الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق لنا ، عـــراق هناك

عباس الحسيني
شاعر ومترجم وكاتب معرفي

(Abbas Alhusainy)

2003 / 3 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

وفيما كان المخرج الروسي ليفي بونرشــوك ، يحاول جاهدا العزف ، او العزوف عن حقائق ثورة  اوكتوبر الأحمر ، كان احد نقاد السينما من الفرنسيين يـــردّد :

 من ان ما قد تساقط من الدماء في فلم الحرب والسلام ، وهو الفلم المعد لأرشفة وتدوين ثورة أوكتوبر الكبرى ، على انها من الغزارة ، بحيث ان الفلم بـــدا وكأنه بعيدا كل البعد عن منوال تلك الواقعية الإشتراكية الحقة ، او كما يسميها اهل الجنوب في العراق ( الواقعية الدسمـــة )  

وهي ما يحبذ تشذيبذها ومن ثم تلقيبها ، بإشتراكية الرفاق البواسل !! .

كان الزمن بين اوكتوبر الأمــس الضائع ، وبين غورباتشوف الأمس القريب ، وكأنه زمن احتضار وتوجس وإحباط .

واما بالنسبة الى حقائق الوطن الأجل في مخيلتنا : ( عراق القضية الراسخه ) ، فقد ذهب احد الأخوة العرب الى دماء العراقيين من العــزة بحيث ان العرب التي لا تحرك ساكنا ، ليست من الرخص والضآلة والسكون لتدع تلك الدماء تخـــر على الأرض دون إكتراث ، وفيما انبـــرى آخر من عروبة اللألـــم ، الى ان رحيل صدام ( النفط والمتاجره ) انما هي مسألة محسومه ، وان العراقيين الغيارى  .... والـــــ........

والى ذلك ابدأ قولـــتي ...

ففي زمن الحرب العراقية الإيرانية ، قام النظام العراقي ، وبمعية إستشارييه من حملة اللا ضمير واللا دراية ، على استصدار وتصدير إلفاظ ومصطلحات غريبـة وقاسية ، منها الفرس المجوس والشياطين وعرب الهويه ( في تناس لقوله تعالى : وكنتم خير امة احرجت للناس....  )  ،  وفي الحرب الخليجية المدمـــرة الثانية ، كانت الألفاظ على غرار ( أم المعرك !!  ويوم الزحف الكبير !! ، والمنازلة الكبرى !! ، وكلها الفاظ شروع وتوجس هوليوودية مهيضة ) ،  والى ذلك احصى احد الأصدقاء الأدباء جعبة الصحافة والمنشورات في العراق حلال عقدين لبيان أنماط التنوع والإبداع فيها ، فخرج بنتيجة مفادها ان تلك الصحافة ، مجرد صحافة مدورة ، لا تذهب إلا الى جملة من التعابير والألفاظ المؤسساتية المكررة ، وذات الجمل المملة والوعي المتراتب ، هذا ناهيك عن الصورالمادية للقائد والمكررة هي الأخرى والمكــرسة في كل باب وشط وولاية ودربونة وكراج  ومدرسة وجامع ومخفر ونهاية وبداية ومن الباب الى المحراب على حد قول أهل النجف .

كان هذا المد من الألفاظ ، وهو ينهال علينا ، ونحن صبية حتى كبرنا على هذا اليقال ، لنكتشف وبعد هنيهة من الوعي والتجاوز ، ان القائد واقصد الرجل (  صدام ) ، مريض من النخاع الى النخاع ، وان مسؤوليه وممثلي وزاراته ومؤسساته وحزبه وافراد قمعه ، هم الآخرون مرضـــى ، وكما يشير علماء اللغة ومنهم تشومســــكـي الى ان ترديد الصياغة اللفظية الآنية والحبسة في التأتأة المغلوطة ، ما هما إلا نتاج للوعي المهيض في داخل الأنـــا الناطقة ، والى ذلك حلت لغة القرية ( العوجة ) محل لغة الضاد الزاخرة ، وحل اللون الكاكي ( المشرف بجنود القضايا ) محل الوان الحياة الزاهية ، وحل الضباط والحرس والشرطة والمغاوير وفدائيو صدام والجيش الشعبي والرفاق وقوى الأمن والإستخبارات وعشرات المسميات القمعية الأخرى ، محل المدنية الجميلة والتحضر الرائع ، وحلت الفاظ العرب الخونة وعابروا الحدود محل الفاظ الأخوة الحقة والوطن المفتوح مزارا وملاذا وعلما وسياحه ،

 فيما حل صدام ، قســـرا وبملامحـــه الحزينة تارة والفرحة  توجسا والصابرة خوفا والمنتقمة جهالة ، محل رجالات ونجوم الأدب ة الثقافة والفن والسياسة والوعي وكل مرافق الحياة الأخرى ، على الضد من كل خصائص ونشاطات المجتمع المدني المتحضر .

واما وجوه العراقيين فقد تعبت حقا واصبحوا كلهم متشابهين ، فــلا داخل ولا خارج ، ولا تزاوج ولا حب ولا خصوبة في الإنجاب ، ولا تطلع الى الغد ولا حوافز في الحنين الى اي إبداع  ، انهم مسجونون ومسيرون ـ من الكهولة الى الطفولة ، فحتى الطفولة أصبحت تولد وهي موؤودة ، طفولة تولد ، وهي كهلة على الرغم منها –  فلا العاب ولا رياض ولا طغام ولا حلوى ولا أمان ولا حنين ، إنها القيافة الخضراء  والواجب المجهول واليــــتـــم المكتوب على جســـد  الشعب الذي لم يختار هذا الرجل وقد امتحن به دون ان يجيء به .

وإذا عدت مشانق النظام رحلة عادية  يومية ، فإن رحلات الجوع والهضم والضيم واللا عدالة واللاتساوي ، هي النسب الأخرى ، ففي عالم عراق اليوم ، يتطلع العراقيون الى حقيقة رحيل هذا الرجل ، لحظة أثر أخـــرى ، وثانية بثانية وامنية على صدى أمنية ، ومنهم من يرى الواقع حلم وان رحيل صدام إعجوبة ، بل هي معجزة ، ومنهم من لا يصدق حتى اميركــا في قصدها تجاه هذا الرجل الذي الذي بات ينتظر رصاصات الرحمــــه ،

وعلى الجانب الآخر ، هناك العراق كل العراق عراق الحسين عطشانا ، والفرات اسيرا ولكن ليس الى الأبد ، عراق الأماني والجراح والأزمنة الضائعة ، عراق الوعي والفكر والتأريخ المطّرز برؤى الإبداع والإزدهار ، عراق الجياع والمبعدين والعائدين والناحبين والسكارى على مصاطب ابي نؤاس وسياب الحزن والحنين ، عراق الأرامل والعاشقات والأمهات ، عراق الجواهري والبياتي وسعدي يوسف والنواب عراق الحنين من دجلة الى داخل حسن وحضيري ابو عزيز وهوى الناس ، عراق البداية واللا نهايـــــــه ، عراق التواصل والتماثل واليمين واليسار ، عراق الملكيات والجمهوريات والتكتلات والقوميات والإعتفادات واللاطمات والراحلات والواهبات ، عراق الحقائق والظواهر والتوابيت والأضرحة والمشاعل ،

 عراق الأجنة والجذور والأمكنة ،

عراق لنــــــــا ، عراق حنين
عراق هنــــــــــــــاك .

" كل الأغاني انتهت إلا اغاني الناس "
 

عباس الحسيني – شاعر ومترجم – أميركا

[email protected]

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح