الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش وقسد واستهداف المدنيين مجددا

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 10 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


جريمة اختطاف داعش لعشرات العائلات من مخيم هجين بريف دير الزور، تتزامن مع مرور عام على استكمال قسد وقوات التحالف الدولي، تدمير الرقة، وتنفيذ اتفاقات التسوية الشهيرة بين تنظيم الدولة الإسلامية وقسد، والتي تم بموجبها فتح ممرات آمنة لخروج مقاتلي التنظيم الى جهات جنوب وشرق الفرات، حيث تتمتع داعش اليوم بقدرة عالية على تجميع الصفوف وتنفيذ الأعمال القتالية، بعد مرور عام على إعلان واشنطن هزيمة التنظيم الإرهابي، الذي ما انفك يرتكب جرائم عديدة بحق أهالي المنطقة، كان آخرها شن هجوم على مخيم هجين، واقتياد عشرات العائلات معظهم أطفال ونساء، الى مناطق أخرى، وإحراق المخيم الذي يقع ضمن مناطق سيطرة ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية، أداة الولايات المتحدة وعصاها الغليظة في وادي الفرات/ شمال شرق سوريا.
ليس حدثاً عابراً! فقد تُركت هذه المناطق بدون أي دعم أو اهتمام، وبلا حماية أمنية فعّالة كما يجب، كي يواجه سكانها مصيراً أسود. هذه المصائر المريرة، كان يمكن منع حدوثها، حال توفر شرط الإيمان بواجب حماية المدنيين في المنطقة. وهو الواجب الذي تضطلع به كل من قسد وقوات التحالف الدولي، ممثلة بالولايات المتحدة، باعتبارها القوة التي تفرض سيطرتها على مناطق الجزيرة السورية، شرق الفرات وجنوبه. وهما تتحملان كامل المسؤولية القانونية عن أية أحداث تطال المجتمعات المحلية. من واجبها فرض الأمن وتوفير ظروف السلامة العامة، حتى في ظل الحرب.
لكن ما جرى في مخيم هجين، هو اختبار لتلك الواجبات المناطة بقسد، والأميركيين على حدّ سواء، وكذلك الحلفاء الذين يُقدمون دعماً لميليشيات قسد، مثل السعودية والإمارات لدعم الحرب ضد داعش، ودعم ما يسمى بسياسات الاستقرار في المنطقة، بتوجيه من البيت الأبيض. أثبتت التجربة، أن الدعم الذي تتلقاه قسد، لم يكن سوى إغداق المال على ميليشيات إرهابية، ترتكب انتهاكات جسيمة بحق المجتمعات المحلية، وتعرّضها لمزيد من الأمراض والاوبئة، واستمرار وجود جثث الضحايا تحت الأنقاض، ودون أن تبذل أي جهد في تأمين الرعاية والرقابة الصحية، وصولاً الى تسمم مياه الشرب!
وتكشف عملية حصار واقتحام مخيم هجين من قبل داعش، ثلاثة أمور اساسية، يتعين علينا النظر فيها باهتمام:
أولاها هشاشة القدرة القتالية لميليشيا قسد، في أي مواجهة مباشرة مع داعش. فالمخيم يقع ضمن الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وتديرها، وتضع عليها حراسة أمنية وعسكرية. فشلت الحامية، في فك الحصار، وفي مواجهة العناصر الإرهابية، ودحرها. بل على العكس من ذلك، فقد هربت. وهذا يحيلنا الى حقيقة المعارك والمواجهات التي جرى الحديث عنها إبان عمليات " تحرير الرقة " . وهي معارك كان يتحدث عنها طرف واحد هو قسد، دون أن تكون هناك اية وثائق: أدلة أو شهود، أو مصادر إعلامية اخرى. وكنا نقول دائماً أنها مفبركة، ولم تجر أية مواجهات حقيقية، بين داعش وقسد.
ثانيها، أن داعش، ما تزال تتمتع بقوة تهديد إرهابي، في ظل حرب شاملة عليها، وتوافر منظومات رصد للقوة الجوية الأمريكية، القادرة على كشف تحركات التنظيم الإرهابي، ولكن المرجعيات السياسية والأمنية الأمريكية، كالعادة تترك للجماعات والتنظيمات الإرهابية ليس حرية الحركة فقط، وإنما التمدد، والتمركز في المناطق التي تتواجد فيها، وتنطلق منها عملياتها القتالية. الاستمرار في منح داعش الفرصة لإعادة بناء التنظيم، والقيام بعمليات عسكرية، هو إذن جزء من استراتيجيات الولايات المتحدة بالإبقاء على فلول داعش، كفزاعة دائمة، تبرر استمرار حربها على الإرهاب، مفتوحة، وعلى إبقاء سيطرتها على منابع النفط السورية.
أما الثالث، هو التنصل من المسؤولية القانونية، أو التعمد في تجاهلها، حيال الجرائم ضد المدنيين، سواء تلك التي تنجم عن اخطاء لوجستية أو تضليل في المعلومات، كما دأبت على فعل ذلك قسد، حيثما حلّت، وحيثما تطلَّبَ تدخلاً جوياً امريكياً، بما في ذلك الجرائم التي ترتكبها مجموعات وتنظيمات إرهابية اخرى، في مناطق سيطرة الولايات المتحدة، وهي جرائم داعش وروسيا والنظام الأسدي، وخاصة تلك التي تجري تباعاً في مناطق دير الزور وريف الحسكة والرقة. ونشير هنا الى أن مصادر أوردت تورط ميليشيا قسد في سطرة داعش على مخيم هجين، من خلال انسحابها في محاولة للالتفاف على داعش وتطويقها، وفي اعتقادنا، أن مجرد التخلي عن واجباتها في حماية المخيم، هو شراكة في الجريمة التي قادت الى اختطاف 130 عائلة بينها 90 إمراة.
تجرأ داعش على القيام بجريمة اختطاف مماثلة لما قامت به في السويداء، بحق عشرات النساء والأطفال من قرية الشوبكي، دون أن تحدث أية ردود فعل عسكرية حاسمة من قبل أطراف الحماية ( النظام الأسدي في الجنوب، وقسد في هجين ) ما يعني أن هناك خللاً متعمداً في نظام الحماية الأمنية، ترك المجال مفتوحاً أمام داعش لترتكب العديد من جرائم الاختطاف والقتل، بحق المدنيين، وهذا لا يخدم في الحقيقة سوى النظام وقسد بصورة رئيسة، لضمان خدمتهما لما يسمى الحرب على الإرهاب. وهذان الطرفان هما ليسا سوى تنظيمين إرهابيين ايضاً، يرتكبان الجرائم بحق المدنيين، وإن تفاوتت نسبة الإنتهاكات وشدتها وفظاعاتها، إن وجودها واستمرارها، هو استمرار للإرهاب ولأسبابه المتعددة. كما يخدم الاحتلال الروسي، ومحاولته التفرد بوضع الحلول التي يريد فرضها في سوريا، بعيداً عن قرارات الامم المتحدة.
تلعب روسيا اليوم دوراً مهماً أيضاُ في تعويم داعش( كما تعوّم الأسدية ) وتجعل منها طرفاً مقبولاً يمكن التفاوض معه كشريك، يساهم في منح روسيا والنظام شرعية التمكن من تنفيذ سياساتهما المتصلة باستعادة السيطرة على مناطق الجنوب السوري، وكذلك المناطق والمعابر الحدودية، والتي يأتي في سياقها الحصار القاتل المفروض على مخيم الركبان، وكذلك التوصل الى اتفاق بين النظام وداعش، بشان ريف السويداء برعاية روسية.
كل الدعم الممنوح لقسد، لم يقد الى توفير أبسط أسس الحماية الأمنية للمدنيين، ناهيك عن أن جميع المشروعات المتصلة بالاستقرار والتنمية ونشر الديمقراطية، والمجالس المحلية والخدمية في المنطقة، قد فشلت فشلاً ذريعاً. وقد تكون عملية اختطاف المدنيين من مخيم هجين، هي عملية مشتركة بين داعش وقسد لتعزيز استمرار الإستعانة بميليشيات صالح مسلم في المنطقة، في ظل التفاهم الروسي التركي حول الشمال السوري، بموافقة أمريكية، لن تتاخر في طيّ صفحة استخدام قسد.
الدليل على احتمال تورط قسد، يكمن في سيرة التفاهمات والاتفاقات السرية التي عقدت مع التنظيم في الرقة، واحترمها الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة.
اختطاف المدنيين، من بيوتهم ومخيماتهم، من الشوارع، وأماكن أخرى لم يتوقف ضد السوريين، تلك هي واحدة من صنائع النظام الأمني الأسدي، طوال نصف قرن، وما تزال قائمة. فيما لم تدخر جبهة النصرة، وداعش فرصة لارتكاب تلك الأفعال الإجرامية، ببشاعة ترقى الى الأسدية، وتتجاوزها، كما يبذّ التلميذ معلمه. لن يتغير الحال طالما أن المجتمع الدولي لا يزال يراهن على استمرار القتل والاختطاف في سوريا، اختطاف البلاد، والحريات، واختطاف الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : هل طويت صفحة الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. هل يستنسخ حزب الله تجربة الحوثي في البحر المتوسط؟ | #التاسعة




.. العد العكسي لسقوط خاركيف... هجوم روسي شرس يعلن بداية النهاية


.. أمير دولة الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور




.. الحرب في غزة تحول مهرجان موسيقي إلى ساحة سياسية | #منصات