الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا.. توليفة الأضداد!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لقد كان لموقع تركيا الجغرافي، تأثير كبير على اختياراتها السياسية والاجتماعية والقيمية والحضارية.. فهي تقع على الصدع الحضاري الذي يفصل بين عالمين: شرق وغرب.. وقارتين: آسيا وأوربا.. وثقافتين: إسلامية ومسيحية.. وخضارتين مختلفتين تماماً: شرقية وغربية.. وكانت تركيا تتأرجح دائما بين هذين العالمين المختلفين في اختياراتها:
مرة باتجاه الشرق.. ومرات باتجاه الغرب!

لكن عندما وصل مصطفى كمال[(أتاتورك): بمعنى أبو الأتراك] إلى قمة السلطة في تركيا في نهايه العقد الثاني من القرن العشرين الماضي، حسم توجهها باتجاه الغرب نهائياً وبشكل قاطع، ودون تردد أو التفات إلى الوراء، أو النظر لأية اعتبارات دينية أو قيمية أو أخلاقية!
فأول أعماله الحاسمة كانت: إلغاء الخلافة أو السلطنة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، كجمهورية علمانية متطرفة في علمانيتها وتعادي الدين والتدين المتدينين.. وعلى إثرها قام بعده إجراءات متطرفة بهذا الاتجاه.. منها:
o قام بحرب شعواء على جميع الطقوس والعبادات والمظاهر الدينية!
o قام بتحويل أغلب الجوامع التركية ذات القيمة التاريخية إلى متاحف!
o أمر بأن يرفع الأذان وتأدية الصلوات الخمس والتعبد.. باللغة التركية وحدها!
o ألغى وزارة الأوقاف والمدارس الدينية وكل الأعياد والمناسبات الإسلامية!
o منع رحلات الحج والعمرة وزيارة الأضرحة والأولياء، وغير العطلة الاسبوعية من يوم الجمعة إلى يوم الأحد!
o ألزم وأجبر الرجال الأتراك على ارتداء الملابس والقبعات الإفرنجية، وأجبر النساء التركيات على خلع الحجاب وارتداء الملابس الأوربية!
ثم ألغى الحروف العربية واستبدلها بحروف لاتينية، وشكل لجنة لتنقية اللغة التركية من المفردات العربية.. لكن هذه اللجنة فشلت فشلاً ذريعاً في مهمتها، ورفعت تقريراً لأتاتورك يقول بما معناه: [إن الأتراك بدون المفردات العربية سيتحولون إلى "أمــــه خـــرســـاء" : لأن المفردات العربية في اللغة التركية تتجاوز الــــ70 % بالمائة من مجموع مفرداتها)!!
وحينما أخبروا أتاتورك بهذه الحقيقة، وباستحالة إنجاز هذه المهمة المستحيلة، اخترع نظرية عجيبة أسماها "النظرية الشمسية" ــ لا مجال لذكرها هنا ــ لسد هذه الفجوة الكبيرة في اللغة التركية .
ويقال أن مصطفى كمال(أتاتورك) عند اتمامه لجميع إجراءاته المعادية للدين الإسلامي وللغة العربية، أمر بأن يأتوا له بجمل وعند إحضارهم له، حمّله بمجموعة كبيرة من المصاحف (القرآن) ثم ضربه بقوة على مؤخرته، وهو يشير باتجاه الصحراء ومجموعة المصاحف قائلاً له: [ارجع إلى المكان الذي جئت منه.. فنحن لسنا بحاجة إليك]
****
بكل هذه الاجراءات والأعمال التعسفية وبالسياسات المتطرفة، وبالقوة المفرطة التي استخدمت في تنفيذها ولمدة تجاوزت الثمانين عاماً، استطاع أتاتورك وخلفائه من بعده أن يغيروا وجه تركيا ويحولوا الأتراك إلى مخلوق آخر غير تركي.. فنشأت أجيال وأجيال هجينة متغربة عن ذاتها وعن تاريخها وعن حقيقتها الإنسانية، ولا تعرف نفسها ولا تراثها الروحي والقيمي ولا حتى تاريخها الفعلي.. لأنه كتب بلغة وحروف أخرى لا تجيد قراءتها، وهي الحروف العربية!

وإلى وقت قريب ولا زال اغلب الأتراك إلى الآن، يتمنون أن تكون تركيا أمة ودولة أوربية وتنظم إلى "الاتحاد الأوربي"! وهم يفضلون هذا، حتى لو كان موقع تركيا سيكون في ذيل ذيل أدنى وأصغر دولة أوربية.. يفضلون هذا على أن تكون بلادهم دولة شرقية وإسلامية، وحتى لو أنها ستتربع على قمة العالم الإسلامي! .
هذا ما أنجزه مصطفى كمال أتاتورك لتركيا وللأتراك!!
لكن من هو مصطفى أتاتورك، حتى تكون له هذه اليد الطويلة التي وضعها على تركيا بكاملها، وغير بها وجهها وتوجهها ومصيرها كله؟
****
مصطفى كمال: ضابط تركي شاب لمع نجمه أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، فعندما خسرت تركيا هذه الحرب استطاع هو أن يجمع البقية الباقية من الجيوش التركية المهزومة، ويحمي بها تركيا من الضياع كما ضاعت كيانات كبيرة وعريقة، في تلك الحرب المدمرة المجنونة!
لكن رغم هذا الدور الانقاذي لتركيا الذي لعبه أتاتورك، فهناك شكوك كثيرة تحوم حول أصله وحتى حول تركيته!!

فبعض المصادر تقول: أن مصطفى كمال من أصول ألبانية وليست تركية، وبعضها الآخر يقول أنه من أصول يهودية، وتؤكد أنه من (يهود الدنمو) الذين هُجّروا من الأندلس هم والعرب المسلمون في القرن16 الميلادي.. وهم من أولئك الذين شُكلت "محاكم التفتيش" الشهيرة في الأصل لمحاكمتهم ـ وليس لمحاكمة السحرة كما هو شائع ـ وتنضيف شبه الجزيرة الايبيرية ـ إسبانيا والبرتغال ـ منهم!.
وكانت هذه المحاكم تخير هئولاء اليهود والمسلمين حينذك بين: التقتيل والتنصير ، أو الطرد من الأندلس، فاختارت الأغلبية منهم الهجرة.. وقد هاجرت أغلبية العرب والبعض من اليهود إلى المغرب العربي، في حين اختار باقي اليهود الهجرة إلى تركيا.. وقد قبلتهم الدولة العثمانية بعد أن أعلنوا إسلامهم، لكنهم كما تزعم تلك المصادر، قد احتفظوا يهوديته يتعبدون بها سراً، ويعملون على تقويض الدولة العثمانية من الداخل.. وتزعم أيضاً أن مصطفى كمال نشأ وهو يحمل عقدة اليهودي المعادي للإسلام والمسلمين في داخله، وأن كل ما قام به من أعمال كان الغرض منه هدم الإسلام وتدمير المسلمين، وأنه بإلغائه للخلافة أراد أن يقطّع آخر الخيوط التي تربط المسلمين ببعضهم!.
ويهود الدونمة ـ ومصطفى كمال منهم كما يزعم البعض ـ هي طائفة من اليهود من أتباع المدعو (سباتاي زيفي) الذي ادعى أنه المسيح (الميسيا) لكنه أسلم بعد أن تم القبض عليه في عهد السلطان محمد الرابع، فتبعه قسم من اليهود الذين عرفوا لاحقاً بالسبتيين أو الدونمة!
والدونمة "Dönmeh" كلمة تركية معنها العائد او المرتد، وقد وأطلقها الأتراك على هؤلاء اليهود الذين تظاهروا بالإسلام وأضمروا اليهودية في نفوسهم، وكما يقول بعض الأتراك!

أما قضية الخلافة: فبعد إلغائها من قبل أتاتورك قد تحولت من ( دولة ) إلى (فكرة) حمل لوائها الكثير من المسلمين، أشخاصاً وجماعات وجمعيات واحزاب وتنظيمات نطلق عليها جميعها اليوم اسم "الإسلام السياسي" ، ويأتي في طليعتهم جميعاً ((الإخوان المسلمون ))!!
****
ربما كانت تركيا بحكم موقعها الجغرافي وتراثها الروحي والتاريخي، مثالاً للبلد الموزع بين قوى عديدة وولاءات متعددة تشدها باتجاهات مختلفة، ومتناقضة تسبب لها أزمــة هــويــة دائمة!.
فتركيا موزعة نفسياً وواقعياً: بين الشرق والغرب ، وبين آسيا وأوربا ، وبين تاريخها الإسلامي وواقعها العلماني.. وبالتالي أصبح للأتراك انتماء مزدوج، لهذه الحقائق الجغرافية والسياسية والتاريخية والروحية، سببت لها [أزمـــــــة الهـــويــــــة] شديدة تتفاعل باستمرار، وتلقي بظلالها الدائمة على الواقع الاجتماعي الداخلي، وعلى السياسة الخارجية التركية وعلى علاقاتها الدولية!
فتركيا أمة شرقية: بحكم انتمائها العنصري ونشأتها التاريخية وتراثها الروحي الإسلامي وخلافتها أو سلطنتها العثمانية باسم الإسلام .
وتركيا أمة (نصف أو ربع) أوربية: بحكم إطلالتها الجغرافية الصغيرة على أوربا، واحتكاك مجتمعها الدائم بالأوربيين، وبحكم تطلعها الحارق دائماً، لأن تكون أمة أوربية وتنظم إلى الاتحاد الأوربي!
هذا بالإضافة إلى أن تركيا من الأمم الحديثة، التي صادفت نشأتها نشأة الدول الأوربية الحديثة كبريطانيا وروسيا وفرنسا ......الخ.. كما أنها أمه تتكون من عدة قوميات!
فهي من الناحية الواقعية لا تمتلك أي تاريخ أو تراث روحي خاص بها، ولهذا كان لهذه النشأة التاريخية المشتركة مع الأوربيين، ولطبيعة تركيبة الدولة التركية ، تأثير قوي غير مرئي على الأتراك:
فالأتراك تاريخياً وعنصرياً، وكما هو معروف، كانوا عبارة عن قبائل بدوية مغولية، هربت من بطش جنكيزخان في بداية القرن الثالث عشر الميلادي واستوطنت منطقة الأناضول، فنمت وكبرت وتوسعت من داخل هذه المنطقة إلى ما حولها، وأصبحت إمبراطورية عظمى اجتاحت ـ بالإضافة إلى البلاد العربية ـ أغلب مناطق شرق ووسط أوربا، وحكمتها لعدة قرون متتالية!.
****
فالدولة التركية في حقيقتها عبارة عن توليفة من عده عناصر متناقضة، تولدت عنها ولاءات متناقضة أيضاً بين:
الشرق والغرب ، وآسيا وأوربا ، والإسلام والعلمانية........الخ.. وكل منها يشد تركيا والأتراك باتجاه مضاد للآخر، ويضع تركيا في احالة من التمزق الدائم ـ تذكروا سبعينيات القرن الماضي ـ يعرضها إلى الانهيار في أيه لحظه.. ولا يمنع تركيا من هذا المصير إلا تعصب العنصر التركي الشديد، وقيادة تاريخية حازمة تمسك أمورها بيد من حديد!!

وفي تاريخ الأتراك وتركيا الحديث رجلان تاريخيان امتلكا تلك الصفات، وغير كل منهما وجه وتوجه تركيا من النقيض إلى النقيض تماماً.. وهما:
مصطفى كمال (أتاتورك): مؤسس الجمهورية التركية وتركيا الحديثة بعلمانيتها وبتوجهها الغربي الصرف!
ورجب طيب أردوغان: الذي قاد تركيا إلى نقيض سياسه وتوجه مصطفى كمال (أتاتورك).. وأعادها إلى الإسلام وإلى التوجه الإسلامي والشرقي من جديد!! [رغم أن هذه العودة كانت كارثة للمسلمين.. خصوصاً في سوريا والعراق!!]

فيا ترى.. هل أن هذا التوجه هو توجه تركيا النهائي؟؟ .. أم سيأتي رجل آخر غداً، ويقلب توجه تركيا وسياستها 180 درجة من جديد؟؟
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح