الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد الماغوط حصن النثر من بلاغة الشعر

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 4 / 7
الادب والفن


محمد الماغوط حصّنَ النثرَ من بلاغةِ الشعرِ
* تحيّةٌ رماديّةٌ لهُ *
الآنَ برحيلِهِ، اكتملَ مشروعُ محمّد الماغوط وأُغلقَ. أي لم يعد هناك مجال للإضافة، وصار مشروعه تراثا يؤخذ بكليته ومجمله. ولا شك لديّ أن اسم الماغوط من (الأوزان الثقيلة) في التجربة الكتابية العربية الحديثة، فعلى يده اكتسب نثر الشعر نكهة مختلفة، وخطابا جديداً. وتبدو أهمية ذلك أوضح عندما نستعرض نشأة (قصيدة النثر) عربيا وما الذي أحدثه (نثر الماغوط) في سياق هذه (القصيدة النثرية). فمن لغة الميتافيزيق والهمّ الكبير، وجوديّا كانَ أم رؤيويّاً، محليا أم قوميا، إلى لغةِ التفاصيل اللصيقة بأيام الإنسان. من مخملِ اللغة إلى نثريات دمشق والمنفى والرعب والجوع والدخان والصعلكة والرصيف والمقاهي والوحول، من دمشق الرمز الأرستقراطي إلى (دمشق المناسف والأهراءات والغبار والحداء والتأتأة وفقاقيع الحمى...)...
أعطى الماغوط النثر أهميته كنثرٍ يستمد جمالياته من داخله وليس من إحالته إلى الشعر وتقنيات القصيدة وخطابها الحديث، بل إنه (حصّن النثرَ) من الشعر وبلاغته...وهو لم يكن معنيا في يوم من الأيام بمشروع الحداثة تنظيرا ورؤيا وهاجسا... تاركا تحقيق ذلك من خلال (نثره) و(كتابته) وحدهما.
حرّرَ الماغوط النثرَ من البلاغةِ الخارجيةِ، ولكنه استثمرَ بلاغة أخرى عجز عنها أتباعه... إنها بلاغة العفوية المتوحّشة المطلقة، والتي ما كان يساوم عليها وعلى كونها انتماءه الوحيد ومشروعيته الأخلاقية الأولى.
كتابة الماغوط بشكل عام كتابةٌ وحشيةٌ غابيّةٌ، لا تخضع لسلطة (النسخة الثانية). وهي صورته الحقيقية المتطابقة بامتياز. أي أن الماغوط ما هو إلا نصوصه وأسلوبه وصوره وتكراره لنفسه في الآونة الأخيرة وعدم ادعائه لأي شيء... كتابته دالّة عليه بطريقة يستحق معها كثيرا من الاعتراف بالاختلاف والتمايز.
الماغوط كائن (داشر) بمعنى: لا يمكن أن تضبطه، لا هو ولا كتابته، في وضعية ثابتة أكثرَ من دقائق، يفلتُ بعدها لينسحب إلى وحدته محققا توازنه في البعد عن العالم ورعبه طواغيته وطينه ومشانقه... خارجَ مملكته كان الماغوطُ يضيع... وكأنه قضى عمره وكأنه ما يزال ذلك الفتى الجالس على باب بيته في السلمية... وربما كان الموت هو الشيء الوحيد الذي تمكن منه في إلقاء القبض عليه مطولاً... بعد أن استعصى على الجميع... لقد كان مشروع حرية من نوع لا يشبه أحداً.
هو يكتب ويكتب والنقد يطارده وهو لا يأبه لما يكتب عنه ولا يعيد النظر في تجربته بناء على أي رأي آخر. ليس امتهانا للرأي الآخر، بلْ هو انسجام مع هتاف الحرية داخله. لا يمكن إلا أن نحبه ونصمتُ أمامه... ننسى عند عتبة بيته خلافاتنا عليه، وتنظيراتنا وثقافتنا ونظرياتنا وندخلُ إليه كما يليق بغابة وحشية تأبى التشذيب (والقصقصة).
من ملامحه التي يمتاز بها، وحققت له شخصيته الإبداعية الخاصة، أن النصّ النثريّ الذي كتبه وعلى وجه الخصوص وبالدرجة الأولى في (حزن في ضوء القمر وغرفة بملايين الجدران والفرح ليس مهنتي) هو نصّ عصيّ على التقليد والنسخ. وكل من جاء بعده وخاض مغامرته على أرضه، خسر الرهان وكشفناه من الخطوة الأولى وقلنا له: أنت تقلّد الماغوط... لأن تجربة الماغوط في هذه الكتب (وفي نصوص لاحقة في كتبه الأخيرة ولكن هذه لها قراءة أخرى ومداخل أخرى لسْنا بصددها) كانت تجربةً رائدةً غير مسبوقة في النثر العربي. هو الذي افتتح لغتها وجمالياتها، وهو بذلك استأثر بخصوصيةٍ نموذجية مثالية كانت مصيدة لمن جاء بعده...
عشراتُ الكتب من النثر كانت تقليدا رديئاً للماغوط، وربما كانت هي التي أساءت إلى تجربة (قصيدة النثر) العربية ولا سيما في مرحلة السبعينيات، وخاصة في سورية...
في لحظةٍ ما أفاق الماغوط فوجد أنه مبدع، هو لم يصنعه أحد، حتى هو لم يصنع نفسه. وفي لحظة أخرى رأى نفسه رائدا، وفي لحظة أخرى وجد أنه يكتب (شعراً)، وفي لحظةٍ ما كبرَ الماغوطُ وهرم بعد رحيل المبدعة المظلومة نقديا وإعلاميا (سنية صالح الماغوط) زوجته المثالية التي تشبه صوتَ الحلم في آخر الليل... تركته وظلّ هو بعدها يحاول اللحاق بها ولكنه كان يفشل... فجلس في غرفته (الصومعة) ينتظر الموت... وريثما يأتي كان يتسلى ببقايا كتابةٍ، وكثير من الحزن والكآبة، ووجد وهو ينتظر الموت أنه أصبح محجّة للجميع، وصار الكثيرون يحاولون نيل شهادة حسن سلوك بأن يتقربوا منه ويكرموه، وما كانوا يكرمونه بل كانوا أنفسهم يكرّمون... المبدعون هم من يكرمون الجوائز والأوسمة والصالات والاحتفالات والمهرجانات...
وفي آخر لحظة أفاق الماغوط فوجدَ نفسه في قبره. وعندما صرخ واستغرب هذا الظّلام وتساءل حولَ ما يجري، أسرعَ الخلود يردّ عليه وهو يتمدّدُ إلى جانبهِ: أنتَ يا سيدي في ضيافتي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش