الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مركز الشرق للدراسات الليبرالية ----الآخر في كل الديانات---بوذا الهي؟؟؟

سلطان الرفاعي

2006 / 4 / 6
حقوق الانسان


تعلم البوذية أن الكائن الإنساني ليس شخصا. إنها تؤكد أن الإنسان ليس ذاتا. ومن ثم فمنذ البداية لا تنظر إلى القيم كالمحبة والعلاقة مع الآخر من زاوية العلاقات بين الناس، ولا تعدها قيما شخصية وبالتالي متعلقة بالشخص. فالإنسان ليس وحدة مخلوقة كما في المسيحية، بل هو جزء غير شخصي من الأجزاء المكونة لتيار من عوامل الوجود التي هي أيضا غير شخصية. إن اعتقاد الإنسان بأنه ذات أو أن له ذاتا، بأنه شخص وبأن ثمة أشخاصا لآخرين إلى جانبه، إنما يرتكز على خطأ وجودي أساسي. ثمة التفاتة أخلاقية، بمعنى الشفقة والصلاح في الفكر والقول والفعل، على الكائنات المتألمة، سواء كانت بشرا أم حيوانات أم أية كائنات أخرى.
ثمة نقطة انطلاق أخرى لتفسير السؤال، وهي تحديد الأساس الخاص للأخلاق التي لا ترتكز على وصايا إلهية. حتى يبدو للوهلة الأولى أنه لا مكان في العقيدة البوذية على الاطلاق ((((للآخر)))، عندما نفكر بقول أساسي لبوذا يعلم فيه: ((كونوا أنتم كنز نفسكم وملجأ نفسكم، ولا يكن أمر آخر ملجأكم. لتكن العقيدة كنزكم والتعليم ملجأكم، ولا يكن أمر آخر ملجأكم)). الراهب نفسه وتعليم بوذا هما الكنز والملجأ. هذا القول يجب النظر إليه في إطار واسع. فبوذا، بصفة كونه مؤسس ديانة جديدة، هو على نحو ما مجدد التعاليم البراهماتية. فهو يعلم الإعراض عن الارتباط الديني بال فيدا. ومن ثم فكلمة المصلح، من هذه الناحية، لا تنطبق عليه، لأن المصلح يُبقي مبدئيا على التعاليم السابقة ويفسرها تفسيرا جديدا. أما بوذا فيؤكد أن لا وجود لأية سلطة، سواء أكانت إلها أم أي كتاب موقر منذ القدم، بل ثمة فقط العقيدة نفسها التي تمتلك الحقيقة الجلية والتي تقتضي الممارسة. وهذه الحقيقة ( ويُقصد بها الحقائق النبيلة الأربع:المعاناة، ووضعها المشروط، ومعرفة إزالة كل معاناة، والطريق الذي يقود عبر ثمانية وسائل للتخلص من المعاناة) يتوجب على كل إنسان بمفرده أن يعرفها ويحققها، وليست مضمون أية سلطة إنسانية أو إلهية أو مكتوبة. وانطلاقا من هذا أولا يجب فهم ما قاله بوذا قبل وفاته بقليل.
إن نظرية المعرفة البوذية هي بالضبط نقطة انطلاق لأخلاقية مُلزمة، أي أخلاقية ترتكز مقتضياتها على أساس مُلزم. فالقول إن الإنسان هو كنز نفسه وملجأ نفسه يُشير إلى طريق على الإنسان أن يسلكها، إلى مسيرة حياة وتحقيق حياة، إلى القيام بالإحالة إلى الإنسان نفسه، إلى موقف يجب أن يتجسد في ممارسة الحياة. فإذا كان الإنسان هو نفسه كنز ذاته وخلاص ذاته، وإذا كان هذا الخلاص لم يتحقق له بعد، فهو مدعو دعوة شديدة ولا عذر فيها إلى العمل على تحقيقه في حياته. عليه أن يسأل نفسه بلا انقطاع ما الذي يفيده للخلاص وما الذي لا يفيده. وفي هذا الأمر يعطي التعليم البوذي توجيهات متعددة. في عودة الإنسان إلى ذاته والى قدراته الخاصة التي تشمل الفعل والقول والفكر، يتبين أن تقدمه على طريق الخلاص النهائي لن يتحقق له إذا صرف النظر عن سائر الناس وسائر المخلوقات. فالإنسان لن يستطيع تحقيق خلاصه الخاص والبلوغ إليه إلا إذا نظر إلى خلاص سائر الناس وسائر المخلوقات والى تحررهم من المعاناة، وأدرجها في مضامين عمله الخاص -ثم إن التعليم القائل إن الإنسان ليس شخصا وليس ذاتا مستقلة يتبين أنه قادر في النهاية على أن يُلهم فكرة التقدير الكبير لمحبة ((((الآخر)))). قد يبدو هذا لأول وهلة أمرا يستحيل تصديقه. فإذا افترضنا أنه لا وجود حقا للشخص الإنساني ولا للفرد الإنساني، وأن الإنسان ليس ذاتا مستقلة بحيث لا يقدر أحد أن يقول (أنا)، يتبادر إلى الذهن أنه لا يمكن أن يكون ثمة أي عطف تجاه أي إنسان آخر، إذ أن هذا الإنسان ليس بالتحديد شخصا. فكيف يمكن والحالة هذه الوصول إلى تأكيد صريح لقيمتي المحبة والشفقة كما نجدهما في البوذية؟
عن هذا تُجيب البوذية بأنها تتكلم حقا على المعاناة التي تُختبر في الواقع. ثمة بُنى معاناة تحيط بكل كائن حي. وان لم يكن من يتألم ذاتا مستقلة، فهو مع ذلك موجود في حالة معاناة. المعاناة يتم اختبارها لأن ثمة كائنا يتيه في وهاد الجهل والطمع والبغض، ولا يرى مخرجا من هذه العقد المتشابكة الجذور، وهو يخضع بالتالي لقيودها. من هذه الاعتبارات الأولية يمكن القول إن ثمة في البوذية حتما عطفا على ((((الآخر)))). يبقى السؤال عن الصيغة التي تتميز بها البوذية بالنسبة إلى العطف على ((((الآخر))).

نقطة الانطلاق في تعليم بوذا هي فكرة الفناء الجذرية والصريحة. وان كان واضحا لكل إنسان أن الحياة فانية، غير أن هذه الفكرة، بحسب النظرية البوذية، لا يلبث أن يتم كبتها. قد يكون أمرا واقعيا ومطابقا للحقيقة أن يفكر الإنسان بأنه زائل ويصمم حياته كلها بحسب هذه الفكرة. قد يكون أقرب إلى الوضع البشري أن يعترف الإنسان، بناء على فنائه، بأن ذاته أيضا فانية، ويعيش بمقتضى ذلك. (( إن نشأة الأشياء وسيرها وتقلبها، أو اختفاؤها بعد تكوينها ونشأتها، هذا هو الفناء. ومعنى هذا أن هذه الأشياء لا تثبت أبدا على طريقة واحدة، بل تضمحل إذ تنحل بين لحظة وأخرى)).
((كل ما ينشأ يفنى)). الفناء في البوذية ليس على الإطلاق قيمة خاصة، بل هو حافز على السعي إلى الخلاص النهائي، إلى النرفانا، التي لا وجود فيها لفناء أو لنشأة. ومع ذلك يعلم بوذا مجموعة من الممارسات الروحية التي تضع باستمرار الساعي أمام فنائه ووهنه. وهكذا فثمة ممارسات محددة تجعل المتأمل يواجه جثثا منتنة وترشده إلى كيفية النظر إلى تلك الأشياء المنفرة، بغية استحضار فناء الأشياء كلها. إن هدف مثل هذه الممارسات هو إدراج جوهر الفناء وحقيقته في ممارسة الحياة، والتقرب، في إطار الحكمة والتعليم البوذيين، إلى هدف التحرر النهائي في النرفانا، هدف التخلص من كل معاناة، والتخلص بالتالي من الفناء. الشيخوخة والمرض والموت، هذه هي المصطلحات الثلاثة المميزة للفناء.
الفناء يقود، إذا تم النظر إليه نظرة شاملة ومنطقية، إلى فكرة عدم حقيقة ما يُعد خطأ أنه كائن قائم ومزود بالكيان والفردية. المسافة بين الولادة والموت، وان أُدركت من الخارج بأنها كيان، تحددها بشكل رئيسي القيم التالية: الولادة والموت، وإذا النشأة والفناء. لا وجودديانة منفصلة عن النشأة والفناء، إنما الحياة مرتبطة ارتباطا مباشرا بالنشأة والفناء ولا يمكن فصلها عنهما. وإذا كان الأمر على هذه الحال، فلا وجود بالحقيقة للكيان ولا للحياة، بل ثمة فقط نشأة وفناء. قد يكون هناك بالحقيقة كيان وحياة، غير محددين بالضبط بالنشأة والفناء، وهذا هو حقا هدف الساعي. ففي النرفانا، باعتبارها الهدف الذي يسعى إليه المرء، لا وجود لأي نشأة وفناء.
هذه الفكرة تُفضي من قم إلى أنه يجب القول أن لا وجود بالتحديد لأي (أنا)، لأي ذات يكون لها قوام خاص. فما هو محدد بالنشأة والفناء لا قوام له، ولا كيان، وبذلك لا (أنا) ولا ذات. هذا هو الاعتبار الخاص الذي يقود إلى أن لا وجود لأي (((آخر)))) يمكن اعتباره شخصا، ولا لأية خليقة يمكن عدها آخر لفرد آخر. مثل هذه التعاليم كثيرا ما أدت إلى الاعتقاد بأن البوذية تمثل أنانية في الخلاص. ففي أنانية من هذا النوع، لا ينظر المرء إلا إلى خلاصه الشخصي، ولا يهتم إلا للسعي إلى خلاصه الشخصي والى التحرر من المعانات. وفي هذه الحالة، على الإنسان (((الآخر)))، حتى المنتمي إلى العائلة عينها، أن يسعى من جهته أيضا إلى خلاصه الشخصي، ولا يستطيع أي فرد أن يساعد الآخر بأية طريقة.---------
ما الذي يحدد علاقة البوذي بالآخر ؟، وأي إنسان آخر يستحق تصرفا من نوع احترم ومحبة الآخر ؟ .
يجب الانطلاق أولا من الراهب البوذي أو الراهبة البوذية، باعتبارهم من أولئك الناس الذين يتممون التعليم البوذي في حياتهما. من الناحية المبدئية الراهب والراهبة هما وحدهما يعيشان بحسب تعاليم بوذا. وكل الناس الآخرين، أعني العلمانيين، يعتقدون أنهم لن يحصلوا على حالة الراهب إلا في المراحل اللاحقة من حياتهم. الراهب والراهبة يلتزمان من خلال نذورهما بواجب أخلاقي جذري يفرض عليهما العمل على خير الناس الآخرين -عندما نقرأ أنه لا يمكن أن يأخذ أحد شيئا لم يسلم إليه، يصح من ناحية أخرى ما يقابل هذا القول بأنه يجب أن يعطي الإنسان كل ما يملكه-وهذا يتعلق بأقصى ما يملكه الإنسان، أي بحياته الخاصة. والحياة لا تُعتبر صراحة حتى ملكا، لذلك يمكن البوذي أن يعتبر بذل حياته لخير إنسان آخر عملا طبيعيا يُسهم في حصوله على خلاصه الشخصي. ((الذين يتحولون إلى ما هو رديء في الفعل والقول والفكر، هؤلاء لا يحبون ذواتهم. لأي سبب؟ ذلك بأن كل ما يفعله الناس الذين لا محبة فيهم لكائن غير محبوب، إنما يفعلونه لذواتهم. أما الذين يتحولون إلى ما هو صالح في الفعل والقول والفكر، فهؤلاء يحبون ذواتهم. لأي سبب؟ ذلك بأن كل ما يفعله الناس المحبون لكائن محبوب، إنما يفعلونه لأنفسهم )). ما قيل هنا أمران: 1 فعل محبة الآخر له أجره، 2- فعل المحبة هو في الوقت نفسه فعل خلاصي لصالح من يتصرف على هذا النحو. هاتان الفكرتان والمعرفتان متلازمتان، وألا اعتقد الناس أن البوذي لا يفعل خير لصالح إنسان آخر إلا ليجمع ما يكفي من (الكرما) الايجابية للولادة الجديدة والحياة الآتية بعد الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رشوا السياح بالمياه.. سكان برشلونة يتظاهرون ضد السياحة المفر


.. لحظة اعتقال الشرطة الإسرائيلية لمتظاهر في تل أبيب




.. رئيس وزراء بريطانيا الجديد ينهي خطة لترحيل اللاجئين لرواندا


.. شهيدان بينهما موظف أونروا جراء قصف إسرائيلي قرب مخزن مساعدات




.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?