثى أما الأدب النسوي فهو من نتاج امرأة / أنثى تحديداً موازياً للأدب الذي يكتبه الرجل ، غير إن استعمال المصطلح ( النقد النسوي ) أكثر شيوعاً في الكتابات التي تتناول قضايا المرأة ونجده سائداً في النصوص الفرنسية عموماً بينما في النصوص الانكليزية تفضل مصطلح ( الأنثى ) وهكذا نجد إن مصطلح النقد النسوي مصطلحاً غامضاً فماذا يعني هل يعني به النقد الذي تكتبه النساء أم النقد الذي يدعو إلى تحرير المرأة ؟
لقد نشأ النقد النسوي في منتصف قرن العشرين في امريكا في ظل الحركة النسوية التي كانت تطالب بالمساواة مع الذكورية وعرفت رواجاً كبيراً في كندا ما لبثت ان تحولت حركة النقد الى فرنسا في السبعينيات عندما ضبطت دوافع النقد وغاياته مع ظهور دراسات عديدة اجرائية في تطبيق مناهج النقد على عينات من اعمال ادبية عدة وباختلاف الاجناس الادبية .
لاشك ان موضوعة الابداع النسائي التي تقف قبالة الابداع الذكوري تشكل ظاهرة سابقة غير مألوفة في تاريخ الادب والفن اذ تبدو استثنائية حتى القرن التاسع عشر وغدت مألوفة في منتصف القرن العشرين الذي برزت فيه عدد من النساء المبدعات في الادب والفن ما يفوق بكثير من برزّن في تاريخ الثقافات بأسرها اذ تتجلى فكرة نيل حريتها وتحقيق استقلالها ومشاركتها الفعالة في بناء الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية اذ تقف هذه الفترة بوجه الفترات السابقة غير ان هذا لا يعني قصور ذهني او ضعف جسدي في اسهام المرأة في الحياة العلمية والعملية بل تؤكد على وجود وعي وإدراك المرأة بسبب ما تعرضت له عبر القرون من قهر نفسي وقمع فكري واستغلال جسدي .
لقد أجمع الباحثون الغربيون على ان الجنوسة لا تعد بنية طبيعية بيولوجية بل انها تركيبة اجتماعية ثقافية لا علاقة لها بالتكوين الجنسي البشري اذ يذهب الباحثون في الجنوسة الى ان الفرق بين الرجل بصفاته الايجابية والمرأة بصفاتها السلبية الذي ينجم عنه الهرمية الضدية بين الذكر والأنثى انما هو فرق ايديولوجي ثقافي اجتماعي دافع عنه المجتمع والثقافات المختلفة لهذا يؤسس الضغط الاجتماعي والثقافي بنية الجنوسة ويجيز الدور الذي يلعبه كل من الطرفين ولهذا تعد الثقافة وليست الطبيعة البيولوجية دوراً في صناعة القيود والمحددات لكلاهما حتى على طرق التفكير والإبداع والسلوك ( ).
تزعمت الحركة النسوية في فرنسا ( سيمون دي بوفوار ) التي اصرت على ان تحقيق هوية المرأة تنبع من ارتباطها بالرجل اذ تشكل الرجل ذاتاً سمته الهيمنة وتصبح المرأة آخر كموضوع ومادة التي تتسم بالسلبية وحبسها في خانات (الام والزوجة والحبيبة) دون الاخذ بنظر الاعتبار الى حريتها وكرامتها مقابل (الذات الرجل) لكونه كائناً جوهرياً متعالياً لذا تتولد حالة صراع بين الذات والآخر ، في جعل الرجل كائناً غير جوهري غير فاعل دونياً مقابل الرجل الكائن المتجوهر العلوي المتعالي ، والمرأة هنا هي الآخر المتمثلة في الآخر الجوهري التي تسعى الى مصادرة غيرية الاخر ولهذا فقد تمركزت نظرة بوفوار في الطبيعة النسائية بصورة غيرية مضادة عما هو مألوف في النظرية النسوية التي تنطلق من ان الانثى كائن جوهري متعالٍ على الذكر .
انبثقت حركة النقد النسوي في فرنسا عن احداث حركة الطلاب المتمردة على سلطة الاب السياسي عام 1968 وكانت احتجاجاً كاد يقوض مؤسسات سلطة الاب التي اعتمدت على اطروحات كل من (جاك دريدا وجاك لاكان) اذ تبين عمل دريدا في مفهومه عن (التفكيك) وتقويض المتمركزات السلطوية في كسر الثنائيات الراسخة السلطوية عند الرجل لتتجاوز الفصل الحاد بين الذات والآخر وذلك عبر التشويش والتخريب في اللغة التي تحفظ امتلاء الفكر الذكوري وتصون خطابه القائم على مركزية الكلمة الذكورية ، والى جانب عمل دريدا في التقويض فقد رأت الحركة النسوية عند لاكان اساسا ًمهماً لدعم الانثوية وهو ما يتجلى لها في اقامتها على اساس غير بيولوجي اذ يقيم تعارضاً بين الخيالي والرمزي وذلك في محاولة إثبات تميّز العقل النّسائيّ من باب أنّ خياليّتها أكثر حيويّة وخصوبة وحركيّة ممّا هي عليه عند الرّجل.
بدأت تتبلور القراءات النسائية في لسبعينيات من القرن العشرين مع ما كتبه الرجال ع النساء اذ انصبت هذه الدراسات على البحث في النصوص التي كتبتها المرأة وتشكل الصور الدرامية للمرأة فيها بالقيم والمعايير الابوية كما تم البحث العديد من الباحثات في فرنسا مثل ( هيلين سيسكو ، ولويس ايرغراي ، وجوليا كرستيفا ) وفي بريطانيا ( توريل موي ، ايلين شولتر ، وكيت ميليت ) اذ ان اغلب الكتابة النسوية الحديثة التي ميزت الطور الاول منها في الادب الكتابة التي تركز على السياسة المحضة مثل كتابات ( كيت جرمين غرين، ماري ايلمان ) التي تعبر عن مشاعر الغضب من الظلم الذي يشكله الرجل اذ كانت اغلب كتابتهن بطرح قضايا الادراك السياسي لاضطهاد الرجال النساء.
لقد ساهمت المرأة السوداء في الخطاب النسائي العالمي التي تأثرت بلا شك في الماركسية والاشتراكية التي ارتدت على الطبقات الرأسمالية لكون البروليتاريا التي عملت على تقويض الطبقات الرأسمالية إلا انها لم تبقى اسيرة هذه الافكار بعدما تطورت مفاهيمها الخاصة بها بما يتعلق بقضايا الامومة والأرض والحرية وسعت جاهدة الى ربط المفاهيم بالتجربة التاريخية اذ كان محورها صراع المرأة السوداء ضد الرجل الابيض المرأة البيضاء على حد سواء.
لذا ساهمت المرأة عموماً في منهاج الفكر الانساني ولعبت دوراً لا يستهان به في اعادة رسم الخارطة الثقافية للعالم عن طري بالإضافة في مجال الدراسات اللغوية والنقدية والعلمية في تفكيك او دحض بعض المفاهيم السائدة فتناولت قضايا الاختلاف الثقافي والرقي والجنسي والديني بغاية من الحساسية والكثير من الكتابات ما بعد الاستعمار استفادت من المناهج الفكرية النسائية لأنها تتناول مشكلة الاخر المسلوب بعمق وشمولية ولفضح الازدواجية في خطابات مراكز القوة .

يمكن تلخيص مسار الخطاب النسوي الغربي الى ثلاث اطوار :
1. الطور المؤنث : ( 1880 – 1840 ) يتميز هذا الطور بتقليد كتابات النساء المعايير الجمالية الذكورية المهيمنة اذ تتميز بهيمنتها على النساء بالمطالبة ان يبقين النساء محتشمات وكانت الحلقة العائلية والاجتماعية المباشرة ابرز وجوه عملهن على الرغم من ذلك فقد كان يعانين من الاحساس بذنب الالتزام الاناني للتأليف بقبول القيود في التعبير متجنبات الفضاضة والجنون ، ومن بين النساء ( اليزايث غاسكل ، وجورج أليوت ) .
2. الطور النسوي : ( 1880 – 1920 ) يتميز هذا الطور بمطالبة النسوة الراديكاليات حق المساواة في الاقتراع والتصويت اذ كانت هذه المطالبة عرضة لسخرية الرجال وتهجمهم وذلك بسبب ظهور اصوات ادبية نسائية قليلة وخاصة في بريطانيا في القرن السابع عشر مما جعل من الحركة النسوية اكثر تشدداً في موقفها الذي يؤكد على وجود اختلافات بين ابداع المرأة وإبداع الرجل ومن بين النساء العاملات في هذا الطور ( روزا لوكسمبورغ ) التي صارعت عالم الرجال وتمردت على كافة انواع الظلم من خلال جدها واجتهادها في المواصلة على طلب العلم فقد حصلت على درجة الدكتوراه في القانون والعلوم السياسية من جامعة زيورخ لتصبح من المع القادة الاشتراكيين التي تدخل بمناقشات حادة مع جان جوريس في فرنسا وكاوتسكي في المانيا ولينين في روسيا وكانت تحظي باحترام كبير ، وكذلك ظهرت في هذا الطور الروسية ( الكسندرا كولونتاي ) التي كانت متحررة بكل ما في الكلمة من معنى في كتابيها ( المرأة الجديدة و حب النحلات العاملات ) .
3. طور النسوية الادبية ( 1920 فصاعداً ) اذ ورث هذا الطور الطورين السابقين الذ يظهر تطور التجربة الابداعية والنقدية بازدياد موجة وعي المرأة بذاتها وقدراتها الابداعية مما يدفع الباحثين عن التمايز والاختلاف في هذا الطور الذي يؤكد على خصوصية الكتابة النسوية ومن اهم الرائدات في هذا الطور ( فرجيينا وولف وسيمون دي بوفوار ولوسي ايريغاري ) اذ تعد وولف من اهم الرائدات حينما اتهمت العالم الغربي بأنه مجتمع ( أبوي ) في منع المرأة من تحقيق الطموحات الفنية والأدبية وبموقفها هذا فهي لم تتبن الموقف النسوي فقط وإنما تتفحص المشكلات التي تواجه الكاتبات النساء والإفصاح عن الانثى اذ لم يعد الرجل هو المتكلم عنها والمفصح عن حقيقتها وخواصها بل اصبحت المرأة تتكلم وتفصح عن ذاتها وتشهر عن افصاحها وأضافت صوتاً وزاية جديدة مختلفة للتقاليد الادبية والثقافية وفتحت باباً للإبداع الادبي والتحليل النقدي الذ ظل مغلقاً عبر العصور في كل الثقافات ، بينما تفتح (بوفوار) كتابها (الجنس الثاني) بإفصاحها عن جوهر الاشكالية النسوية في صياغة متناهية الدقة والعمق تعتمد على نقض الحتمية البيولوجية المنقصة من قدرة المرأة على الانتاج الفكري الذي توليه اهمية في وضع المرأة التي طالما تفكر في وضع كتاب يتحدث عن وضع المرأة لأنها تعاني من وضع غير طبيعي بينما الرجل لا رواده هذه الفكرة لأنه بالوضع المناسب لكن جنس المرأة هو المتمايز عن الرجال كجنس ثاني ولا بد للنضال النسوي لحيازة حق الوجود ككيان بشري ما دامت السيادة الرجولية وهيمنتها على الاخر وشخصية المرأة لا تتعين وفق الثقافة المتوارثة بخصائصها وبذاتها بل تتعين بعلاقتها بالرجل .
لذا كانت اضافة الطور الثالث في الحركة النسوية محاولة التشخيص لواقع طالما ظل ساكناً واقع المرأة ولكن من منظور نسوي تحرري وكذلك التأكيد على فكرة التراتيبية النخبوية في المجتمع بأنها ركام ومخلفات الثقافة الذكورية المهيمنة والدعوة الى تغييره وذلك بفهم المرأة لذاتها وكينونتها لذا تؤكد بوفوار بقولها ( المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة ) على طبيعة المجتمع والبنية التي تشكل الانثى دون الذكورية فهو شعار نقدي لأفكار الفلاسفة السالفة بان الحتمية البيولوجية هي التي صاغت وضع المرأة ورتبته كجنس ثاني وهذا بدوره يفتح الباب لميلاد مفهوم النوع أو الجنوسة الذ طال فترة الثمانينات م القرن الماضي رغم انها لم تصدح به بل تحدثت عن فكرته ودلالته واضحى يستخدم للإشارة الى الظروف والخبرات والاوضاع الاجتماعية والثقافية المؤدية لتصنيف بين المرأة والرجل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع