الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنثى ولذة العقاب

محمود كرم

2006 / 4 / 7
العلاقات الجنسية والاسرية


يقولون إن ( جوزفين ) حينما أمرها ( نابليون ) بمغادرة القصر ، رشّت شيئاً من عطرها بغرفتهِ لتبقيه خمسة عشر يوماً محاصراً فيها بالرغم من وجودهِ مع أخرى ..

في الحقيقة لم تسبق لي تجربة شخصية كهذه ولم يسبق لي أني وقعت ( دائخاً ) تحت حصارٍ أنثوي شديد الفتك من هذا النوع ، ولكني على يقين تام من أنه يكفي أن تترك أنثى جميلة فاتنة الضوء وعميقة الحضور ورائعة الروح شيئاً من عطرها لِتُشعلَ في قلب مَن تحُب ذاكرته النازفة شوقاً وغراماً للمكان الأجمل والزمان الأجمل ..

ربما حينما أفقدت ( جوزفين ) نابليون صوابه وشرخت نرجسيته الذكورية قال عبارته الشهيرة من أن ( كل النساء تتساوى في الظلام ) ومن واقع حقي الإنساني في إبداء الرأي فأني لا أتفق مع عبارته تلك ، فقد تتساوى النساء في هذه الحالة حينما يصبح فعل الولوغ الحسي الصرف الفاقد لتيار الحب في ثنايا جسد الأنثى هو ثمرة اللذة الوحيدة من العلاقة معها ، وحتى لو اتفقنا مع نابليون ، لكن تبقى هناك مَن تملك أن تكون مشعة بألقها الأنثوي الساحر وأن أطبق الظلام من حولها ، وهناك مَن لا تملك فعل البهاء الذاتي لقدح شرارة من الألق في أطراف العتمة .

وفي حالة ( جوزفين ) فإننا بالتأكيد أمام امرأةٍ تعرفُ جيداً كيف تُنزل ( عقاباًً لذيذاً ) بالقلب الذي أدمنَ وجودها وصار يبحث عنها جنوناً حينما تذهبُ في الغياب البعيد ، وبالتأكيد أيضاً ليست كل امرأةٍ تترك خلفها حينما ترحل في الغياب شيئاً جميلاً يحترف فنون العقاب اللذيذ ، وهناك ربما مَن يبقى قيد اللهفة الأبدية إلى الرمق ما بعد الأخير منتظراً أنثاه التي رحلت في لحظةٍ موجعة إلى دهشة المستحيل ..

وقد يبدو أمراً في منتهى التفاني والجمالية الناصعة حينما نكتشف أن واحدة من أكثر الصفات التي تميز الأنثى المتوثبة بفتنة الخلق الإبداعي عن غيرها هي استمتاعها باللذة اللانهائية التي تقدمها لحبيبها ، هذا إذا آمنا حقاً بما يقوله الروائي نيكوس كازنتزاكسي على لسان بطله الحكيم زوربا في روايته الشهيرة زوربا : ( أن المرأة الحقة تتمتع باللذة التي تقدمها للرجل ، أكثر من مما تتمتع باللذة التي تأخذها منه ) ، وقد يجعلنا هذا الأمر أمام حقيقة فادحة البياض تتلخص في أن الأنثى منبع العطاء اللامحدود في الوجود ومن هنا تكتسب قدرتها الخلاقة على إنها مانحة اللذة المشتهاة لحبيبها ، ومن هذه القدرة أيضاً اكتسبت في المقابل امكانياتها الساحرة في اشعال الحواس ، حواس حبيبها بغواية الانتظار المتلهف حينما تحترف لعبة العقاب اللذيذ وفن الغياب الأجمل ..

ولكن علينا أن لا نصدق في مقابل ذلك مَن يقول بأنه يعرف سر المرأة وإنها ليست إلا كتاباً مفتوحاً يسهل قراءته ، وأعتقد شخصياً أن الأنثى تبقى واحدة من الأسرار الأكثر غموضاً في هذا الكون وليس في مقدورنا أن نفك شفرة كينونتها الأنثوية الإنسانية بسهولة ، وربما كان محقاً برناردشو حينما قال في هذا الصدد : ( يكفي المرأة رجل واحد لتفهم جميع الرجال ولكن لا يكفي الرجل مئات النساء حتى يفهم امرأة واحدة ) وقد يكون هذا الغموض الذي يكتنف المرأة جمال آخر يسبغ عليها هالة من الأسرار القدسية التي تكون مغرية جداً لمن يريد أن يتعقب مكنوناتها الدفينة ويقف على جوانبها المشعة ..

وكثيراً ما نحتار أمام مزاج الأنثى ولا نعرف على وجه الدقة كيف نتنبأ بما هو آتٍ من تلك الجهة ، وهذا الأمر قد يكون الجانب الآخر من كينونتها الأنثوية الغامضة ، ولا نملك إلا أن ننتظر ما يخبرنا عنه مزاجها وفي هذا المجال استحضر قولاً طريفاً للروائي محمد شكري في روايته المعروفة خبز الحافي : ( مزاج المرأة صعب الفهم ، حين يعتقد الواحد في امرأة إنها ستسبب له مصيبة إذا بها تنقذه ، حين يعتقد إنها ستنقذه ربما تقوده إلى مصيبة ، الانقاذ والهلاك متوقف على مزاجها ) ولكننا بطبيعة الحال ننتظر دائماً من الأنثى أن تأخذنا بمزاجها الرائق إلى شرفات الانقاذ وتكفينا مهاوي الهلاك ، ولكني أعتقد وقد أكون مخطئاً أن مزاج المرأة الجميل يصنعه الرجل ، فكلما كان الرجل قريباً من تفهم دواخل نفسيتها كلما كان قادراً على رفع منسوب الروعة في مزاجها الذي سيتوهج رونقاً وإشراقاً تبعاً لذلك ، وحينما تتمتع الأنثى بمزاج رائق وفاتن فإنها لا تبخل في تأثيث المكان من حولها بالبهجة والحلم وتملؤه بمساحاتٍ من اللذة الشهية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح حكم-ادخار المرأة من مال زوج


.. تا?ثير نقص الغذاء والظروف البيي?ية على النساء في الحروب




.. صاحبة مشروع الحبوب والأعشاب الجافة أسماء عبد السلام


.. ليبيا معرض زراعي اقتصادي يوفر فرص عمل للمرأة الجنوبية




.. صاحبة مشروع صناعة السعفيات فوقه صالح