الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التستر على القاتل نفاقاً

عادل صوما

2018 / 10 / 28
كتابات ساخرة


قرر عازف الطبلة في فيلم "الكيف" أن يصدر شريطا غنائيا بعدما تدفقت عليه ثروة لا بأس بها، وعندما اجتمع بأفراد فرقته الشعبية الذين يشاركوه في الاعراس وفاتحهم بمشروعه الجديد، فرحوا جدا بالمدخول الإضافي والشهرة المتوقعة، وبعد مناقشة مشروعهم المستقبلي وتقّبلهم على مضض فكرة عدم وجود مُلّحِن رغم اقناعه لهم أن العزف تلحين لا أكثر ولا أقل، وأن ما يحتاجه العازف لكي يلّحن هو المزاج العالي، وكل ما يحتاجونه من ثمة جرعة مخدرات لينزل الإلهام عليهم ويصبحون ملحنين، سأله أحد العازفين:
- لكن ما قلتلناش يا مَزَجَنجي مين المطرب؟
- انا. اجاب مزجنجي.
- يعني انت ناوي تغني بفلوسك؟ّ! سأله العازف.
- يعني أيه بفلوسي؟ ما هو انا احيانا بغني.
- في الافراح، لكن مش في الاذاعة، وكل مرة بتغني فيها بننضرب.
فيلم "الكيف" بطولة محمود عبد العزيز الذي أطلقوا في الفيلم عليه "مزجنجي" لأنه كان مدمن تعاطي مخدرات ليستمتع بالحياة بمزاج عال، لكن مزجنجي لم يقتل ابدا بفلوسه بل كان يساعد الناس بها في كوميديا الحياة التي تجعل كيميائيا، يحيى الفخراني الذي لعب دور الاخ، يتقاضي ثلاثمائة جنيها شهريا، بينما "مزجنجي" يتقاضي خمسمائة جنيها في كل عرس يطبّل فيه.
التشابه والفروق
وجه التشابه بين فيلم "الكيف" وفيلم "السعودية 2030" هو أن البطل يعتقد انه يمكن عمل أي شيء بالمال. بطل فيلم "السعودية 2030" معه حق، ألم تُشترى النفوس بالمال منذ طفرة ارتفاع أسعار النفط وتغيرت ثقافات دول ونُشرت الفتنة وروح العصور الوسطى في بعض الدول بشراء نفوس القيميين عليها وإعلامها والدعاة فيها؟
أما الفارق بين البطليّن فهو ادراك مزجنجي تماما أن النقود لا تصنع الصوت الجميل، لذلك قال عن الاغاني التي يغنيها مطربون لا صوت جميلا لهم انها تصنع ضجة يمكن بها صد ضجة الحياة المزعجة، بينما لم يدرك بطل فيلم "السعودية 2030" أن التنوير يصنعه العقل وليس المال، ففلاسفة التنوير والمخترعين كانوا شبه معدمين ماليا، ولا يعني ابدا إذا امتلكت دولة معامل توليد الطاقة وشقت الطرق وعمرّت البنايات الفخمة وصيّف امراؤها في الغرب ولبست أميراتها البيكيني على شواطىء الخلافة العثمانية وفرنسا انها صارت متنورة. هي فقط اشترت بالمال قشور التنوير، لأنها مستهلكة لمخترعاته وليست منتجة لأفكاره.
شراء قشور التنوير والسلاح الذي لم يحقق نصرا واحدا ساهموا في تسويق فكرة سيناريو "السعودية 2023"، فدُفع من خزانة المملكة لشركات إعلانات وعلاقات عامة دولية وصحافيين لتبني فكرة سيناريو الفيلم، وأجرى مُروجه وليس مؤلفه احاديثا مع كبريات المجلات والصحف في العالم الغربي، لتسويق تنوّر المملكة وتبرئتها من وقائع تبنيها للإرهاب، وقدم أعجب رد قرأته خلال ثلاثين سنة عن الوهابية حين سأله محاور مجلة "تايم" الاميركية عنها فقال: "من هو الوهابي؟ ينبغي عليك أن تشرح من هو الوهابي، لأنه لا يوجد شيء يُعرف بالوهابي، وإن هذه عبارة عن أحد أفكار المتطرفين بعد عام 79، وذلك لإدخال العامل الوهابي لكي يكون السعوديون جزءًا من شيء لا ينتمون له. لذا أحتاج شخصا يشرح لي ما هي تعاليم الوهابية".
وقام قبل رحلته التي اجرى فيها صفقات بعشرات البلايين من الدولارات باجراءات شكلية لتحسين صورة التزمت والتخلف الفكري في المملكة فسمح، بعدما كان الامر مُحَرما بفتاوى وهابية كثيرة، للمرأة أن تقود السيارة في المملكة، وتجاوز أخطر خط أحمر بين تحالف الفقهاء وآل سعود ثم آل سلمان، إذ قال الامام بن باز عن قيادة المرأة " فقد كثر حديث الناس في صحيفة الجزيرة عن قيادة المرأة للسيارة، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها، منها: الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها: السفور، ومنها: الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها: ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور، والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المُحرّم واعتبرها محرمة، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع".
كما أوُحى لكومبارس المعارضة خصوصا في صحف المملكة بنقد التزمت والسلفية والاخوان المسلمين، وتسويق الاعتدال والعلمانية والاسلام الوسطي، لكن الخليفة المرتقب رجب إردوغان رد على ذلك بقوله: "لا يوجد إسلام وسطي أو متطرف. الاسلام هو الاسلام".
الظاهر والواقع
تبين لاحقا أن قيادة المرأة السعودية للسيارة دونها عقبات كثيرة، وأن المعارضة لو تخطت الحدود المرسومة في سيناريو فيلم "السعودية 2030"، سيكون مصيرها ما حدث لجمال خاشقجي على أرض سعودية في الخلافة الاسلامية التركية المرتقب قيامها من القبر قبل مرور مائة سنة على إصلاحات أتاتورك.
يعلم الناس في العالم العربي عموما أن الاعلام الاجنبي فاعل ومؤثر، خصوصا الاعلام الذي يُقرأ في عاصمة السياسة الدولية واشنطن، لأن الدول الغربية هي التي تقرر مصير الشرق الاوسط، من هنا كانت خطورة جمال خاشقجي رغم اعتدال معارضته، فالرجل كان يكتب في أهم مطبوعات الولايات المتحدة التي يأخذ عنها الاعلام، ويعارض بعض افكار مُروج فيلم "السعودية 2030".
المملكة تستعمل الانترنت وأحدث الهواتف والكاميرات، لكنها إرتدت إلى اسلوب ما قبل عصر قنديل الكيروسين، عندما تعاملت مع إغتيال خاشقجي على اراضيها في تركيا، إذ كان أول رد فعل رسمي هو أن "الرجل خرج سليما من السفارة ولا نعلم أين ذهب"، ثم "تواصل الاهتمام السعودي بكشف ملابسات اختفاء المواطن جمال خاشقجي بعد خروجه من القنصلية السعودية في اسطنبول"، ثم "أكدت المملكة ثقتها بقدرة فريق العمل المشترك بين المملكة وتركيا على كشف ملابسات اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول قبل أكثر من إسبوع"، وبعد شيوع خبر إغتيال خاشقجي بما لا لُبس فيه داخل السفارة وليس خروجه منها، تلقت المملكة اتصالات من الاشقاء المسلمين تندد بمن يحاول النيل منها والاساءة إليها، وهكذا "رفضت السعودية التهديدات وظهر تضامن عربي وإسلامي مع موقفها"، لأن "الاتهامات زائفة والادعاءات باطلة لا تستند إلى حقائق"، حسب الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني. وبناء على هذا التضامن الأخوي هددت المملكة من يهددها بكشف معلومات إغتيال خاشقجي بوجود المقدسات الاسلامية على اراضيها وارتباط إقتصادها باقتصادات دول كثيرة، وانكروا معرفتهم بما حدث في قنصليتهم على اساس انه تم من فئة ضالة ستُحاكم في المملكة، وبدأوا في حياكة اتهامات لكومبارس نفذوا فقط ما وصلهم من أوامر، بينما العالم يسأل: أين جثة خاشقجي؟
حسب لغة القانون الجنائي يعتبر سيناريو الاحداث الذي إختلقته السعودية والاشقاء "تناقضات أدلة"، والقانون الجنائي لا يعترف بالسجع والكلام المُقفى والمواقف التي تشجب بل بالوقائع.
أما إسلاميا، فيعتبر من أصدر أمرا بإغتيال خاشقجي خالدا في جهنم وعذابا عظيما ينتظره وغضب الله عليه(النساء 93)، لأنه لا يصح له قتل مسلم.
وعلمانيا، يمكن أن نقول انه لو كان يؤمن بالله حقا وصدقا لما أمر بإغتيال خاشقجي، لأن الله لو كان موجودا حسب إيمانه فسيعاقبه، لكنه يعلم يقينا أن الامر برمته مجرد أساطير يحكمون ويخيفون بها الناس، ومن ثمة خاشقجي وأمثاله مجرد كلاب يجب أن تصمت.
الخلاصة
فيلقل أهل السلطة كافة ما شاءوا، وليبرر أصحاب مصانع السلاح صفقاتهم، وليؤمن المؤمنون بالاساطير بأوهام عدم المساس بالمقدسات والقيميين عليها، وليتدبر صانعو السيناريوهات الدولية مخرجا لصاحب القرار الحقيقي بتقطيع أوصال خاشقجي، وليبحثوا عن كومبارس مثل سعود القحطاني واحمد عسيري لإخفاء الآثم الحقيقي، ولتعتبر الدول أن ما حدث شأنا سعوديا داخليا لا شأن لها به، لكن الخلاصة الواضحة هي ماذا سيحل بالعالم العلماني إذا تمكّن الفكر المتزمت الذي بات واضحا في تمويل الفتن التي تحدث في معظم الدول وملامح العودة إلى عصور التفتيش والتعامل مع المعارضين بالمنشار الكهربائي؟
لعل نهاية هذه الظلامية تُكتب لتحرير ملايين المسجونين بتسليم وخشوع تام داخل عتمتها بدون قضبان، وراحة أهل من ماتوا بسبب الايمان بأساطيرها الارضوسماوية وعلى رأسهم أسرة خاشقجي لأنه أشهرهم هذه السنة، ومن يدري لعل أشهر منه سيحدث له الامر نفسه؟
كما بدأت مقالي بالكوميديا التي تنتزع البسمة من المشاهدين، اختمه بالكوميديا السوداء التي سيطرت على الناس بعد إغتيال خاشقجي، وكان سلاح النكتة على الانترنت أقواها، ومن أتعس ما تداول الناس أن السعودية كانت تهتم بنشر الاسلام والان أصبح اهتمامها نشر المسلمين. وقيل في نكتة سوداء أخرى أن الهدف من تقطيع خاشقجي في تركيا كان إعادة تجميعه في السعودية وفقا لرؤية 2030، لكن حدث خطأ في التجميع وحين يتم تصحيحه ستفاجىء السعودية العالم بالتقنية الهائلة التي توصلت إليها وهي إعادة متوف مرة ثانية إلى الحياة، وهي الثورة الأهم بعد القضاء على المتآمرين على الله وإعلان الحروب عليه وعلى وكلائه الحصريين على الارض.
أما كوبرنيكوس وفلاسفة التنوير فهم في النار.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال