الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدور الانتهازي لتركيا في قضية خاشفجي

رضي السماك

2018 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


بعد مرور ما يقرب من الشهر على قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول باتت كل المؤشرات تقطع الشك باليقين بأن تركيا الاردوغانية تدير ملف القضية بطريقة انتهازية عبر تجييرها لمصالحها السياسية وحتى الاقتصادية وذلك بهدف الضغط على الرياض لكسر شوكتها كقائدة للمحور السعودي - الإماراتي -.البحريني - المصري المناوئ للمحور التركي - القطري في المنطقة ، ودون أن تتورع في هذا الصدد عن ممارسة نوع من الابتزازات المالية والاقتصادية ، والتي وإن كانت لاتفصح عنها إلا انها غير خافية عن عبن أي مراقب سياسي لبيب متابع للحدث .
وما تلكؤها طوال هذه الفترة الطويلة منذ يوم الاغتيال في 2 اكتوبر / تشرين الأول الجاري إلى يومنا عن الإعلان رسمياً ، ولو على الاقل الخطوط العريضة الأولية لنتلئج التحقيق ، وتعمدها بتسريب معلومات غير رسمية بالقطارة لوسائل الاعلام المحلية والعالمية ، وبخاصة قناة الجزيرة القطرية ، إلا أكبر برهان على ذلك . ويستشف من مسلسل التسريبات اليومية المحدودة المعطاة لوسائل الإعلام من قِبل مكتب المدعي العام خضوع هذا الأخير لسياسات وتوجيهات الرئيس وحكومته ، ومن ذلك تسريب صور واخبار لدحض ما تنشره وسائل الإعلام السعودية من تكذيب للتسريبات التركية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر صور المغدور خاشقجي مع خطيبته خديجة في أماكن مختلفة من اسطنبول للتأكيد على علاقته بها ونيته لخطبها والتي جاء تسريبها بعد أن نفت وسائل الإعلام السعودية علاقته بها أو أن نكون خطيبته .
أكثر من ذلك فقد كان من اللافت للنظر أيضاً التحول المفاجئ بين عشية وضحاها الذي أخذت تقفه انقرة في علاقتها مع الرياض منذ وقوع الجريمة ؛ فمن علاقة كان يشوبها الفتور أو التوتر بين الجانبين إلى موقف يتسم باللين والحذر والاحترام في لغة تصريحات اردوغان ازاء الرياض في التعاطي مع ملف التحقيق في الجريمة رغم وقوعها على الأراضي التركية ، بغض النظر من مكان مسرح الجريمة ( القنصلية ) والخاضع بطبيعة الحال للسيادة السعودية والذي يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ، وإن اخذت تركيا احياناً تعدل من نبرات تصريحاتها في الآونة الأخيرة بين الشدة الحذر واللين ، وفي المقابل كان لافتاً للنظر اتباع الرياض من جانبها أقصى درجات ضبط النفس ، أي الصمت دون أن تبدي رداً على تلك التصريحات المتشددة لاردوغان ووسائله الإعلامية ! ناهيك عن صمتها عن بعض جوانب التفتيش لقنصليتها وبيت القنصل التي تبدو استعراضية واستفزازية أمام وسائل الإعلام العالمية أكثر من كونها فنية أوذات أهمية !
ومما لا شك فيه أن هذا الاسلوب الانتهازي الذي يتبعه الرئيس رجب طيّب أردوغان وحكومته في إدارة ملف التحقيق إنما يعكس مسلك سلطة الدولة الشمولية لا مسلك دولة المؤسسات والقانون لنظام دستوري ديمقراطي يقوم على فصل السلطات كما يُفترض ، ولا يغيّر من هذه الحقيقة كون النظام القائم الذي اسسه كمال اتاتورك عام 1923 يقدم نفسه بأنه نظام علماني جمهوري ديمقراطي ، إذ هو في الجوهر نظام لا يقوم على مبدأ الفصل الحقيقي بين السلطات منذ تأسيسه إلا شكلياً ، وهذا ما مكّن اردوغان بعد وصول حزبه الاسلاموي " التنمية والعدالة " الى السلطة من سيطرته على كل مفاصل الدولة بسلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ، ومن ثم توظيف قضية خاشقجي لانتزاع مكاسب سياسية داخلية وخارجية ؛ فعلى الصعيد الداخلي كان لافتاً حرص وسائل الاعلام التركية الموالية لاردوغان والمسؤولين الاتراك وقيادات الحزب الحاكم الذين يدلون بتصريحات يومية لوسائل الاعلام العالمية على ترديد تباهيهم في نغمة واحدة بكفاءة وعظمة أجهزة الاستخبارات والتحقيق التركية ، وهي إشارة مبطنة لا تخلو من الغمز والوعيد لقوى المعارضة في الداخل التي لاتتمتع بالشرعية ، وبخاصة الكردية ، لترهيبها ، عدا أنها ترسل رسالة للخارج بأن تركيا الاردوغانية باتت تتمتع بقوة أمنية استخباراتية داخلية خارقة تحذّر أي جهة تسوّل لها نفسها استهداف النظام الاردوغاني ، وبخاصة بعد فشل المحاولة الانقلابية الفاشلة في صيف 2016 ، او تهديد استقراره الداخلي من الخارج . كما يُلاحظ أن أصوات المعارضة الشرعية وصحفييها قد غُيبوا تماماً من الظهور في وسائل الاعلام التركية وفي قناة الجزيرة ، بل وغُيبت حتى الأصوات المحايدة . ومن جانب آخر ففي تصريح للشرطة التركية أفادت بأنها فرّغت في إطار التحقيقات التي تجريها تسجيلات أكثر من 140 كاميرا في 60 منطقة من اسطنبول ، و أكثر من ألفي ساعة من التسجيلات لتنزع منها المقاطع الخاصة بتحركات خاشقجي منذ وصوله المطار في آخر زيارة له للمدينة حتى لحظة دخوله الاخير الى القنصلية نحو مصرعه الفاجع الوحشي ، وكذلك تحركات كل المشبه فيهم . وبالطبع فإن عدد الكاميرات التي لم تجد الشرطة حاجة لتفريغ تسجيلاتها لهو على الأرجح أضعاف هذا العدد ، وأنت لاتفهم والحال كذلك كيف أن العقل المُدّبر للجريمة التي وصف الادعاء العام السعودي المتهمين فيها قد ارتكبوها عن سابق اصرار وترصد كان بهذه السذاجة وضعف الخبرة السياسية بحيث يجعل مكانها في مدينة معادية للرياض ومزروعة بهذا العدد الهائل من الكاميرات ، بل ودون التأكد عما إذا كان مبنى القنصلية نفسه خاضعاً لأجهزة تجسس تركية !
مهما يكن فإن هذا البطء المبرمج والموظف سياسياً الذي تسير عليه تركيا لن يستمر طويلاً لا سيما ان النظام الاردوغاني متورط في قضايا عديدة من انتهاك حرية الصحافة والبطش بالصحفيين وما ذرفه الدموع على مذبح خاشقجي في قنصلية بلاده إلا من نوع دموع التماسيح التي لا تنطلي على أي مراقب متابع عن كثب للاوضاع الداخلية التركية . والحال فإن قضية خاشقجي والمكان الذي جرى فيه ذبحهة وتقطيع أوصاله واحدة من أخطر وأفظع قضايا الاغتيالات للصحفيين في تاريخ الصحافة وفي تاريخ العلاقات الدبلوماسية المعاصرة ، وهي مرشحة للمزيد من التداعيات السياسية في المنطقة ، وإن كان هذا الحدث المرّوع سيصب في نهاية المطاف لصالح اختصار الطريق الشائك نحو حرية الصحافة بوجه خاص ولصالح حركة التغيير الإصلاحي الديمقراطي في المنطقة العربية بوجه عام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت سخية للمنتخب العراقي بعد تأهله لأولمبياد باريس 2024|


.. عقاب غير متوقع من محمود لجلال بعد خسارة التحدي ????




.. مرسيليا تستقبل الشعلة الأولمبية لألعاب باريس 2024 قادمة من ا


.. الجيش الأمريكي يعلن إنجاز بناء الميناء العائم قبالة غزة.. وب




.. البرجوازية والبساطة في مجموعة ديور لخريف وشتاء 2024-2025