الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كَهِينَا (3)

سلام محمد المزوغي

2018 / 10 / 25
الادب والفن


منذ رحيل كريمة عندما كنت في الخامسة عشرة، بدأت كهينا بِحثّي على البحث عن رفيقة، كانت دائما تسألني هل من جديد وتقول لي أنها ستكون سعيدة إذا ما عدت يوما إلى المنزل ومعي إحداهن، لكن ذلك لم يحدث أبدا؛ لا أذكر أني اهتممت لزميلاتي في المعهد ولا أعلم لم رفضتُ رغبة ثنتين منهن في الاقتراب مني، كانتا جميلتين لا ينقصهما أي شيء لكني فضلت أن تبقيا صديقات، "كريمة" كان اسم احداهن، كنت أفضلها قليلا على الأخرى لكني لم أدعها يوما لمنزلنا ورفضت دعواتها المتكررة في الذهاب معها لمنزلها.. طيلة فترة الثانوية لم أُعلم كهينا بوجودهما وكنت أكتفي بالقول بأن عندي صديقات لكن لم أكن أرى أكثر من الصداقة معهن. كانت كهينا ترى أن ما كانت تحثني عليه سيساهم في بناء نفسية سوية، كانت تخشى من عواقب علاقتنا الانصهارية على شخصية مراهق لا يستطيع النظر إلى كل ما يحيط به إلا عبر عيني أمه.
بعد تلك الليلة التي قرأت فيها من مذكرات كهينا - وكنت وقتها قد أتممت سنتي الجامعية الأولى - التقيت بكريمة في الغد، كانت غاضبة ولم تصدق تعللي بمرض كهينا، لم تعجبني غيرتها وعجبت منها لأنها تعرف كل شيء منذ الثانوية.. قالت لي أنها تستحي حتى من التفكير فيما يحدث لها، لكنها تغار من ماما وتريدني أن أمضي معها أكثر وقت وأن أبتعد قليلا عن كهينا. كانت تكلمني باكية وكنت أنظر لها في صمت، تساءلت مع نفسي عن السر في سماحي لها أن تقول كل ما قالته، كانت تلك اللحظات أول مرة سألت نفسي: "ماذا تعني لك كريمة؟"
الكل كان يراها حبيبة لي وهي منهم، لكني لم أكن أرى ذلك، لم أكن أراها مجرد صديقة أيضا.. تقاربنا من جديد بعد الثانوية كان فريدا وربما لذلك كنت أرى أن مكانتها خاصة عندي، كنت أراها جميلة لكني لم أرغب فيها يوما، لم أرغب حتى في مجرد قبلة، لكني كنت في بعض الأحيان أشعر بالرغبة في رؤيتها فأواعدها؛ كان ذلك نادر الحدوث وكان يسعدها كثيرا لأنها كانت الأكثر اتصالا ورغبة في أن نلتقي..
جمع شملنا من جديد كان عبر موقع تشات منتصف السنة الأولى، أردت عبره معرفة ما سيقول الآخرون عني وعن كهينا.. تكلمت مع الكثيرين من جنسيات مختلفة، أغلب الآراء كانت سلبية باستثناء رجل فرنسي ستيني امرأة إنكليزية في عمر كهينا وفتاة في عمري من البلد؛ كان طبيعيا أن أهتم للفتاة فقد كانت الوحيدة التي قالت خيرا عكس كل الباقين الذين شتموا ولعنوا ثم رفضوا صداقتي. الفتاة أُعجبتْ بجل ما ذكرتُ عنا، وقالت أنها تتمنى لو كانت علاقتها بأمها أو بأبيها مثل علاقتي بكهينا، كانت بريئة في البداية لأنها لم تفهم كل الحقيقة وراء قولي أن علاقتنا انصهارية.. مع مرور الوقت وتعدد دردشاتنا، راودها الشك عندما كتبتُ لها أني وكهينا نستحم معا وننام معا في بعض الأحيان في غرفتها أو في غرفتي. سألتني بعد أن أمطرتني اعتذارات: "هل بينكما جنس؟" فأجبتها أن لا.
كانت أغلب موضوعات دردشاتنا عني وعن كهينا، لكن كان بعضها عنها؛ حكت لي كل شيء عنها، شعرت بالأسى للمشاكل العائلية الكثيرة التي عاشت فيها ولوحدتها، وعندما طلبت رأيي في حبيب لا يبادلها نفس الحب وصفتها بالغبية وبالمراهقة ونصحتها بالبحث عن غيره..
لم تنقطع دردشاتنا، وعند مراجعة بعضها اكتشفت هوية تلك الفتاة؛ كريمة كانت تعرف هويتي منذ أول دردشة بيننا.. درسنا في نفس المعهد أنا وهي، ما قلته عني عبر النات إطاره كان معروفا عند الجميع، ذكرت المدينة التي بها أقطن، ذكرت عمري عمر كهينا عملها المعهد الذي به درستُ ذكرت هواياتي تفوقي الدراسي.. ذكرت كل شيء، فقط استعملت اسما مستعارا لم يكن له أي مفعول لأن كريمة عرفتني منذ أول دردشة. لم نكن ندرس في نفس الكلية لكننا كنا في نفس المدينة كأيام الثانوية، لا أعلم لِمَ واصلت الدردشة معها بعد أن تعرفتُ على هويتها الحقيقية، كنت أستطيع الاتصال بها بالهاتف لإنهاء تلك المسرحية لكني لم أفعل وواصلتُ الشات معها زاعما أني لا أزال أجهل هويتها، لم تكن مختلفة عن كريمة التي عرفتُ ورفضتُ كل عروضها وفضلتُ أن تبقى صديقة لكني كريمة الافتراضية جذبتني أكثر لدرجة أني كنت أمضي الساعات في الكتابة والقراءة لها.. بعد أن إلتقينا قالت لي بأنها شكّتْ أني تعرفتُ عليها لأني لم أطلب منها رقمها ولم أستغرب من عدم طلبها رقمي بعد قرابة ثلاثة أشهر، لكن شكها لم يدم كثيرا لأنها قالت أني مستحيل أن أواصل الشات معها لو كنت قد علمت هويتها الحقيقية لأني لم أهتم لها يوما أيام المعهد.. وكانت مخطئة.
قد يكون الذي جعلني أهتم هو اكتشافي أنها متبناة من أبويها وأنها تعرف اسم أمها الحقيقية لكنها تجهل أي معلومات عنها، اكتشفت ذلك مع ابتداء تلك السنة الجامعية وعند مواجهة أبويها اعترفا لها بالحقيقة؛ كل شيء حصل في مدينتنا، من المشفى المحلي وقع تبنيها من زوج لم يكن يقطن المدينة تلك الفترة، ثم شاءت الصدف أن يغادر أبواها العاصمة للعمل والسكن بمدينتنا بعد أن تجاوزت كريمة الإعدادية.. أمضينا أربع سنوات في نفس المعهد، ثم شاءت الصدف أيضا أن تبقى كريمة في نفس المدينة لأن مجموعها لم يمكنها من الشعبة التي أرادتها في العاصمة بل في مدينتنا؛ العاصمة يلزمها مجموع كبير العاصمة يلزمها طلبة لا يعرفون حقيقة تاريخهم.. لم تكن العاصمة تهمني لأن شعبتي توجد كليتها في مدينة واحدة في البلد: مدينة كهينا، مدينة خالتي كريمة، مدينة صديقتي كريمة، مدينتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد