الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفهوم في الممارسات الفنية لتيارات مابعد الحداثة

عبدالعزيز مسعودي

2018 / 10 / 15
الادب والفن


المفهموم في الممارسات الفنية لتيارات مابد الحداثة
لفهم ما بعد الحداثة يبقى دائما العودة إلى الحداثة في حدّ ذاتها طلبا ملحا، للإلمام بأسس متغيراتها، خاصة وأنها مثلت ثورة ضد الماضي الكلاسيكي متناولة بذلك مواضيع جديدة بأساليب حديثة في جميع المجالات: مثل الصناعي، والاقتصادي خاصة الثقافي بجميع مكوناته من أدبي وفني، حيث أصبح يتجلى من خلال العديد من الأساليب مثل ظهور فن التنصيبة (Installation) وكذلك فنون الأداء ( Performance ) وكذلك فن التجهيز وغيرهم من الأساليب التي أصبحت تترجم وتقدم أفكار إنسان ما بعد الحداثة الذي أصبح يدرك العديد من الجوانب المهمة حول الممارسة الفنية مثل تطورات الفن التشكيلي حيث تكونت لديه مجموعة من التراكمات الثقافية أصبح من خلالها يدرك مميزات كل ممارسة وفي ذات الوقت ملمّ بالعديد من الجوانب. فكانت ستينات القرن العشرين وخاصة في أوروبا وأمريكا بؤرة بروز العديد من أشكال التيارات الفنية. ولعل أهم ما يميز هذه المرحلة هي بروز ما يسمى بفن التجهيز والذي بذا جليا مع الواقعية المحدثة والجديدة(nouveaux réalisme ) خاصة مع ممثليها مثل آرمون(Arman) ودانيال سيبوري (Daniel Spoerri)بحيث كان هذا الأخير كتعبير عن الأعمال التي تقام وتنتج وتعرض في مكان العرض، والممارسة ، كما أننا أصبحنا نشاهد مواد مركبة بشكل طريف وغريب ظهرت في أعمال جوزيف بويز(Joseph Beuys) تلك الأعمال التي تجعل إنسان القرن العشرين في حيرة من أمره ممّا يجعله يلجأ إلى استعمال ثقافته الفنية وخاصة متبعاته لتطورات الفن التشكيلي لفهم هاته الأعمال. وتحصل بذلك لديه صورة عميقة لفهم كوامن العالم وتطوراته الخفية ويكون بذلك مركزا لمتغيرات متطورة. كما أن فن التنصيبة يختلف باختلاف أماكنها مثل الغرفة، أو قاعة عرض، أو متحف تضع بالمتأمل القارئ داخلها ويلتمس من خلالها التواجد الملموس والمحسوس ولعل أهم ما يميز التنصيبة أنها تلتزم دائما بالمكان والزمان ويتمّ إنشاؤها بمواد مختلفة ومقاربات معينة تؤدي إلى دلالة محددة تحصل لدى القارئ حول علاقة الممارسة بالمادة، والمكان والزمان. لتغدو بذلك تيارات ما بعد الحداثة متنوعة ومتفرعة جدّا الى درجة صعوبة الإلمام بها وتفسيرها .
لتغدو بذلك تيارات ما بعد الحداثة تنفتح على العديد من الأفكار ،والمفاهيم، التي كانت في حدّ ذاتها نتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى والثانية. وما أدت به إلى تغيرات جذرية وجوهرية في مجتمعات أوروبا وأمريكا ،وكذلك الأقطار العربية والآسيوية. وفترة ما بعد الحداثة لتكون بذلك فترة ما بعد الحداثة هي في حدّ ذاتها نهاية الحداثة. وما تميزت به من تبني للعديد من الأفكار العلمية،والفنية التي كانت بدورها نتيجة للتحولات التي شهدتها خلال الحربين حيث يواصل مارك جيمناز وفي حديثه عن أفكار جون فرانسوا ليوتارد (Jean François Lyotard ) وما تطرق إليه في كتابه "الوضع ما بعد الحداثوي"
ولعل أبرز مظاهر ومميزات فن ما بعد الحداثة، هو بروز التجارب الفردية بكثرة وتقلبها على المجموعات. فالتجارب الذاتية باتت تخاطب عن طريق أشكال جديدة مختلفة. مواكبة بدورها العديد من المفاهيم، التي تضاربت حولها الآراء خاصة من ناحية تموضعها فكل فنان يكاد يكون له منهج خاص به، منهج سلكه بنفسه في خضم مجموعة من التحولات والأحداث فالفلاسفة وبالتالي الإستطيقون يجدون أنفسهم ضمن دوامة من الاتجاهات حتى صارت شديدة التعقيد ذات مستويات متناقضة. لكنها تختلف من وجهة نظر إلى أخرى وهو تقريبا ذلك التوجه الذي نتبيّنه من أوجه ما بعد الحداثة، وهو أنها بمثابة ذلك الاقتحام والتخلص من كل ما هو متواصل، وجامد وتضع بدورها أساليب متنوعة تنوعت خلالها المادة، والمحمل وجميع وسائل التعبير ضمن نسيج مختلف، حتى أصبح الفصل بين الأعمال الفنية خاصة على مستوى نمط الممارسة، والعرض والمادة الجمالية، في حدّ ذاتها حيث تنوعت الاتجاهات واختلفت تحولت خلالها المواد والعمال الفنية الى حالة شبه متنوعة وثرية ، يكتنفها نوع من التداخل والتواصل على مستوى الأفكار والأساليب حالة في طور الإستمرار والتغير أشبه بالحالة الغازية قال عنها إيف ميشو (Yves Michaud) لكنها وصلت من قبله الى درجة قال عنها فرنسيس بيكابيا انها"درجة الموت"(l’art et mort ) حيث أن جل الممارسات يمكن أن تطرح إسطيتيقيا معينة هذه الأخيرة التي ظلت السؤال الجوهري لفلاسفة العقدين الأخيرين من القرن العشرين قال عنها مارك جيمناز بأنها باتت لا توجد نظرية معينة، ولكنها توجد العديد من النظريات.
فالممارسة يمكن أن يتعدد فيها الأسلوب ويتنوع، وتصبح كل حركة لها صداها داخل جل الممارسات الأخرى حيث وقع المزج بين الأساليب. كما أن الفن تحرر نوعا ما من عناصره الأساسية ذلك التحرر الذي تحول من التفرد إلى اللانقاء وهو في الحقيقة نظرة اللاشكلية لفن ما بعد الحداثة.
اختلفت تيارات ما بعد الحداثة باختلاف مناهجها، ومقاصد كل فنانيها وروّادها، فكل فنان يكاد يكون له تيار فني خاص به وقد يعود ذلك إلى تعدد النوازع الداخلية للفنان في حدّ ذاته. ويعود ذلك الى تعدد النوازع الداخلية للفنان بحيث أصبحت الممارسة تجربة ذاتية صرفة وبالتالي أصبحنا نلتمس خلال هذه التجارب والتيارات الفنية ذلك القول المأثور الذي ينصّ على تفاعلية العلاقة بين الذاتي والكوني انطلاقا من تجارب الواقعية الجديدة التي ترى على أن الوعي بالأشياء يجب أن يكون دون واسطة ويجب إدماجه داخل الفضاء وليس صورة عنه وهو تقريبا ما ظهر بجلاء في تراكمات آرمون(Arman)... ثم الفن الفقير والمتصحر والمتقشف(Arte povera )، وهكذا أصبح الفن خلال النصف الثاني من القرن العشرين يكاد يكون بعيد كل البعد عن التداول والتسويق وأصبحت الممارسة الخاضعة لفكرة ما أهم بكثير من العمل في حدّ ذاته. وهو تقريبا ما كرسه الفن المفهومي الذي ألح على أن الممارسة يجب أن تكون محاطة بالعديد من المفاهيم والتساؤلات، كما أكدو على أن المفهوم الذي يضمن مادة التمشي العملي ويديره هو أسمى بكثير من الإنجاز وإلا يمكن أن يكون أي إنسان فنان وبالتالي يتحول الفنان إلى حرفي ، وهي تقريبا نفس الأفكار التي تبنتها حركة البوب آرت(Pop Art) حين استخدموا رسوم تجارية هزلية مستمدة من الحياة اليومية. وقد قام آندي وارول(Andy warhol) برسم نماذج من أوعية حساء محافظا على حجمها الطبيعي كما أنه تقريبا قام بتكرارها العديد من المرات وبالتالي أخذت منحى هزلي على جانب كبير من النقد للمجتمع الإستهلاكي.
يمكن القول إن تيارات ما بعد الحداثة بما فيهم الدادائية المحدثة(Neo Dadaisme)، والمفاهيم المطلقة(art conceptuel)، والواقعية الجديدة(nouveaux réalisme)، والأقلية(minimalisme)، والفلوكسيس(Fluxus)، وفن البيئة والمحيط والأرض(land art) التقوا جميعهم تحت إعادة النظر في جل المفاهيم التي تدير وتسير العمل التي تصبح لديهم أهم بكثير من الإنجاز في حدّ ذاته فالمفهوم هو أساس العمل.
عبدالعزيز مسعودي ماجستير فنون شكيلية وباحث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب