الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية الإعلامية في العالم العربي.. حملٌ كاذب

هويدا طه

2006 / 4 / 6
الصحافة والاعلام


قبل عهد الفضائيات العربية ـ أي قبل أكثر من عقدين ـ كانت المناقشة الإعلامية لأي قضية تتصل بأحد المحرمات الثلاثة في الثقافة العربية (الجنس والدين والسياسة) تعتبر حدثا ينتمي إلي عائلة ثلاثي آخر شهير في التراث العربي يعبر عادة عن المستحيل (الغول والعنقاء والخل الوفي)، الآن وبعد قرب إتمام ربع قرن علي غزو العرب للفضاء الإعلامي أصبح (مألوفا) أن تدور بين قنوات أو إذاعات عربية.. فتسمع هنا نقدا مباشرا للحكام.. وتلمس هناك تبرما من رجال الدين.. وتتابع هنا أو هناك تقارير جريئة عن قضايا اجتماعية حساسة تفتح ملفات لطالما ظلت مهيبة.. كملفات الجنس في حياة المراهقين (والكبار)، وملفات العادات الاجتماعية المتخلفة التي أحاطت نفسها عبر الزمن بقداسة تشبه قداسة الأناجيل والآيات المقدسة.. كتمسك الرجال بحق تعدد الزوجات، وملفات الأمراض الاجتماعية الوبائية كانتشار المخدرات بين الشباب. وغير ذلك من قضايا ظلت عقودا ـ بل قرونا ـ منطقة محرمة علي التناول العلني لها بالنقاش والنقد وإعادة النظر، وهذا ما يحسب حقيقة لظاهرة الفضائيات العربية، سواء جاءت تلك الجرأة عمدا بسابق تخطيط أم جاءت انجرافا في تيار عالمي أقوي من العرب وثقافتهم المتناقضة.. تيار عالمي من أبرز ملامحه القدرة علي هدم الأسوار المحيطة بالأسرار.. حتي في مجتمعات مغلقة شغوفة بالتكتم علي علاتها كالمجتمعات العربية، المصابة بازدواجية تجعلها تدعي في العلن تماسكا لا حدود له وفضيلة جوفاء لا جذور لها.. بينما هي وراء جدران البيوت تتخبط وتترنح في ظلمة المحرمات المعتمة والقيم المتضاربة.
الآن.. وبعد مرور نحو ربع قرن علي هذه المغامرة العربية في الفضاء المكشوف ربما نحتاج إلي وقفة.. نتساءل فيها عن مصداقية ما بدا أنه سقف عال من الحرية الإعلامية في العالم العربي، هل هي حرية فاعلة فعلا أم كانت وما زالت حملا كاذبا؟ ماذا حققت لمجتمعاتها خلال السنوات الماضية؟ هل انعكست إيجابيا علي الثقافة العربية.. فحلحلت مثلا تكلسها التاريخي؟
عندما تبحث عن حرية إعلامية راسخة في التاريخ المعاصر للمقارنة معها.. فإنك تتذكر علي الفور الإعلام البريطاني والأمريكي.. ثم إعلام بعض الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا وغيرهما (بغض النظر الآن عما نراه من تحيز هذا الإعلام عندما يتعلق الأمر بالعالم الثالث سياسيا واقتصاديا فهذا مجال آخر)، الملاحظ في كل تلك الدول أن الحرية في إعلامها جاءت انعكاسا لحرية تطورت في المجتمع نفسه عبر السنين والثورات والنضال من أجل حرية التعبير، أي أن المجتمع نفسه تحرر أولا من الخوف فكانت حرية الإعلام أحدي نتائج هذا الظفر التاريخي لتلك الشعوب، ثم استمر (تكامل الأدوار) بينهما، فحرية الإعلام تحمي باستمرار حرية الأفراد والمؤسسات في المجتمع.. لكن حرية المجتمع نفسه تغذي حرية الإعلام، لذلك لا تجد بريطانيا أو أمريكيا مثلا يشعر بشيء من (الانبهار) لأن المؤسسات الإعلامية في بلاده تكشف فساد مسؤول ما زال في منصبه، أو تنتقد بقوة سياسة رئيس وزارة أو رئيس جمهورية أو وزير أو مؤسسة كاملة كالمخابرات أو الجيش أو غيرهم، فذلك كله (ظاهرة عادية) في مجتمعات (أنتجت لنفسها) ذلك النوع من الشفافية أو الحرية الإعلامية، فكيف هو الأمر في مجتمعاتنا؟
لم تأت ظاهرة الحرية الإعلامية (النسبية) تلك كنتاج لمجتمع متحرر.. متحرر من الخوف أو من الخرافة أو من الجهل أو من القابلية للاستعباد، بل جاءته كظواهر الطبيعة غير المتوقعة.. سقطت عليه من أعلي.. بتأثير ذلك التيار العالمي الجارف أو بتأثير العقلية العربية التي رسخ في مخزونها الثقافي أن (تأتي بالحرير من البلدان البعيدة في رحلات الصيف) بينما بيئتها لا تصلح لإنتاجه، وإن صلحت.. لا تجد (حماسا) لإنتاج ذلك الحرير، ما وفرته إذن قنوات الجزيرة والعربية وأوربت وart وغيرها من بعض جرأة في مناقشة قضايا سياسية واجتماعية، ليس انعكاسا لحرية توفرت للمجتمعات العربية فأرادت لنفسها حرية إعلامية، هل تعكس القنوات ذات التمويل السعودي مثلا حرية مشهودة في السعودية؟! حريتنا الإعلامية إذن لا تشبه حريتهم، لم تأت من مجتمع صنعها لنفسه، لذلك لم تحقق خلال ربع قرن ما كان أملا لدي بعض النخب العربية في أن تقوم الفضائيات بدور تنويري ثوري، ما يدعو للتساؤل.. متي إذن تكون الحرية الإعلامية العربية (حقيقية راسخة)؟
لن يكون ذلك ملموسا علي أرض الواقع إلا إذا حدث التغيير الحقيقي في المجتمع نفسه.. سياسيا وثقافيا ودينيا واجتماعيا بل واقتصاديا.. حينئذ سوف (يفرض) المجتمع الجديد إعلامه الحر.. ثم يتبادل معه الأدوار كي يحمي كل منهما الآخر، أملٌ واهم ذلك الذي يعقد علي الفضائيات العربية كي تحرك شعوبا (تتلذذ) بمشاهدة مصائبها علي شاشة التليفزيون! الأمل الوحيد هو أن تسير تلك الشعوب علي نفس درب الشعوب الأخري.. التي استطاع آباؤها المؤسسون إحداث تغيير جذري في ثقافة مجتمعاتهم.. فتركوا لأحفادهم حرية حقيقية أفرزت إعلاما بدوره جاء حقيقيا، وهذا الدرب ليس إلا درب (التمرد) علي هذا الركود الثقافي الآسن وذلك الاستبداد السياسي المعطل لقوي التحرر، لكن ذلك النوع من الثورات لا تصنعه محطات التليفزيون، بل تصنعه هزات عنيفة في المجتمع تقلب رأسه علي عقبيه.. تهدم قديمه لتبني شيئا جديدا، فهل العرب قادرون علي ذلك.. أم أنهم استمرأوا انتظار حمل الحرية الإعلامية الكاذب.. وحلا لهم استهلاك ما أنتجه غيرهم.. من الحرير؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى إلى إنشاء -منطقة ميتة- في جنوب لبنان


.. دعم واسع لكييف باتفاقية مع الاتحاد الأوروبي




.. سلاح الجو الإسرائيلي يجري تدريبات على مهاجمة أهداف بعيدة


.. خليل العناني: هذه أول مناظرة بين رئيس أمريكي حالي ورئيس سابق




.. ملفات داخلية وخارجية تواجه بايدن وترمب تعقد إقناع الناخب الأ