الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصباح الوحيد في الشارع

صائب خليل

2006 / 4 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في احدى الليالي شاهد احدهم رجلاً يبحث تحت عمود نور عن شيء ما. اقترب من الرجل وسأله عم يبحث فقال: اضعت مفتاحي. قرر صاحبنا ان يساعد الرجل, لكن وبعد وقت من البحث دون جدوى سأله: هل انت متأكد انك اضعته هنا؟ فقال الرجل: لا, ولكنه المصباح الوحيد في الشارع, فأن لم يكن مفتاحي هنا فلا امل لي ان اجده.

أنا عراقي اعرف العراقيين واعرف حق المعرفة ان المشاعر الطائفية في العراق ليس لها إلا اساس بسيط مثله مثل الميل الذي يحسه كل البشر بشكل عام: بعض التحيز الى طائفتهم او قوميتهم او عشيرتهم او دينهم. هذا التحيز الإعتيادي البسيط ينتج النقاش الحاد حيناً واللطيف احياناً والنكات اللآذعة حيناً والمسرة احياناً. أنا احكي في كل مناسبة النكتة الجميلة عن السني الذي ذهب الى طبيب الأسنان وقال له "سني خايس", فقال له الطبيب: وهل يوجد "سني" ليس خايس؟ صديقي كوران لايعرف نكاتاً الا عن الأكراد وان سمع واحدة جديدة سارع الى الإتصال بي ليحكيها لي وهو يتفجر ضحكاً.

هذه النكات وهذا التمييز والنقاشات لاعلاقة لها بالعنف والتفجير والإرهاب والإنتحار. هذه الروح لا علاقة لها بتفجيرات مسجد براثا الوحشية اطلاقاً. هذه النكات والنقاشات وبعض الكتب والمقالات حيث تتبادل بعض التهم, هي اقصى ما نعرفه من عنف بين العلاقة الشيعية السنية في العراق ومن يحاول ان يقنعنا بعكس ذلك فهو واهم. فعدا هذا لانعرف من العلاقة بين الشيعة والسنة على التأريخ العراقي الذي تخزنه ذاكرتنا على الأقل سوى الود والتعايش والتضحية المتبادلة والتعاون والوقوف في خندق واحد ضد الإستعمار وضد الظلم وضد كوارث الطبيعة والزمن.

هل هذا كلام صحيح ام اني اقنع نفسي بما اود ان اقتنع به؟ ما انا متأكد منه ان العراق الذي عرفته كان يحوي شعباً اتصف بالطيبة والمحبة بشكل عام, اما ان كان قد بقي كذلك أم لا فأعترف انه امر يقلقني. لكن ان كان الأمر غير ذلك, وان العراقيين اصبحوا شعباً طائفياً متناحراً يسيطر عليه العنف.. فالحال ميؤس منه.
لذا فحتى ان كانت هذه هي الحقيقة فأني ارفضها وابقى اؤمن بطيبة شعب العراق وسلامة نفسه, وابقى ادافع عن ايماني هذا حتى ان صار خيالاً, فلعل هذا الخيال يتحقق ثانية ويصبح واقعاً من جديد, ان آمن به الكثيرين مثلي.

هذا هو مصباحنا الوحيد في هذا الشارع الطويل المظلم, وعلينا ان نؤمن ان المفتاح موجود تحته لكي لا يصيبنا اليأس. فنحن نعلم جيداً: ان لم يكن المفتاح تحت هذا المصباح, مصباح الطيبة والتسامح, فلا امل لنا ان نجده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر