الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتحار الأدباء.. امتياز وشغف كبير بالموت

نوال العوني

2018 / 10 / 22
الادب والفن


"سوف أقتل نفسي غير آسف على الحياة، سوف أنتحر لأنني لم أعد قادرا على الحياة، لقد تعبت من النوم والاستيقاظ كل يوم، يا لها من عادة مملة رتيبة، أريد أن أنام مرة واحدة إلى الأبد".
هذه المقولة تعود إلى الشاعر الفرنسي بودلير، تجعلنا نتساءل لماذا يلجأ بعض الأشخاص إلى وضع حد لحياتهم؟ هل فعلا كما يقال يلجأ الفرد إلى الانتحار جراء ما يعانيه من مشاكل.
إن الحديث عن ظاهرة الانتحار حديث يطول، وهي ظاهرة قديمة قدم الإنسان، لكن دعونا اليوم نسلط الضوء في هذا المقال على فئة من الأشخاص عرفوا بتزايد وتفاقم هذه الظاهرة لديهم أكثر من غيرهم وأقصد هنا فئة الأدباء.
إن الأديب عبارة عن كومة من الأحاسيس، فهو يحس ويشعر لذلك نجد بأن الأدباء والموسيقيين والشعراء والرسامين أكثر إقداما على الانتحار مقارنة بالعلماء.
يرى نيتشه أن حياة الإنسان مرتبطة بمدى قدرته على العطاء، وأنه متى شعر الإنسان بعدم قدرته على تقديم المزيد أو العلو أكثر مما هو عليه فإنه يشعر بحاجة شديدة إلى الموت، ولذلك يجب أن يجعل الإنسان من موته عيدا. فيختار هو موعده وشكله وطريقته ليقطع بذلك الفرصة على الموت المفاجئ أن يحرمه حق الاختيار.
فإذا كان الأمر كما يقول نيتشه فلماذا يقدم أديب مشهور حاصل على العديد من الجوائز الدولية على فعل الانتحار، بل وأكثر من ذلك نجد بأن هذا الكاتب نفسه يقدم في ما يكتبه أفكارا ورؤى تنقد حياة أشخاص آخرين -حياة قرائه- بينما هو في المقابل يقتل نفسه.
هذا الأمر وبدون مبالغة نجد بأنه وقع لأغلبنا، لذلك نرى بأن بعض الأشخاص عندما ينتهون من قراءة أحد الكتب، يشعرون وكأنهم فقدوا شيئا غاليا، وكأنهم فقدوا جزء من حياتهم، وفي حالات أخرى عندما ننتهي نحن من قراءة رواية أو عمل أدبي معين نشعر بطاقة خيالية تجتاحنا، نشعر بإيجابية وثقة كبيرة في أنفسنا، تتجدد رؤيتنا للحياة وكأننا ولدنا للتو، نظرا لكمية التفاؤل الموجودة في هذا العمل الأدبي، ونظرا لقدرة مؤلفه على التحكم في أحاسيسنا بلغته وعباراته الرائعة. لكن في مقابل هذا وبدون سابق انذرا يصلنا خبر انتحار هذا المؤلف الذي ملأ حياتنا حبا وتفاؤلا، هنا بالذات ندخل في دوامة من الأسئلة فنحن لا نريد أن نخسر أديبنا المفضل.
الشخصية المنتحرة:
لعل الحديث عن الشخصية المنتحرة يدفعنا للتساؤل، لماذا يصبح الأديب فردا منتحرا، وما هي أزمة الانتحار لدى الأدباء.
إن مختلف البحوث التي عالجت فكرة الانتحار من منظور تحليلي، تراها من ثلاث زوايا تتمثل في:
- دلالة الانتحار بالنسبة للاشعور.
- دينامية الانتحار بالنسبة لمختلف هياكل الأنا، وبالنسبة أيضا للعلاقة الموضوعية.
المصدر الغريزي للنزوات الانتحارية .
الانتحار امتياز أدبي:
سأقدف نفسي أمامك غير مقهورة أيها الموت، ولن أستسلم فيرجينيا وولف.
أول علامات بداية الفهم أن ترغب في الموت. فرانز كافكا.
أخفقت في الشعر والكتابة والرسم ولم أوفق حتى في حماقاتي الجميلة في حضن الحياة، وأمام كل الإخفاقات التي واجهتني في الحياة، سأقف اليوم قويا في وجه الموت..وداعا. الشاعر المغربي عبد القادر الحاو.
ألا يكون استعجال الموت أرحم من انتظاره؟. زفاخرمان.
هذا مجموعة من العبارات المقتطفة التي كتبها مجموعة من الأدباء المعروفين، كلها تشجع على الانتحار، وكلها تتمحور حول فكرة واحدة وهي؛ إقرار كاتبها برغبته في إنهاء حياته، بسبب ما يتحمله من مشاعر سلبية تجاه الحياة، وجراء شعوره بتفاهة ما يعايشه وجراء كآبته أيضا إن صح القول.
وقد درس عالم الاجتماع اميل دوركايم السجلات الرسمية للانتحار في فرنسا، فاكتشف أن فئات محددة من الناس كانوا أكثر ميلا للإقدام على الانتحار من غيرهم. إذ وجد على سبيل المثال، زيادة معدلات الانتحار في أوساط الرجال بالمقارنة مع النساء، وفي أوساط البروتستانت بالمقارنة مع الكاثوليك، وبين الأثرياء بالمقارنة مع الفقراء. وبين العازبين بالمقارنة مع المتزوجين.
ولاحظ كذلك أن ميل معدلات الانتحار إلى الانخفاض في أوقات الحرب وارتفاعه في أوقات التغير أو عدم الاستقرار الاقتصادي.
وخلص دوركايم من خلال هذه النتائج إلى أن ثمة قوى اجتماعية خارجة عن نطاق الفرد تؤثر على معدلات الانتحار. وربط هذا التفسير بمفهوم التضامن الاجتماعي .
إن الانتحار حقيقة لا يمكن تفسيرها إلا بحقائق اجتماعية أخرى، فالأديب ليس شخصا خارجا عن المجتمع فهو قبل كل شيء كائن اجتماعي، انتحاره متعلق بما يحيط به وقد سبق وأن أشرنا إلى أنه يحس ويشعر أكثر من غيره، وبذلك فإذا كان هذا الأديب يعيش في بيئة مجتمعية مفككة، ولا يحس بالأمان داخل أسرته الكبيرة والصغيرة، فإنه لا محال سيلجأ إلى قتل نفسه. بالطريقة التي يراها ملائمة.
إن الأدباء يتفنون في أساليب انتحارهم : فجاك لندن، وفالترهازنكليفر، و كورت توخولسكي، وآرثر كوستلر وزوجته انتحروا بالسم. وستيفان زفايج وزوجته تناولا حبوبا منوّمة وانتحرا في يوم المهرجان الكبير الذي يقام في ريو دي جانيرو! ومثلهما فعل جورج تراكل الذي انتحر بالكوكايين.وآرنست تولر انتحر شنقا، وكذلك فعل الأديب عبد الباسط الصوفي الذي شنق نفسه بحبل بجامته!.ويبدو أن أكثرهم فضّل الانتحار بطلقة في الرأس: أرنست همنغواي، ورومان جاري، ومايكوفسكي، وهنري دي مونترلان، والقاص المصري محمد رجائي عليش الذي انتحر في سيارته، قريبا من شقتين يمتلكهما.
وفي بعض الحالات نجد أن أسباب قتل الأدباء لأنفسهم غير مبررة، أو مثيرة للاستغراب . فالروائية فرجينيا وولف انتحرت خوفا من الجنون، والكاتبة الأرجنتينية مارتا لنيش انتحرت بعمر الستين لأنها لم تطق رؤية التجاعيد بوجهها، فيما كان الانتحار عند الروائي الايطالي سيزار بافيز مناسبة احتفالية..وصف فيها الانتحار بأنه أهم عمل في حياته !
ومن أشد حالات الانتحار التي أثارت انتباهي هي حالة انتحار الكاتبة البريطانية سارة كين
التي قامت بتأليف ست مسرحيات وهي في الثالثة والعشرين فقط من عمرها وماتت بالانتحار شنقًا بعد فترةٍ وجيزة من إنهاء مسرحيتها الأخيرة ذهان وهي في الثامنة والعشرين..
لكن ما كان غريبًا حقًّا في أمر سارة كيم هو أن تقوم فتاة لديها 23 عامًا فقط بتأليف مسرحية يحتوي مشهدها الافتتاحي على رجلين أحدهما جندي يغتصب الآخر بوحشية ثم يفقأ عينيه ويجبره بعدها على أكل لحم طفلٍ ميت. ولم يكن هذا المشهد هو الوحيد المفزع وغير المقبول في هذه المسرحية، بل إنها احتوت على مشهدٍ آخر أكثر وحشية وإيلامًا يقوم فيه صحفي انتهازي باستغلال فتاة مراهقة معاقة ذهنيًا واستدراجها إلى غرفته في الفندق ثم يغتصبها ويمعن في إذلالها.
كان العالم هو الشيء «البغيض» في نظر "كين" التي لم تتورّع عن أن تكشف قبحه. بعد ذلك توالت أعمال كين المسرحية التي لم تخلُ من الإبداع واللغة المركزة وكذلك التشوهات والقبح والأمراض النفسية المرافقة للذات الإنسانية، وإن كانت قد تناولت الأمر بطريقةٍ أكثر لباقة فيما بعد، حتى جاءت مسرحيتها الأخيرة «ذهان 4:48» بمثابة صرخة استغاثة أخيرة من الاضطراب والألم اللذينِ ألمَّا بها؛ فقد كُتبت هذه المسرحية في خضم معاناة الكاتبة من مرض الاضطراب ثنائي القطب لدرجة أن وكيلها الأدبي قد قال: «لقد كان يجب عليّ أن أفطن إلى أن هذه المسرحية كانت رسالة انتحار ولكنني أدركت الأمر متأخرًا».
وصفت هذه المسرحية الاكتئاب بدقةٍ شديدة وكأن الاكتئاب هو الذي يتحدَّث عن نفسه فيها، كما أنّ الكاتبة قد اختارت الساعة 4:48 صباحًا بالتحديد لأنّ هذه هي الساعة التي كانت دائمًا ما تصحو فزعةً فيها خلال معاناتها من نوبات الاكتئاب. جراء ذلك أدخلت لمصحة نفسية وهناك، في مستشفى مودسلي بلندن، حاولت كين الانتحار عن طريق شرب كمية كبيرة من الدواء الذي تتعاطاه للمعالجة من الاكتئاب ولكن تم إنقاذها لتقوم بعدها بيومين فقط باستغلال انشغال الممرضة عنها وتسرع بشنق نفسها في حمام المستشفى مستخدمةً رباط حذائها. وبذلك أسدل الستار على حياة سارة كين التي لم ينجح أي عقار في العالم في إعطائها معنى وهزمتها نوبات الهوس الاكتئابي في آخر الأمر إذ استسلمت لوسوسات «شياطينها» وأنهت حياتها في ذلك العالم الذي كانت تراه بغيضًا آملة في أن تجد فرصة للسلام في عالم آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر