الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تورث مصر؟ لماذا لا تورث مصر؟

محمد فاضل رضوان

2006 / 4 / 8
كتابات ساخرة


ليلة حظيت بمتابعة طلة عمو جمال و العهدة في التسمية على الطفلة ياسمينا التي آثرت السهر إلى وقت متأخر بتوقيت عالم الأطفال لتعرف هوايات سعادته عندما كان صغيرا، كنت قد عقدت العزم على كتابة مقال يتناول أحوال القادم القريب في مصر و الذي لم تعد غرابيل النظام قادرة على حجب شموسه البادية للعيان ، و سيرا على عادتي السيئة باختيار أسماء مقالاتي قبل كتابتها كما لو كان الأمر يتعلق باختيار أسماء أحد أبنائي اللذين لم أرزق بهم بعد، كنت قد اخترت لابني أقصد لمقالي المنتظر من الأسماء: لماذا تورث مصر؟
لقد هداني حسي الطيب و حس الطيبين نادرا ما يكذب استنادا لما شاهدته ليلتها على شاشة التلفزيون المصري إلى أن الإخوة في مصر يعيشون الفصل الأخير من مسرحية سمجة ثقيلة المشاهد و الفصول، لكنها محكمة الإخراج و السينوغرافيا ستنتهي لامحالة بعمو جمال ثاني خلفاء الدولة المباركية التي تجلس على عرش مصر منذ ما يقارب الثلاثين سنة ببركة قانون الطوارئ، فعمو جمال و العهدة دائما على ياسمينا قد استكمل الشروط المفضية به إلى خلافة ملك أبيه، وحدها رتوشات اللحظات الأخيرة تترك للإعلام لحسن تسويق صورة الخليفة الجديد استكمالا للمشاهد التي نقلتها التلفزيونات له و هو يتابع مباريات مصر على هامش الدورة الأخيرة لكأس الأمم الإفريقية على المدرجات بين عامة الناس، و الحق يقال أن السيدة لميس الحديدي التي أنيطت بها مهمة إسدال الستار بشكل يتلاءم و قيمة نجوم العرض قد أبلت البلاء الحسن في المهمة المقدسة و ربما استحقت ألف أو ألفي دينار من بيت مال المسلمين تسلم نقدا من يد الحاجب بعد أن يضحك الخليفة حتى يستلقي انتشاء بنجاح العرض، فالسيدة لميس قدمت شابا وسيما بسيطا يحب أن ينادى باسم جمال كما يتقبل أسئلتها المحرجة عن استئثار لجنة السياسات التي يترأسها بالحل و العقد و من ذلك تولية كتاب الدواوين أقصد الوزراء إضافة إلى دور سيادته في الانهيار الكبير الذي شهدته البورصة المصرية و الذي زعم بعض السفهاء أنه در في خزينة أحدهم أزيد من مليار جنيه مصري في أسبوع واحد إضافة إلى دخوله حلبة المنافسة على عرش مصر دون منافسة و هذا بيت القصيد.
ليلتها ووفقا دائما لما أملاه علي حسي الطيب و البئيس كفرت بكل الوعود و العهود فحضرت أوراقي و شحذت أقلامي استعدادا لكتابة مقالي المزعوم : لماذا تورث مصر؟ و لا تحسبوا انطلاقا من عنوان المقال البسيط أن الأمر كان بسيطا بالنسبة لي فقد قضيت أوقاتا طويلة و عصيبة أطرح على نفسي السؤال إياه قبل طرحه على القراء فكانت تتراءى لي مصر في صورها العظيمة مزرعة كبرى من زمن الإقطاع سيئ الذكر للإبن الحق في استلامها بما فيها و من فيها ساعة يغيب الأب أو يصبح في حكم الغائب، حينها يتحول حارس الأهرام و الحضارة الفرعونية أبو الهول الذي يجمع في خلقه العجيب بين كل ملامح القوة و العظمة إلى مجرد كلب حراسة على باب مزرعة آل مبارك، أما عظماء مصر و زعماؤها و علماؤها و فنانوها فقد قاومت خيالاتي التائهة طويلة لأني استنكفت أن أجد لهم مكانا في زريبة أو اسطبل المزرعة إياها، فأنا لا أرى في طه حسين إلا قاهر الظلام الذي تسكن خلف نظارتيه السوداء روح الشرق التي تشربها من ريف مصر و حواري القاهرة المحيطة بالأزهر و فكر الحداثة و التنوير التي التقطها من بين مدرجات الصوربون و شفاه سوزان أيضا كما لا أرى في الحكيم إلا عصفور الشرق الذي آمن بسحر ريم يوم كان نائبا في الأرياف فكان أن أصبح راهب النساء الذي يحاور عصاه الشهيرة لفتح دروب المعرفة أمام من يجهلون الطريق أما النوبليين فلا مكان ممكن لهم في مزرعة عمو جمال فنجيب محفوظ تاريخ مصر الاجتماعي الذي تختزنه حكايا الحرافيش بين السكرية و قصر الشوق و بين القصرين و أحمد زويل حكمة كهنة الفراعنة العظماء التي عادت للتجسد في أحد أبناء النيل على رأي صاحب القنديل يحيى حقي، و حين انتهى شريط العلماء و المفكرين و بدأ شريط العظماء من الزعماء كان سعد زغلول في الطليعة قائد ثورة 19 و ملهم الوطنية المصرية فكان أن انشغلت بمحاولة تبيئته خارج أسوار المزرعة تكريما لذكرى حزب الوفد غير أن محاولتي البئيسة تلك اصطدمت بمشاهد جحافل بلطجية الدكتور نعمان جمعة و هم يقتحمون مقر الحزب العتيد مدججين بأدوات الفتك و التقتيل لحسم معركة قيادة الحزب لصالحهم في مشاهد أحيت ذكريات بيروت السبعينات و الثمانينات، مشاهد قطعت شريط أوهامي التي صنعها حسي الطيب فكان من نتائجها أن أعدت النظر في جملة ما كنت بصدد تدوينه في مقالي المشهود و البداية دائما و جريا على عادتي السيئة تكون بالإسم أولا فلم أجد بدا من قلب السؤال رأسا على عقب بإعادة تشكيله كالتالي: لماذا لا تورث مصر؟
إن مصر ستورث لأن دولة المؤسسات التي من المأمول فيها أن تخلصنا من استبداد و تسلط الأشخاص لا زالت حلما بعيد المنال فأحزابنا التي تعد طرفا لا غنى عنه لتنشيط اللعبة السياسية و تقديم البدائل المعقولة لتداول سليم و صحي للسلطة ليست أكثر من دكاكين تشرع الأسلحة على أبوابها متى ما اختلف الرفاق و الشركاء في توزيع الغلة... و نخبنا السياسية التي من المأمول فيها حمل مشعل تحديث المشهد السياسي بما يتوافق و الخروج بالأوطان من إطار مزارع الحكام إلى الأوطان لا زالت تجتر تاريخا من الاستبداد و الصلف الذي لا يعد بأفضل مما تضمنه الأنظمة الحالية و إذا كانت الطبيعة من شأنها أن تخشى الفراغ فإن ما خرجنا به من مشاهد الاقتحام المذكورة ليس بأكثر من تعبير عن الفراغ الذي تعيشه الحياة السياسية المصرية و العربية عموما و من ثم فالمجال كل المجال مفتوح أمام سدنة التوريث لتمرير العهدة من الخليفة القديم إلى الخليفة الجديد، و لماذا نلوم عمو جمال عن الذود عن ملك أبيه بكل الوسائل و الأدوات مادامت نخبنا السياسية و في طليعتهم الدكتور نعمان جمعة حامل دكتوراه القانون من جامعة الصربون و عميد جامعة الحقوق لسنين طويلة قد جاء للذود عن ملكه على عرش الوفد الذي قضي بين ظهرانيه عشرات السنين بالعدة و العتاد. كما داذ حكام الأحزاب المزارع الأخرى عن أملاكهم التي امتلكوها بقوة التقادم.
و إذا جاز لي أن أجرب نباهة حسي الذي حدثتكم عن طيبته سابقا في محاولة الجواب عن سؤال المقال في صيغته الجديدة فإني لا أجد أبلغ من المثل الشعبي الأصيل في مصر: يا فرعون مين فرعنك ؟ قال: ما لقيتش حد يصدني؟ و أرجو أن أكون قد كتبته صحيحا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو