الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة النسوية والجنوسة في الخطاب المسرحي العراقي المعاصر . المحور الثالث : القراءة النسوية في المسرح العراقي المعاصر ( برلمان النساء أنموذجاً )

مصطفى جلال مصطفى

2018 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


المسرحية مقتبسة من حيث الفكرة عن النص اليوناني ( برلمان النساء ) لـ ( اريستوفانيس ) اذ يلحظ القارئ للنص والمشاهد للعرض المسرحي الذي قدمته الدكتورة عواطف نعيم الممثلة والمخرجة العراقية المعروفة على مستوى الدراما والتلفزيون والنقد الادبي لكونها متخصصة في مجال الادب والنقد المسرحي التي ألفت واخرجت اعمال عديدة منها (حلم مسعود ، جنون الحمائم ، أنا في الظلمة أبحث ، أنا والعذاب وهواك ، الصامتات ، برلمان النساء ، نساء لوركا ، وغيرها) اذ اقتبست نصها من الشاعر اليوناني السابق الذكر (التي قدمها سنة 392 ق.م.) وقدمت نصاً مغايراً متحولاً نصياً بعلائق ومتشيئ عن النص الاصلي فهي مسرحية كوميدية ناقدة ترتكز فكرتها الأساسية على لعبة تبادل الأدوار بطرح سؤال: ماذا لو كانت سلطة القرار في يد النساء المتقدمات في السن؟ وهو سؤال يخفي أو يلمح إلى عجز الرجال والساسة منهم على وجه الخصوص في إدارة الشأن العام ؛ لذا تُصوّر أحداث المسرحية نساء المدينة اجتمعن ذات يوم تحت قبة مجلس البرلمان بعد أن لبسن لباس رجالهن حتى يأخذن مكان الرجال .. وتبدو اختلافات كثيرة عن الاصل الذي نقلت عنه المسرحية حيث اضافت المؤلفة شخصيات جديدة منها شخصية (الشيف الاول والشيف الثاني) كما ان اسماء النساء ودوافعهم مختلفة عن النص الاصلي الساخر والناقد ؛ كما ان فكرة المسرحية عند عواطف هو انتقاد البرلمان اما عند ( اريستوفانيس ) كانت فكرته هو القضاء والتوقف عن الحروب بين اثينا وإسبارطة ، فالشيف الاول هو شخصية معتدلة يتميز بقدرته على ترجمة لغة الاشارة اما الثاني فله روح ساخرة هندي الاصل الذي يتميز بقدرته على قراءة الكف .
اما الشخصيات النسائية التي شكلت البرلمان فهي تملك صفات وسمات على النحو الاتي : شخصية رئيسة البرلمان التي تحمل اسم (كبيرة السن) وهي شخصية معتدلة مركزية لها سمات تتصف بالسلطوية على باقي النساء ، وشخصية (ملونة) هي شخصية خفيفة الظل وفكاهية وتطلق النكات بخفة وسهولة لها نفوذها في استيراد الممنوعات ومنها الخمر الذي تدسه بعصائر الى النساء ، وشخصية (مبتسمة) هي شخصية خفيفة الظل وفكاهية تعمل على نقل ثقافة وتكنولوجيا العصر النسائي من خلال استخدام بعض مستحضرات التجميل والعمليات الجراحية لتزيين النساء ، وشخصية (الحامل) هي شخصية كوميدية تعمل على نقل ثقافة وتقاليد المجتمعات الشرقية في انجاب اكثر من طفل لتحقيق رغبات الرجل في تحصيل اكثر من جنس (ذكري أو أنثوي) بالتساوي ، وشخصية (كآبة) هي الشخصية الوحيدة المعتدلة والجادة في المسرحية التي تنقل خبرات الشارع العراقي من طبقات المجتمع المختلفة بدءاً من الطبقات العاملة الى الطبقات الرأسمالية المتمثلة بالبرلمانيين ولكن على شكل (فارس مسرحي ( Farce ، اما شخصية (اشارة) التي تتكلم بلغة الاشارة فسمتها الاعتراض وان لم يكن لها شيء تعترض عليه، وشخصية (فزة) هي شخصية انتهازية تتعامل مع مشغل المولدات وتتميز دائماً بتأخرها دائماً عن الحضور عن اجتماعات البرلمان ، وخلاصة المسرحية ان تجتمع النسوة في قبة البرلمان بغياب أزواجهن البرلمانيين بعمد لرغبتهن في تحقيق سيادة لهن وتشكيل الحكومة اذ يجتمعن لتحقيق اكتمال النصاب الكافي لاختيار رئيسة البرلمان ونائبتيها ويحاولن النسوة ان لا يحضر أزواجهن الى البرلمان وهي الخدعة التي لجأ اليها ( اريستوفانيس ) فخدعة ( اريستوفانيس ) هو تمنع النساء من ممارسة الحياة الطبيعية مع الازواج اما عند د. عواطف نعيم فقد لجأت الى خدع اخرى عند النساء ؛ فشخصية كآبة تخفي الجوارب ؛ جوارب زوجها حتى لا يتمكن من حضور اجتماعات البرلمان ، اما شخصية الحامل فأنها تخفي فانيلة زوجها لكي لا يتمكن من الحاق بها الى قبة البرلمان وتستمر الحوارات الناقدة والساخرة حتى يكتمل نصاب النائبات وتصبح كبيرة السن هي رئيسة البرلمان وملونة نائبة اولى وكآبة نائبة ثانية ومبتسمة مقررة البرلمان والمعارض الوحيد لها شخصية (اشارة) التي تحتج عليها بعقد مؤتمر صحفي تشهر به لعبة النساء على الرغم من عوقها ويلاحظ ان المسرحية بأكملها هي كوميديا سوداء سياسية من الدرجة الاولى .
ان الحوار مكتوب باللغة العامية لكي تمس أكبر شريحة من المجتمع وتستخدم الحوارات بلغة الحياة اليومية الدارجة مصاغة بطريقة كوميدية وهزلية و نلاحظ الكوميديا السوداء من خلال الحوار الاتي :
السيدة الاولى والثانية مخاطبة مبتسمة السيدة الاولى : ( يعني ماكو شي منعكس غير دواخلج . السيدة الثانية : يعني ماكو بوتكس .. سيليكون .. تبييض بالليزر ..) ونلاحظ ان ملونة تقول حوار كوميدي ساخر وهي تخاطب السيدة الكبيرة ، ملونة : ( اي داده الديمقراطية نخلط وياهه الشفافية ونزيد لها حرية الرأي وقليل من حرية التعبير ونوفر لها الدعم اللوجستي تاكلين اصابعج من وراهه داده ) وايضاً مبتسمة تحاول تقديم النكتة بخفة وهي تخاطب الشيف الثاني ( انا عندي خبرة كبيرة في فهم لغة العيون وقراءة الطالع . مبتسمة : واو .. تقرأ الطالع .. شلون من عيوني لو من جفي ) ونلاحظ ان الحامل يأتي عليها الدور في تقديم النكتة وهي تعلق على اشارة الحامل : ( لج عيني ولا امبين عليهه . اني عبالي فقيرة وعلى كد حالهه طلعت هاي ذيب أمعط وفوكاهه نص ألسان ) ونلاحظ ايضاً الدور يأتي على السيدة الكبيرة في تقديم النكتة وذلك من خلال الحوار الآتي وهي مخاطبة الجميع ، السيدة الكبيرة : ( لج هي الديمقراطية شلون تصير حمرة خضرة كلمن يريد يرشح خلي يرشح .. ولكم احننه الاسسنه الديمو وأحنه النلعب بيه ) وهنا يأتي الدور على كآبة في تقديم النكتة وهي مخاطبة الحامل ( أمعودين عوفوهه الهي أم نص ألسان . اللي صوتهم عالي ساكتين وهذي اللي ما ألهه صوت تريد أتغير رأينه.. عيوني أريد شربت لاخ )
المسرح والمرأة لقد كانت بداية العرض المسرحي نسوياً والسؤال المطروح على مائدة النقد هل استطاعت النسوة ان يكتبن لمسرح العراقي ؟ وأين هي بصمة المرأة العراقية في المسرح ؟ وهل تكمن اختلافات روحية للنص الذي يكتب بأنامل الانوثة عن ذك النص الذكوري ؟ في برلمان النساء لعواطف وكعادتها تفاجئ الناقد او المحلل او المتتبع للإرث المسرحي العراقي باستحداث جلسات (غرفة مسرحية) او (غرفة عواطف) مغايرة ومهمة عن واقعنا المألوف ، النفس الانثوي الصرف السائد في المسرح وخاصة بحضور مجموعة من النسوة على خشبة المسرح لتعتلي الصيحات التحررية .. ان الثقافة الشرقية التي تتمركز فيها ثقافة الذكر (الاب) على المذكر الذي يحكمها فهي تنتظم بطريقة تهيئ هيمنة الرجل ودونية المرأة حسب مفاهيمنا الدينية والعائلة والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتشريعية لتمتد حتى الفنية والأدبية تلك الهيمنة التي وفرت غطاء للأنثى وأفضت عليها بظلالها الى تبني البنية الايديولوجية وأصبحت تجسد الحياة وفكرها حتى اصبحت كالرجل واحتلت مكانته ، اذ ترى دونية نفسها كبديهية مطلقة مثل هيمنتها على تبديل الادوار واحتلال مكانة الرجل البرلماني (الجوارب والفانلة) لكي يبقى في بيته لتبادل الادوار ، فالنظرية في المؤسسات الاكاديمية غالباً ما تكون ذكورية بل قد تصل لحد العدائية فهي الطليعة الصلبة المثقفة وفضيلة الرجل في الصرامة واقتحام الاغراض ، كل هذه الموروثات تم تفكيكها في النص لتصبح هذه التقاليد مهمشة ، آخراً ؛ ليس له بديل سوى احتلال مكانة (الاب الزوج الحبيب) مغايراً عنها في مكانة (الام الزوجة الحبيبة) اذ فضحت (عواطف) النسوية الموضوعية التي تتصف بالمكر للحيلولة في عالم الذكورة ، لقد قدمت النسوة في العرض جسداً ما لا يستطيع النظام الرمزي الذكوري تفكيكه او فهمه فالمرأة تحدس بالمرأة من بعيد الكل ينتظر (فزة) التي تحتال على انارة النفس والروح والثقافة النسوية لتتبدد في ظلمة الروح نفسها .. ومن خلال (ابتسامة) بألوانها وأساليب تشكيل وجهها وشعرها ولباسها لا تكف عن كتابة صورها التي هي بالضرورة ليست صورها من خلال الزي المسرحي (الاسود ورسم الشفائف) البوتكس وعصارات التجميل والثقافة العصرية للمرأة لأنها تكونت من خلال اعتبار آني تريد ان ترتقي الى صورة المرأة العصرية ؛ فالمجموعة المسرحية (غرفة عواطف) تحاول ان تتطابق مع ما تريد هي ان تكون او ان تمتلك (رئيسة للبرلمان النسوي بدلاً من برلمان الرجال) فالمرأة جسد راغب هكذا يقول الرجال او ما يوحي به الواقع وبالتالي فهو كائن نرجسي يتمحور حول الذات دون ان تقوم النساء بأدنى محاولة للخروج من الذات نفسه إلا من خلال تكوّن نرجسية متضخمة نتيجة الواقع القهري الذكوري الذي تحتال عليه لتشكل برلماناً نسائياً مهمشاً امام النزعة المركزية للرجل .
لذا توصل الباحث من خلال دراسته للمحاور الثلاث الآنفة الذكر الى اهم الاستنتاجات عن الجنوسة واثرها في المسرح العراقي من خلال شرح وتحليل مسرحية ( برلمان النساء ) الى ما يلي :
1. كانت المسرحية تشخيص لواقع المرأة في البرلمان من منظور نسوي واقعي يتسم بالتحرر تارةً وعلى وفق الفلسفة الوجودية والنقد تارةً اخرى بإيمان منها تغيير الوضع والصرخة ضد عالم الرجال الذي تأمل ان تصل اليه من خلال التكلم والحوار عن رسالتها للمجتمع كامرأة .
2. التأكيد على فكرة التراتبية النخبوية في المجتمع بعدها ركاماً ومخلفات الثقافة الذكورية التي تهيمن على الشارع العراقي المتمثل بقبة البرلمان وحدوث الثورة ضد ثقافة المهيمن ( الرجل الذكر ) .
3. ان من أهم سمات اتجاه النسوية في الخطاب المسرحي تبرز في تحديد وتعريف الموضوعات الادبية التي تكتبها المرأة وكيف اتسمت بصفة الجنوسة عالم المرأة المحلي ، علاقة المرأة بالمرأة ، المرأة بالسياسة ، وغيرها .
4. الخطاب المسرحي محاولة ارساء صيغة التجربة الانثوية المتميزة في التفكير والشعور وإدراك الذات الانثوي المهمش مع العالم الخارجي وكذلك محاولة تحديد سمات الانثى ومعالمها والأسلوب الانثوي في الكلام المنطوق وخصائص الصور المجازية والخيالية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل