الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رثاء ألمانيا الشرقية / الديمقراطية: لم تجمعها علاقات دبلوماسية مطلقًا بالكيان الصهيوني، وقدمت الدعم العسكري والسياسي للعرب منذ الخمسينيات

السيد شبل

2018 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


على عكس ألمانيا الغربية التي كانت جزءًا من المعسكر الأمريكي، وقدمت الرعاية لحركات الإسلام السياسي لاستخدامهم كأدوات، وأقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع الكيان الصهيوني في 1965، مما دفع جمال عبد الناصر وعدد من الزعماء العرب إلى قطع العلاقات معها، فإن ألمانيا الشرقية، التي قادها حزب الوحدة الاشتراكي من 1949 وحتى الأحداث الملوّنة وانهيار سور برلين في نهايات 1989، لم تجمعها أي علاقات دبلوماسية مع الكيان.

ورغم تورط الحزب الاشتراكي الحاكم هناك في خطيئة الترحيب بتقسيم فلسطين عام 1947 "باعتبار أنه يفتح الباب لإقامة دولة لليهود الذين طالما عانوا"، إلا أنه عاد لذمّ الصهيونية ورؤيتها باعتبارها "حركة عنصرية رجعية تعتمد على أنصارها بين البرجوازية اليهودية الكبيرة، والطبقات المتخلفة من الجماهير اليهودية..." (*).

ومع نهاية الخمسينيات، ومع صعود النظم الثورية والاشتراكية العربية، أصبح موقف قيادة ألمانيا الديمقراطية تجاه القضية الفلسطينية أكثر تأييدا للعرب ومعاداة لحكومة الاحتلال الصهيوني، وظهر هذا جليًا خلال حرب السويس 56، وعدوان يونيو 67، و حرب أكتوبر 73، واجتياح لبنان 82.

ومن المعلوم أن جميع دول الكتلة الشرقية -باستثناء رومانيا- كانت قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" بعد عدوانها على العرب في يونيو 67، فعزز ذلك النهج من موقف ألمانيا الديمقراطية الرافض للكيان، وأعلنت أنها تعتبر ما جرى بيونيو عدوان نهبوي، واتهمت الولايات المتحدة وألمانيا الغربية بالتواطؤ مع المعتدي، كما أصدر الحزب الاشتراكي الوحدوي الحاكم حينها بيانات رسمية أكد فيها تضامن جمهورية ألمانيا الديمقراطية القوي مع الدول العربية في النضال ضد الإمبريالية ، خاصة في صدّ العدوان الإسرائيلي والتغلب على عواقبه.

وبحسب الروابط التي تعتمد عليها صفحة "ويكيبديا إنجليزي" بخصوص العلاقة بين الكيان وألمانيا الشرقية، فإنه في 14 يوليو عام 1967، ظهر رسم كاريكاتوري في صحيفة برلينر تسايتونج، يحتقر موشيه دايان، ويشبهه في أطماعه بأدولف هتلر، الذي يشجعه، ويقول له: "تابع ، زميل دايان!". وكان "الناشط اليهودي - سيمون فيزنتال" قد ذكر أن التغطية الإخبارية في ألمانيا الشرقية بهذه الفترة من الستينيات كانت معادية لـ"إسرائيل" أكثر بكثير من نظيراتها في الدول الشيوعية الأخرى.

لاحقًا كثّفت ألمانيا الشرقية من تعاونها مع الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية على المستوى العسكري، فكان الاستشاريون العسكريون والأمنيون الألمان نشيطيين بشكل خاص في ليبيا وسوريا واليمن الجنوبي (أي في الأقطار العربية ذات النزعة الاشتراكية والمعادية للكيان والبيت الأبيض)، كما طوّرت الحكومة من نظرتها أكثر في اتجاه رفض الصهيونية والكشف عن مخططاتها العداونية والعنصرية، وأنها أداة في خدمة قوى النهب، رغم ذلك، ومع الأسف، لم تعترف ألمانيا الشرقية بحق الفلسطينيين في كامل التراب الفلسطيني، وإنما أعلنت فقط تأييدها الكامل للحق في إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل 5 يونيو 1967.

وبينما كانت ألمانيا الغربية "تدفع التعويضات وتقدم الأسلحة" للكيان الصهيوني، كانت ألمانيا الشرقية تصعّد من تعاونها مع العرب، ومن الملاحظ أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت هي الجهة التي لعبت دورًا هامًا في جميع الاستراتيجيات السياسية لألمانيا الشرقية في المنطقة، وتم التوقيع على أول اتفاق رسمي بين الطرفين خلال زيارة ياسر عرفات إلى برلين الشرقية في أغسطس 1973، وتضمن الاتفاق افتتاح مكتب لمنظمة التحرير في برلين الشرقية - كأول مكتب لها في أوروبا الشرقية، وبالإضافة إلى ذلك، تم ترتيب توريد "السلع غير المدنية" إلى منظمة التحرير (لاحقًا تم إنشاء سفارة منظمة التحرير في عام 1980، ومع بدايات 1988 كانت فلسطين ممثلة من خلال سفارة في المانيا الشرقية والتي استمرت بالعمل تحت هذا المسمى حتى تاريخ الوحدة 1990، حيث تم دمج سفارة برلين مع مكتب الاعلام الفلسطيني في بون).

وكان هذا العقد (السبعينيات) تقريبًا هو ذروة العلاقة، حيث كثفت ألمانيا الشرقية من تعاونها الاقتصادي والتجاري والثقافي مع العرب، وعملت على التشهير بموقف ألمانيا الغربية المساند للصهيونية ومنظومة النهب الأمريكية.

وكانت ألمانيا الديمقراطية/الشرقية تستهدف من وراء علاقتها مع العرب وحركات التحرر في العالم الثالث، وكسر العزلة المفروضة عليها، والحصول على الاعتراف، واكتساب حلفاء وأنصار جدد، وكذلك التكاتف مع القوى الثورية العربية الرافضة لمنظومة النهب الغربية، وهذا يفيدها في صراعها مع حكومة ألمانيا الغربية العميلة لتلك المنظومة.

وقد كان هذا التعاون الوثيق أحد الأسباب التي جعلت العدو الإسرائيلي يعترض على أن تصبح ألمانيا الشرقية عضواً في الأمم المتحدة عام 1973، حيث ذكر " يوسف تكواه" السفير الصهيوني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 سبتمبر 1973 أن "إسرائيل تلاحظ مع الأسف والاشمئزاز أن الدولة الألمانية الأخرى (ألمانيا الشرقية) قد تجاهلت ولا تزال تتجاهل مسؤولية ألمانيا التاريخية عن المحرقة والالتزامات الأخلاقية المترتبة عليها ، فقد ضاعفت من خطورة هذا الموقف بتقديم الدعم والمساعدة العملية لحملة العنف والقتل التي شنت ضد إسرائيل والشعب اليهودي من قبل المنظمات الإرهابية العربية ".

أما في حرب أكتوبر 73 فقد زوّدت ألمانيا الشرقية الجيش العربي السوري بـ 75،000 قنبلة يدوية و 30000 لغم و 62 دبابة و 12 طائرة مقاتلة.

وفي عام 1975 صوتت ألمانيا الشرقية لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية والتمييز، وتم الترويج لهذا النهج من قبل وسائل الإعلام الألمانية الشرقية، حيث أكد اتحاد المعلمين دويتشه لهرزيتونج أن "هناك منصة أيديولوجية مشتركة بين الصهيونية والفاشية. إنها العنصرية".

وقد استمرت السياسة الخارجية المعادية لـ"إسرائيل" من جانب ألمانيا الشرقية إلى ثمانينيات القرن الماضي، أي إلى بدايات عقدها الأخير، حيث أدانت الحكومة الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 باعتبارها "حرب إسرائيل العدوانية الخامسة على الدول العربية"، ودعم الجيش الشعبي الوطني (القوات المسلحة للجمهورية الديمقراطية الألمانية) الموقف العربي المناهض للغزو، وتم نشر مقال مطول في أغسطس 1982 يشبّه العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين واللبنانيين، بالجرائم التي ترتكبها الإمبريالية الأمريكية ضد فيتنام، وكذاك بجرائم النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية.. وقد استمر موقف ألمانيا الشرقية في حيز المواجهة ودعم أي عمل مقاوم للكيان تحديدًا حتى 1985/ 1986، حتى تبدلت الأمور نسبيًا لاختلاف الظرف العربي أساسًا، والعالمي كذلك باهتزاز الكتلة الشرقية.
--------
مصادر:
- وزارة الخارجية: "السلطة الفلسطينية"
- كتب "السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينية"، East Germany and the Middle East
- East Germany–Israel relations: wikipedia
هامش
(*):
حدث هذا تأثرًا بالستالينية التي - رغم خطيئة الاعتراف بـ"إسرائيل"- أخذت موقفًا متحفزًا ضد الصهيونية مع نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات، فقام جوزيف ستالين باعتقال الأعضاء البارزين فيما سمي بـ"اللجنة اليهودية المناهضة للفاشية" وتم اتهامهم بالخيانة والتخطيط لإقامة جمهورية يهودية في القرم لخدمة أمريكا، واعتبر ستالين في أول ديسمبر 1952 أن كل "قومي يهودي هو عميل للمخابرات الأمريكية، لأن هؤلاء يعتقدون بأنهم مدينون لأمريكا بإنقاذ دولتهم"، وجاء ذلك في ظل ارتماء الكيان الإسرائيلي بالصف الأمريكي. كما بدأت السلطات السوفيتية تضيّق على النشطاء والساسة الذين يتحركون في ضوء يهوديّتهم، وتم النظر لهم باعتبارهم طابور خامس، وتم إغلاق عدد من المتاحف اليهودية، وإغلاق مسارح ذات طابع ديني ومدارس للعبرية، وصار هناك تربص بهذا الشعور المؤيد لـ"إسرائيل" بين اليهود السوفييت، وتعضّد هذا النهج بما تم الكشف عنه في 1952/1953 من "مؤامرة الأطباء اليهود" المستمرة منذ سنوات لاغتيال عدد من القادة السوفيت، بمن فيهم ستالين ذاته الذي أُكتُشف أنه تم حقنه بمادة سامة، وكان هذا بتخطيط من السي آي إيه.
كذلك تأثرت ألمانيا الشرقية بما أثير خلال محاكمات رئيس الحزب الشيوعي بتشيكوسلوفاكيا، اليهودي "رودولف سلانسكي"، حيث اتهم، مع مجموعته، بالصهيونية والتآمر والتروتسكية..
وعلى هذا الأساس راج اعتبار الصهيونية كحركة عنصرية ورجعية، قامت على أكتاف اليهود الأثرياء الذين تحالفوا بشكل وثيق مع الدوائر الاحتكارية في الولايات المتحدة والدول الإمبريالية الأخرى، وتم النظر إليها باعتبار أن محتواها الرئيسي هو الشوفينية والعدوانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا