الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حالات من الكسوف

ياسر العدل

2006 / 4 / 5
الصحافة والاعلام


منذ أسبوعين أكد صاحب لى أن الكسوف الكلى للشمس حدث عظيم، ومنذ أسبوع قرر نفس الصاحب أن أرافقه فى رحلة إلى مدينة السلوم فى أقصى الشمال الغربى من أرض مصر لنشاهد الحدث العظيم، عندها اشترطت علي صديقى أن نتوقف عن استخدام الحمار حكما بيننا، حين يفشل احدنا فى توصيل معلوماته للآخر ويرى صديقه غارقا فى البديهيات متوقفا عن استخدام العقل، يقول الفاشل لصديقه ( أنت حمار) فيثور الصديق ويرفض قبول أية معلومات ويبقى الأمر معلقا بيننا لجولة قادمة، مفضلا كل منا أن يبقى على أصله إنسانا جاهلا وأسطوريا أيضا، هكذا تتحول الصداقة بيننا إلى نوع من التالف الجميل بين أنواع من الحمير، حين وافق صديقى على شروطى بدأت الرحلة قاصدا متابعة حالات من الكسوف.
حدد صديقى موعد وصول أتوبيس شركة النقل إلى محطة ركابها بميدان الجيزة فى تمام الحادية عشرة مساء الاثنين 27 مارس الماضى، وفى الموعد المحدد بدأت الانتظار أنا وحقيبة سفرى فى محطة الجيزة أعانى من هطول الأمطار دون مظلات واقية، بعد ساعة ونصف من الانتظار وصل الأتوبيس إلى المحطة، وحين قابلت صديقى بالعتاب على اختلاف المواعيد قال صديقى حاجة تكسف صحيح لكن أنت حمار، لا أحد يعرف كيف ومتى يصل الأتوبيس، لا قيمة للوقت فى بلادنا والزحام قانون الحياة.
ركبنا أتوبيس درجة أولى قيمة تذكرة السفر أربعون جنيها للفرد من القاهرة إلى السلوم لقطع مسافة تزيد عن سبعمائة كيلومتر، تذكرة السفر دون تأمين على الركاب، التلفزيون لا يعمل والتكييف فاسد والكراسى سيئة والسائق وحيد يقود الأتوبيس لمده تسع ساعات متواصلة معرضا للإجهاد والحوادث، وحين تساءل صديقى عن حالة الأتوبيس قلت لصديقى حاجة تكسف صحيح لكن أنت حمار، تذاكر السفر فى مصر عقود إذعان على الركاب أن يقبلوها باعتبارهم ضحايا فساد التخطيط والمتابعة لشركات النقل.
هطلت الأمطار غزيرة على القاهرة، وتعطلت مئات السيارات تخوض المياه فى الشوارع، وحين نجح أتوبيسنا فى عبور بحر من مياه المطر وصل عمقه قرابة المتر فى بداية طريق مصر إسكندرية الصحراوى، تساءلت عن إدارة لكوارث المطر، قال صديقى حاجة تكسف صحيح لكن أنت حمار، صغار المسئولين يرون فى تعطيل بالوعات المطر بابا للتكسب، وكبار المسئولين يركبون طائرات تكفيهم شر كل أنواع المطر.
قطعنا الليل نتلوى على الكراسى ونعانى مشاكل النوم، وحين ظهرت علينا شمس الثلاثاء 28 مارس الماضى اكتشفنا بين ركاب الأتوبيس عددا من السائحين الأجانب، وعند نقطة تفتيش على مدخل مدينة السلوم تم إنزال السائحين تطبيقا لإجراءات أمنية، وحين سألنى صديقى عن وجود أساليب حضارية فى مكافحة الإرهاب، قلت لصديقى حاجة تكسف صحيح لكن أنت حمار، المتخلفون لا يستطيعون التعامل بالأساليب الحضارية ويعتقدون أن ضرب المربوط يخيف السائب0
قضينا يوم الثلاثاء نجوب مدينة السلوم، أهل المدينة هجروها، معظم الدكاكين والمحلات مغلقة، وجود الأطفال نادر وصوت الأمهات معدوم، قلت لصديقى أن أهل السلوم أخلوا مدينتهم إيمانا منهم بما هو موروث فى كتب التراث بأن كسوف الشمس فى مدينتهم معجزة يتبعها كثير من الكوارث، قال صديقى حاجة تكسف صحيح لكن أنت حمار، السلوم مدينة صغيرة تقع على بعد أربعة عشر كيلومتر من الحدود مع ليبيا، عدد سكانها حوالى خمسة ألاف نسمة يعملون فى التجارة والتجارة فى بلادنا شطارة تتطلب كثيرا من الحذر، وحين تأكدوا أن كسوف الشمس سيجلب عليهم قليل من النفع وكثير من المتاعب، اثروا الهروب على مواجهة غير مضمونة العواقب مع أعداء تقليدين من كبار الرقباء والمفتشين ورجالات الدولة الناشطين فى صنع الكوارث.
حوالى الثانية عشرة ونصف من ظهر الأربعاء 29 مارس الماضى، انكسفت الشمس فوق مدينة السلوم ولم يظهر فى السماء غير هالة من ضوء خافت شكلت دائرة حول قمر اسود، وأظلمت الأرض لتعيش ثلاث دقائق فى وقت هو بين المغرب والعشاء، وظهرت فى عز الظهر نجوم وكواكب، كان غالبية المتابعين لظاهرة الكسوف مئات من الأجانب وعشرات من طلاب المدارس المصرية يدرسون بلغات أجنبية وتتولى مراكز ثقافية أجنبية تمويل رحلاتهم، وحين تساءل صديقى عن كثافة وجود المصريين وعن رحلات الطلاب الدارسين بالعربية، قلت لصديقى حاجة تكسف صحيح لكن أنت حمار، غالبية المصريين فقراء وكثير من أغنياؤهم أغنياء حرب لا يملكون وعيا بأهمية أن يرسخ لدى أجيالنا الشابة فكر علمى يرى أن ظواهر الطبيعة قابلة للفهم والتفسير0
فى العاشرة ونصف مساء الأربعاء ركبنا أتوبيس لنفس الشركة من مدينة السلوم ليعود بنا إلى ميدان التحرير فى القاهرة دون أن يعود إلى محطات القيام فى الجيزة وفى القاهرة، وحين علمنا أن سائق الأتوبيس قرر بخالص إرادته أن يسافر الركاب من محطات ويعودون إلى محطات أخرى، قلت مع صديقى حاجة تكسف صحيح لأن إدارة كثير من شركات النقل فى بلادنا متخلفة لا ترى فى الحياة ركابا غير الحمير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية