الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبعاد السياسية الاجتماعية لاختفاء جمال خاشقجي

احمد علي كزو

2018 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


بعيدا عن الأحداث المتجددة على رأس كل ساعة في قضية اختفاء جمال خاشقجي والتي تشير أغلب المعطيات والقرائن فيها إلى وجود حالة من الاختطاف ولربما القتل، فالقضية بحد ذاتها تلقي الضوء على ميكانيزم سياسي عميق في مفهوم السلطة والحكم، ولا تزال تُظهر جوانب بارزة حول إشكالية المنطقة في الفهم السياسي لممارسة السلطة.
وهي وإن كانت تبرز المفاهيم الأساسية للعقلية السياسية العربية والإسلامية في مداها الأوسع، ولكنها بحد ذاتها تقدم معطيات عن إشكالية أوسع أمدا تاريخيا تبرز ملامحها التاريخية والاجتماعية والتطورية في مجتمعاتنا ككل، وهي إن لم تكن تعطي ضوءا أحمر للتغيير، فهي تشكل دليلا دامغا على مرحلة من التاريخ تمر فيها المنطقة وتشكل مفترق طرق أمام الكل إما للسير قدما بالشعوب المناطقية للتقدم، أو الاستمرار بمسيرة التراجع التاريخي حتى الوصول إلى مرحلة الخفوت والموت التاريخي. وضمن السلوكيات السياسية المتبعة فلا يبدو أن هناك أملا حقيقيا بانصياع السلطان لمنحى التغيير التقدمي الدافع لشعوب المنطقة والذي بدوره لا بد أن يكون نتيجة ثورة وتثوير للأسس الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع نحو تقدم موازي في مجال الحكامة السياسية.
تنحو أغلب الأنظمة العربية الوليدة في الدول المستجدة تقسيميا في المنطقة نحو المركزة التامة للسلطات في شخص القائد، سواء كان ملكا أو رئيسا بانتخابات أو باستفتاء، ولا يبدو أن الاحتكاك مع الغرب في مراحله الأولى مما يمكن إدراجه في دائرة الاستشراق ومن ثم الغزو العسكري، وتاليا بالاحتلال والاستعمار قد ولد إلا نظرة من منظور أدنوي للغازي بنظام عمله على كل المستويات، وعلى هذا اندفعت أغلب الدول المستعمَرة نحو توليد وتخليق نفس النظام السياسي على أرضها وحاولت خلق مماهاة تدفع بالغازي للاعتراف بالتوازي أو على الأقل باعتبار الأمم المحتلة ندا ونظيرا قادرا على مجاراة المحتل كنظام سياسي، ومن دون الابتعاد عن الدافع الأخلاقي المتمثل بالحرية التي كانت مطلب الشعوب حينها، إلا أن المستعمِر قد دفع بالدول المحتلة لخلق أنظمة موازية لأنظمته بحكم نظرته الأعلوية أولا والتبعوية ثانيا المتولدة عن نظرة تفوق على هذه الأمم المغلوبة، وهو ما خلق المبرر الأخلاقي للاحتلال بشكل عام.
تلت مراحل الاستقلال تلك مراحل قلاقل واضطرابات عمت كل الدول المحررة، وهزت أركان الدول التي لم يطلها الاحتلال، كبعض دول الخليج العربي مثالا، ما لبثت أن تحولت أنظمة الحكم الديمقراطي في الجمهوريات والملكيات الوليدة، والتي طالتها الانقلابات لأنظمة ديكتاتورية يحكمها فرد ملكي بالسلطات جمهوري بالمسمى، وأعقب ذلك حملات قمع وتصفيات ضخمة للحركات الاجتماعية التي مثلت فئات معينة في المجتمع والتي بحد ذاتها كانت حركات ذات هرمية أبوية لا تخلو من نفس منطقية الحكم التي تعارضها.
عودة المنطقة العربية إلى الأنظمة السلطوية الفردية ليس ببعيد عن المنحى التاريخي الذي خضعت له المنطقة طويلا والذي يقوم على أسس مناطقية وعرقية وقبائلية وطائفية تعلي من القيادة الفردية وتدفعها كممثل لها في ميدان المواجهة السياسية.
ففي لبنان على سبيل المثال، تشكل القيادات الطائفية في لبنان والمستمرة منذ فجر الاستقلال حالة واضحة على ترافق الديمقراطية النسبية مع استمرارية السلطوية الفردية بكل أشكالها.
ولا يبدو أن هناك إمكانية لتغيير نمطية السلطة العربية دون أن يترافق ذلك مع تطور تاريخي مماثل بمجراه للتطور في العالم الغربي وهو إن كان من التعقيد والطول بمكان، فليس من الضرورة بمكان أنه يجب أن يسير على خطاه، وإنما أن يتمكن التقدم التاريخي في هذه المنطقة من خلق الإطار المتكامل للتطور في جميع مناحيه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. سواء على نفس المناهج التي اتبعتها الدول المتقدمة، أو لربما بطرق أخرى.
وفي ضوء هذا العرض، لا يبدو أن الأنظمة العربية تفكر في منطق استدامي للسلطة بمقدار ما تفكر بمنطق استحواذي مرحلي للسلطة وهو ما يدفع هذه السلطات إلى سلوكيات لا تتبدل مع تقدم الزمن وتغير المعطيات الاجتماعية وفق المراحل المختلفة.
فالسلطان الحاكم الأول والأخير ولا يوجد من سلطات أو صلاحيات هشة وهزيلة لباقي أفراد الشعب بما يمكنهم من الوقوف أو العدول به مهما كانت عواقب تصرفاته.
وهنا تمر معنا أسماء القيادات العربية بانحرافاتها النفسية العديدة ولكن بجوهرها الأوحد وهو مركزة السلطة ودمويتها وقمعيتها المطلقة غير القابلة للرد أو النقاش، وإن كان الأمل متجدد بتغيير، فلا يبدو أن الدولة العربية الوحيدة القادرة اقتصاديا على النهوض الحالي والمرحلي خارج إطار تلك الممارسات القمعية، وهي المملكة العربية السعودية .
إن قضية الخاشقجي تعتبر واحدة من الشواهد على تلك العقلية القمعية التي ترفض أي نقد، أو أي محاولة مد يد للتفكير السليم سلطويا ونحو استدامته، والدفع بمشاركة الشعب فيه كممثل لمصلحته أولا وأخيرا، وحتى لو كان بإطار نسبوي استشاري.
تعيد هذه العملية التي وقع ضحيتها السيد جمال خاشقجي، الأنظمة العربية كلها نحو تجريدها من كل المكتسبات الممكنة التي يمكن تحصيلها عبر أكثر خمسة وسبعين عاما من الاستقلال تقريبا، وتدفع بها نحو الاضمحلال التاريخي في ظل تراجع اقتصادي على الصعيد المقارني مع الاقتصاد العالمي، وفي ظل هروب لعقوله المفكرة نحو الغرب وتحويل ثرواته المادية والمعنوية نحو الخارج، وتقود نحو مرحلة هزال والتي تسبق مرض الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #بايدن يدافع عن #إسرائيل.. ما يحدث في #غزة ليس إبادة جماعية


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ومرافقي




.. هل هناك أي نوع من أنواع الامتحان أمام الجمهورية الإيرانية بع


.. البيت الأبيض.. اتفاق ثنائي -شبه نهائي- بين أميركا والسعودية




.. شوارع تبريز تغص بمشيعي الرئيس الإيراني الراحل ومرافقيه