الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة العميقة

سيمون العيسى

2018 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة العميقة بالتعريف هي مجموعة التحالفات النافذة داخل النظام السياسي، وتتكون من عناصر متعددة منها أجهزة المخابرات والقوات المسلحة والقضاء والمافيا، تكون بمثابة دولة داخل الدولة، مصالحها فوق كل مصلحة، ووسائل تنفيذ سياساتها متنوعة، وهي في الواقع مجموعة من الأشخاص، مُمثِّلين لأشخاص، يعملون من وراء الكواليس ويديرون الدولة
تعددت تعاريف الدولة العميقة وفي هذا الخصوص عرفها عضو الكونغرس السابق عن الحزب الجمهوري (مايك لوفغرين) في عام 2014 بأنها: "ذلك الجزء المخفي من الحكومة والذي تمثله قطاعات أصحاب رؤوس الأموال والصناعيين والذين تشكلت لديهم إمكانية حكم الولايات المتحدة بدون ضرورة الإنخراط في العملية السياسية الرسمية".
فهي غير مرئية وتعمل خلف الكواليس وبعيداً عن مرأى ومعرفة الشعب، ويعمل في ظلها عدد كبير من النشطاء وبسرية كبيرة. ويرى (جيسون رويسليندسي) أن مصطلح الدولة العميقة يرتبط بشكل مباشرة بمؤسسة الأمن القومي لا سيما في البلدان المتقدمة، فالدولة العميقة تستمد سلطتها من جماعات الأمن والمخابرات الوطنية، وهو عالم تسوده السرية، ومصدر للقوة.
ونبدأ بأوضح مثال على "الدولة العميقة"، والذي أطلقت معه التسمية في تركيا في تسعينيات القرن الماضي حين تصدى الجيش لمهمة الحفاظ على علمانية الدولة التي أنشأها كمال أتاتورك ومحاربة كل ما يهدد مبادئها. ومن بعدها عممت على الحالات المشابهة بما فيه السابقة عليها كأميركا.
يتضح بأن مفهوم الدولة العميقة يستعمل لوصف أجهزة حكم غير منتخبة، مثل المؤسسة الأمنية أو الجيش أو جماعات الضغط والمصالح التي تتحكم بتوجهات الدولة، ويكون الهدف من الدولة العميقة أما المؤامرة على نظام الحكم القائم، أو يكون الهدف منها الحفاظ على مصالح هذا النظام والدفاع عنه، عن طريق أشخاص متنفذين في جميع مؤسسات الدولة ويعملون على تحقيق أهداف مشتركة، ولهم قدرة التأثير في القرارات السياسية للدولة. علما أن هذا المفهوم له تسميات أخرى منها الدولة الموازية أو دولة داخل دولة.
عند انقلب حافظ الاسد و استلم الحكم اسس دولة استبداد شمولية غير عصرية، طيّف فيها الجيش من خلال عملية تغيير واسعة لقياداته، وبنى أجهزة أمنية عنيفة وطائفية، وطعّم الدائرة المحيطة به بمنتفعين وانتهازيين جشعين، واشترى الولاءات ونشر الفوضى، وجعل ركيزة دولته العميقة بضع رجال أمن (الحرس القديم) ومعهم رجال قادرون على تجييش الطائفة، التي دجّنها بالترغيب والترهيب، وتحكمت دولته العميقة الخفية بالتعليم والإعلام والدين والاقتصاد والبيئة والمجتمع، ومارست موبقات جرمية، تبدأ بنهب الثروات، والإسهام بتخلف البلد، ومحاصرته فكرياً وإيديولوجياً، وتدمير بنيته المجتمعية، وتعميم ثقافة الخوف والانتهازية، وصولاً إلى القمع والتعذيب والمحاصرة والقتل.
في فترة السبعينات والثمانينات كان عمق الدولة مشترك بين الشقين الشعبي والحكومي وكانت سورية في فترة نمو شامل مرتكز على بنى تحتية وخطط شاملة للنمو الشامل على المستوى الوطني والشعبي وفي فترة التسعينات ةعندما دخل القطاع الخاص والمشترك بنشاط الدولة تحول النشاط وتنفيذ الخطط الوطنية قسم منه الى القطاع الخاص الذي كان قسم منه من خلال رسملات تمت من حالات فساد نمت في غفلة وطنية وغطاء من مجموعة موظفين تحاصصو مع الفساد والمفسدين وهنا اخذ عمق الدولة يزيد حكوميا باتصاله بالفساد او اصبحت المؤسسات بقرة حلوب وهنا الشق الثاني المتمثل بالمواطن العادي الغير مرتبط بالفساد والذي ينتظر من المؤسسات الحكومية ان ترعى مصالحه ولم تكن مصالحه الا كلاما شعاراتيا
وهنا العمق الشعبي للدولة تراجع بسبب ضعف الثقة بالمسؤول الذي اصبح يتعامل بعمق الدولة من المنظور الشخصي والاناني وعندما حصل ذلك عبر فترة ليست قصيرة ابتعدت المسافة بين المواطن والمسؤول وسيطر الخوف على المواطن من مواحهة المسؤول الذي اكتنز من منصبه المال والقوة
وهنا صارت اذمة ثقة بين المواطن والمسؤول اصبح عمق الدولة بالنسبة للمواطن اقل من المطلوب بسبب الفساد الذي تعمق واصبح متجزرا.
المؤرخ الفرنسي جين بيريه فيليو – والذي يعمل أستاذا للدراسات الشرق أوسطية بجامعة سيانس بو في باريس – وضع كتابا بعنوان "من الدولة العميقة إلى الدولة الإسلامية" يشرح فيه لماذا انتهت انتفاضات الربيع العربي بالشكل الذي انتهت إليه ولماذا ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في هذا التوقيت على وجه التحديد. في الكتاب تفاصيل كثيرة لمنطقة تمتد من اليمن إلى الجزائر لكن مراجعتي لهذا الكتاب ستقتصر على مفهومين قدمهما البرفسور فيليو هما: الدولة العميقة والمماليك الجدد كمفهومين تاريخيين لاستيعاب حاضر المنطقة والتعقيدات والتشابك في السياسة الشرق أوسطية
في كتابه المشار إليه استثنى فيليو تونس من التحليل باعتبارها تجربة ناجحة للانتقال للحكم الديمقراطي. ويلقي باللوم في فشل انتفاضات الربيع العربي وبروز داعش على الدولة العميقة والثورة المضادة، وهنا يتحدث عن دور مافيات الأمن العربي في تشكيل السياسة في الشرق الأوسط، فهذه الأجهزة الأمنية والقادة الطغاة المُصرّين على البقاء في الحكم بصرف النظر عن التكلفة لعبت الدور الأبرز في ظهور التطرف الذي نشهده، ويرى المؤلف أن هناك محاكاة للتجربة التركية الكمالية والتكتيكات الكمالية في توظيف الأذرع الأمنية الداخلية المتمثلة بالدولة العميقة في سياق لعبة البقاء السياسي للقادة والأنظمة.
فلم تكتف هذه الأنظمة بالتهديد والوعيد والسجن والقتل بل أطلقت من سجونها سراح متطرفين وتم تسليحهم وتمويلهم لانضاج السلفية الجهادية على أمل إقناع الغرب بدعم الانظمة الديكتاتورية، وهنا نلاحظ محاولات روسيا وإيران في إعادة تأهيل بشار الأسد ليكون وكيلا للغرب في محاربة الإرهاب. وبهذه الطريقة تمكنت الدولة العميقة أيضا في شق صفوف المعارضة وقوى التغيير، وفي تفاصل الكتاب ما يؤسس لحالة مقنعة كُتبت بشغف ومهنية أكاديمية حول آليات عمل الدولة العميقة التي تشبه إلى حد كبير عصر المماليك في مصر، فمماليك سوريا الجدد ليسوا مسؤولين فقط عن الخراب الذي أصاب البلد بل وعن ظهور داعش على المسرح العملياتي والسياسي. ويرى المؤلف بأن هذه الأنظمة لعبت بنيران الجهاديين لمنع التحول الديمقراطي أو المشاركة في السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف