الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة من برلين

محمد نبيل

2006 / 4 / 6
الادب والفن


أعرف أنك لا تجيدين النطق بحروف هذه اللغة و لا تعرفين كيف تركبين كلماتها، لكنك قادرة على فهم دلالات جسدي المنهك أكثر من بصمات أصابعك الناعمة. عندما أخرج عن ذاكرتي تكونين في الموعد. تنظرين إلي بغرابة و بلكنتك التي أحبها تقولين لي:
ـ هل تريد مرة أخرى أن ترحل عن الوجود لتشم رائحة الأرض هناك.
عندما أسمع مثل هذا الكلام، أدخل غرفتي و أغلق بابها الصدأ ثم أضحك حتى يغمى علي. بطني يعشق ملامسة غطاء السرير الأملس عندما أبدا في إدخال عنقي الطويل في مخدتك الوردية. أحب أن أغرس رائحة دموعي المالحة في كل الأشياء التي تستعملينها سرا و علانية.

في كل صبيحة، أهوى البكاء و أنا تحت تلك البطانية، لا أسمع سوى حركات يديك و أنت تعدين القهوى. لا أجازف بصوتي، أقطع كل أحباله كي لا أعكر صفوة الجلوس، لذة الأكل و نكهة الحليب.أنتظر مغادرتك البيت كي أمزق ملابسي الداخلية و أعض أوراق كتبي حتى استنشق رائحتها الموحية بصراع غائر.

هل تعلمين أن كلماتك المبهمة تتطابق مع ما يلوج بصدري بل تنسجم مع تنهدي. أتذكر و أنت خارج الغرفة كيف تمررين أناملك فوق رأسي الذي اشتعل شيبا. إنني أراك في صورة المرحومة و هي تنظف ملابسي المطلية ببقعات البول النتن . دون أن أتردد ،أقول لك كلاما عجيبا لم تسمعه أذناك في بلاد الضباب:
ـ عندما بدأت في تمزيق أوراقي البالية تذكرت محجوبة، جدتي عندما طالبتني يوما ما بالتبول في صحن كبير حتى تتمكن من شربه. قالت لي و هي تضحك باكية حتى برزت نواجذها: هذه هي المعزة يا وليدي.
لم أكن أعرف كيف أن الحب يساوي شرب البول.

بالأمس تحولت و على غي عادتي إلى كائن نهاري لا يرى ظلمة الليل الحزينة. بدأت أرى وجوها وقد استولى عليها الحقد و الضغينة. أيادي تتطاول على أرزاق الغير. بدأ القبح يصنع من الأجساد جثثا مترامية على الحواشي. غادرت ذلك المكان لأ لتقي بك و أقول حقيقة ما:
ـ هناك، الخوف هو سيد المكان، هو المهيمن، الجبار، هو ذات الإنسان. نفكر بالخوف و نأكل بالخوف، حتى أحلامنا أصبحت خائفة من بطش اللاشعور. كثيرا ما أردت أن أتحول إلى عصفور أو حمار لا يرى و يسمع عنف الآدميين و هم يصرخون من شدة الألم.

في وقت ما، لم أكن افهم هدوءك و رزانة مواقفك. فهل تعلمين أن لعنة الشرطي ما زالت تطاردني باستمرار. لا أريد أن أنساك و لا أن أتخلى عن ذلك النسيم المنبعث من بين أصابعك و أنت تحاولين إطفاء نار الحسرة و الاغتراب التي تمزق أحشائي. فأنا كبقعة صغيرة من الدم لا تجفف بسهولة، تتسرب بسرعة الضوء إلى كأسي وكأنها سم يسري في شراييني. هناك وهنا، أناس لا يفهمون العلاقات الأبدية، يجهلون نشيد الحرية. اندهش عندما أرى اغترابي اللانهائي و هو يرفض أن يطلق سراحي.

اليوم ، وبعد مرور تلك الساعات النارية ، تعاكسني ألفاظك، روحك الإنسانية ، أطيافك ووصاياك التي تبشر بموت السجان و إطلاق سراح السجين . لكن وأقولها بصوت مرتفع:
ـ لو غادر السجان سجينه لن يتخلى عن مغادرة جسدي، لقد سكن ضلوعي وتحول إلى جزءا مني .

عليك أن تعرفي أن كل الكلمات عندي أمست من رصاص، و حتى الحروف تحولت إلى ذوات مسجونة، قابعة وراء قضبان فولاذية. وبالرغم من كل هذا، سأعود إليك و أنت مستلقية فوق ذلك الكتاب الموزون بالمعاني، تنظرين إلى فضاءات بيتنا الجميل، تتأملين زمن الغدر عسى أن تخففي عني عذاب العزلة.

محمد نبيل ـ صحافي و كاتب مقيم بألمانيا
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-