الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إغتيال خاشقجى والعالم والمملكة السعودية

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2018 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



الغريب فى هذا الحادث الجريمة ، أن العالم وربما للمرة الأولى فى تاريخه ، لم يصطف وفقاً لقناعاته السياسية ، بل إصطف وفقاً لوحدته الإنسانية ، ورفض الحادث ووصفه بالجريمة البشعة ضد الإنسانية ، رغم أن الجميع يعلم أن خاشقجى إخوانى تركى ، وليس داعية حقوق إنسان ولاديموقراطية ، وقد وصل الأمر بأحد الكتاب أن يصف الحادث بأنه سيغير من العلاقات الدولية ، ومن هنا يمكن أن نبدأ مقالنا.
لقد كان هناك دائما رؤيتان متصارعتان حول المملكة السعودية، رؤية صانع القرار السياسى ، ورؤية المراقب العادى، بالنسبة لصانع القرار السياسى، وبصرف النظر عن المصالح، كان غالباً مايراها كعنصر داعم للإستقرار فى الشرق الأوسط ، بينما كان المراقب العادى، وبإستثناءات قليلة ، غالباً مايراها كدولة الكفيل المظلمة المنتهكة لحقوق الإنسان فى الرأى والعقيدة وكل مجال آخر. وحول هاتين الرؤيتين صارعت المملكة السعودية فى كل تاريخها القصير لتثبت أنها أولى بالرؤية الأولى من الثانية، ونجحت أحياناً وفشلت أحياناً أخرى ، نجحت فى التسعينات، وتحديداً فى عهد الملك عبدالله، فى تجاوز تهمة دعم مركزها الإقليمى من خلال دعم الإرهاب الإسلامى الراديكالى فى حقبة السبعينات والثمانينات بقوة المال النفطى وحجة مواجهة الشيوعية والغزو السوفيتى لأفغانستان، ثم نجحت أخيراً فى ظل صراع القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط فى تثبيت موقعها كرادع للعدوان الإيرانى والطموح التركى الإخوانى، كما إستفادت فى سبيل تعزيز هذه الصورة ، بحركة الإصلاحات الإجتماعية التى قادها الأمير الشاب، محمد بن سلمان.
لكن الأمور لم تكن تجرى بهذه البساطة بالنسبة للعالم ، الذى يراقب ويراجع ويحاسب، فالدور الإقليمى السعودى المعتدل ظل محل الشبهات حتى اللحظة الأخيرة ، بين دور المدافع عن الإستقرار الإقليمى ، ودور الساع للطموح الإقليمى ، لايختلف فى ذلك عن ضلعى الشر، الإيرانى والإخوانى. وقد كان هناك إشارات ، على الطريق ، لدعم هذا الرأى أو ذاك ، إنتهت بحادثة خاشقجى الفظيعة. كان هناك إشارات فى صالح المملكة، وإشارات ضدها، كان هناك إشارات واضحة على أن المملكة تتبع العدوان الإيرانى والطموح التركى ولاتسبقهما، التدخل الإيرانى فى اليمن والتركى فى قطر نموذج، كما كانت أكثر مرونة فى التعامل مع التيارات المعارضة فى مناطق نفوذ القوتين الأخريين، الرهان على القوى الوطنية فى لبنان والعراق مثلاً، الرهان على التيارين فى سوريا واليمن ، المعارضة المدنية فى سوريا مع جيش الإسلام فى نفس الوقت، الحكومة الشرعية فى اليمن مع حزب الإصلاح أيضا. وبشكل عام كانت أكثر مرونة من الإيرانى الذى لايقبل بالتعامل إلا مع أحزاب الله والأقليات ، والتركى الذى لايقبل بالتعامل إلا مع أنصار سيد قطب وحسن البنا ، وقد عززت إصلاحات محمد إبن سلمان هذه الإشارات الإيجابية بشكل قوى ، ولكن ليس بشكل قاطع.
فعلى الجانب الآخر كان هناك إشارات تعمل ضدها، خارجياً وداخلياً ، خارجيا كرفض تشكيل أى تحالفات دفاعية داخل إطار الجامعة العربية وتكوين التحالفات الخارجية التى تضمن فيها الإنفراد بدور القيادة ، الحلف الإسلامى والتحالف العربى نموذج، الرغبة فى إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع تونس، والمساهمة فى الترتيبات الأمنية مع دول الإتحاد الأوربى ضد الحركات الجهادية فى غرب إفريقيا، وهى حدود بعيدة ، وليس لها علاقة بضرورات الدفاع الإقليمى ، بل تعبر عن طموحات تعدت حتى حدود الإقليم ، وأخيراً حادثة السفير الكندى الذى إنتقد ملف حقوق الإنسان السعودى وماترتب عليها من عقوبات مبالغ فيها تعبر عن أسلوب السحل الإقتصادى التقليدى التى تتعامل به المملكة الوهابية مع خصومها السياسيين . وداخلياً يمكن أن نرصد عدم إرتباط حركة الإصلاح بالإفراج عن أى من معتقلى الرأى ، بل سجن المزيد منهم ، أسلوب تصفية الحسابات مع كثير من الأمراء ورجال الأعمال بقرار فردى يخلط الإقتصادى بالسياسى ، ماقيل عن حادثة إحتجاز رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى، وأخيراً حادثة إغتيال الكاتب المعارض جمال خاشقجى ، والتى هزت العالم وكشفت عن روح النظام السعودى ، وكذلك عن روح العالم الجديدة ، بالنسبة للعالم ، لم يعد إحترام حقوق الإنسان مجرد قوى ناعمة فى رصيد الدول ، بل أصبح قوى صلبة وأساسية لأى دولة مهما كانت أهميتها ، وبالنسبة للنظام السعودى فقد كشفت ليس عن مجرد تفكيره أو توجهاته ، ولكن عن روحه الوحشية ، والتى حسمت الجدل ، وثبتت صورة السعودية الوهابية فى أذهان العالم ، وقضت على صورتها الإصلاحية ، وأصابت دورها الإقليمى فى مقتل، وحققت للإيرانى والتركى الإخوانى من إنتصار، لم يحققه حتى فى خياله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
نجيب سرور ( 2018 / 11 / 1 - 13:07 )
تحياتي للكاتب


2 - الرد على التعليق رقم 1 للأستاذ نجيب سرور
عبدالجواد سيد ( 2018 / 11 / 1 - 13:28 )
شكراً أستاذ نجيب على مروركم الكريم

اخر الافلام

.. باريس سان جرمان يأمل بتخطي دورتموند ومبابي يحلم بـ-وداع- مثا


.. غزة.. حركة حماس توافق على مقترح مصري قطري لوقف إطلاق النار




.. لوموند: -الأصوات المتضامنة مع غزة مكممة في مصر- • فرانس 24 /


.. الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إخلاء -فوري- لأحياء شرق رفح.. ما ر




.. فرنسا - الصين: ما الذي تنتظره باريس من شي جينبينغ؟