الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة الاحتجاجية (4)

رشيد برقان

2018 / 10 / 14
الادب والفن


تحارب الثقافة الاحتجاجية الوعي الزائف، والعلاقة المشبوهة بين الثقافة السائدة والاعتقاد السائد لدى عموم الناس أنها التعبير الحقيقي والوحيد عن وضعهم وآمالهم وطموحاتهم. وتتسلح بكل ما هو متاح لها من حقائق علمية ونماذج تاريخية، كما تستثمر النفور الفطري والغفل لدى الناس من الثقافة السائدة أو بعض مظاهرها الأكثر فجاجة، لتوسع الهوة وتكشف عن زيف الثقافة السائدة، وتعبيرها عن مصالح طبقية ضيقة.
وتسعى الثقافة الاحتجاجية نحو تصحيح الوضع المختل لصالح الطبقات السائدة، وتعمل على تعديل الكفة عبر كشف البعد الطبقي لكل ثقافة، والعمل على أن تنتج القوى الحية داخل المجتمع تعبيراتها الثقافية الفريدة، وأن تهاجم تعبيرات الطبقات السائدة، وتخلق داخلها نوعا من الغرابة أو التغريب الذي يتكفل بخلق المسافة بين عموم الناس وبين الثقافة السائدة، مما ينتج عنه في النهاية قدرة الناس عن النظر العقلاني النقدي للثقافة، ونزع الطابع العاطفي سواء كان وجدانيا أو متوارثا أو قدسيا.
ليست الثقافة هي ما وجدنا عليه أباءنا، ومن هنا تعارضها مع التراث وكل الأشكال الماضوية. وليست هي ما يُتداول في الفضاء الجغرافي الذي نعيش فيه، ومن هنا تعارضها أيضا مع الأشكال التعبيرية التقليدية المحلية أو الفولكلورية التي يمكن أن تتشبث بها مجموعات لغوية أو إثنية بشكل منقطع عن الزمن والتاريخ. وليست الثقافة أيضا كتلة من المعتقدات المقدسة أو الأفكار الثابتة المتكلسة، ومن هنا يمكن أن نتلمس نفور المحافظين من كل جديد في الثقافة، لأنه، حسب وهمهم يضرب في ذواتهم ومقدساتهم.
إن العلاقة مع الثقافة يجب أن تنبني أولا وقبل كل شيء على المصلحة. فالثقافة هي مجموع الرموز والأشكال التعبيرية والطموحات والآمال التي تدفع بي نحو التصالح مع ذاتي، ونحو اكتشاف وضعي الحقيقي داخل المجتمع، كما تساهم في توعيتي بحقيقة وضعي ومصلحتي. وتكون مهمة الثقافة الاحتجاجية هنا هي ناقوس الإنذار وسؤال الشك الذي يزعزع ثقتي في كل ما هو سائد، ويدفع بي نحو التفكير في الممكن. الثقافة فضاء للتعبير والتحرر وكسر كل القيود من أجل خلق أشكال تعبيرية جديدة تعبر عن وضع جديد وطموحات جديدة، وتهمد الطريق للمصالحة بين الذات والوجود الحي المتحرر من القيود.
ونحن، باعتبارنا إنسانا، لا نملك شكلا محددا ناجزا يأتينا من الماضي، أو من ثوابت صارمة ناجزة بشكل تام، ولكننا خلاصة تفاعل قوي بين مانريده، والمتجسد في آمالنا وطموحاتنا، وبين مايريده التاريخ والثقافة لنا. والأهم في هذه العملية هو التفاعل والحيوية الناتجة عن تمازج كل المعطيات سواء منها الماضي أو الحاضر. ومهمة الثقافة الاحتجاجية هنا توصيل هذه الفكرة والتأكيد عليها، لأن الثقافة السائدة وحدها من لها مصلحة في أن تكون محافظة محاطة بالمقدس وبتأويلها الخاص لمعطيات الماضي، لأن هذا التأويل وهالة القداسة تسمحان لها بالتصرف في الماضي، فتجتزئ منه ما يلائمها، ويمكنانها من تغليف الحاضر بغلالة أيديولوجية لا تظهر منها إلا الجانب السكوني الثابت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع