الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبقرية طه حسين (11) من يرفع شعار التكنولوجيا أيضا كالماء والهواء؟

عمر أبو رصاع

2006 / 4 / 9
الادب والفن


أشرنا إلى مدى الأثر النفسي العميق الذي تركه أبو العلاء المعري في طه حسين ، لعله أبلغ في وصفه عندما قال :"كان أبو العلاء قد ألقى في روعه – يعني نفسه هنا – أنه لن يذوق طعم حياة فيها الغبطة والسرور ونعمة البهجة والسكون إلى الرحمة التي كان استيأس منها".

أي قسوة أن يعيش المرؤ يائسا من الزواج أو قل من أن تسكن روحه ذلك السكن الذي قرره القرآن بمنتهى البلاغة من أن الله جعل لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها؟!

كان طه في مقتبل أيامه قد خفق قلبه لامرأة تكتب في مصر ! نعم في مصر ذلك الزمان . هي السيدة نبوية مصطفى أول من حصلت في مصر على الشهادة الثانوية ، لكنه كتم ذلك الخفقان كتماً عنيفاً ؛ فأنى له إليها سبيلا وهو الضرير المعدم وهي الحسيبة النسيبة التي يحوم حولها خير الرجال كما يحوم الفراش حول الزهرة.

وظن طه أن ليس له حظ من النساء أبدا ورضي بنصيبه هذا وأثقل عليه أبو العلاء أكثر فأغلقها في وجهه تماما ، لكن قلب طه ما كان قد غلف بعد ، وأنّى لقلب يخفق ولعاقل يعشق المعرفة أن لا يحب؟!
كان يستمع لقصص الغرام التي يعيشها أقرانه في فرنسا ، ولا تجرؤ نفسه على أكثر من التمني ولو من قبيل الحلم ، غير متجرئ على نسيان بلواه ؛ ليسو مثله وليس لما هم أهل له بأهل ، هكذا كانت تحدثه نفسه وتصده عن ما هو حق لكل انسان.

كم كلف بذلك الصوت العذب الذي كان يأتيه قارئ له ما تيسر من كتب ، وكم كان ينتظره ويأنس له بل قل أنه كان يخرق عليه سواد خياله ويفترشه نورا وربيعا زاهرا . لم يعرف طه حسين مقدار ولهه بصاحبة الصوت إلا عندما أمرته الجامعة بالعودة لمصر بسبب الحرب وعدم الابطاء في ذلك.

أي لذة حرموك يا طه ؟

استكثروا عليك أن تسمع ذلك الصوت العذب الرقيق يؤنس وحدة نفسك ويخلي عنك قيود محبسي أبو العلاء الذي صار أدبه سجان روحك أيضاً ، تبا للحرب ليس فقط لأنها مادة الموت بل لأنها وذلك الأهم في لحظته تلك قاتلة سويعات العمر الأجمل التي كان فيها صوت عذب يترقرق كقطرات الندى ليسقي زهرة الحب في قلب طه حسين بعد أن خالها ماتت .

عود إلى القاهرة إذن في القلب صوت ؛ صوت هو ساعة إذ الدنيا كلها ، وحياة انتظار لا شغل فيها قضى منها أشهرا ثلاث يعيش على أمل العودة ورسالة من حين لآخر تصل فيها زهرة جفت تلمسها أنامله لتزهر في فؤاده .

سعى في نشر كتابه عن أبي العلاء الذي هو رسالته للدكتوراة في مصر ، بناء على طلب عبد الحميد حمدي ، وكان في ذلك له شاغل عن الغرق في أحزانه ، حتى جاء وقت العودة بعد أن فرج كرب الجامعة المالي .

قبل عودته إلى فرنسا دعي أفراد البعثة إلى لقاء السلطان حسين كامل ، وانعم على كل منهم بخمسين جنيها ، فما كان منهم إلى أن أسرعوا راضي النفس بالتبرع بهذه الأموال للجامعة !
لكن الجامعة ترفض ذلك وتحفظ عليهم مالهم الذي اعطوه .
كان من هذا اللقاء مع السلطان حسين كامل ما تذكره طه حسين عندما سأله : من أول من رفع شأن التعليم في مصر؟ فما وجد منه جوابا فبادره أنه إسماعيل باشا !
لكن صاحبنا كان يخلص قلبه العرفان بذلك لرجال أخر من أمثال محمد عبده.

هذه الرحلة هي التي انتهت به أخيرا إلى باريس واصلا ما انقطع من درسه ، كان لعودته ونفقته خطوب وخطوب تتردد من حوله يولي عنها من يولي من الأقربين ويبادر لها من يبادر من غير أهل صلته ، كم سامك الفقر سوء المعاش والحال يا طه حسين ؟

تراه يفكر في الغنى والفقر فيقول في بلاغة تليق بمثله : " يفكر في الغنى والفقر ، وفي الذين لا يعرفون كيف ينفقون ما يتاح لهم من مال فيكدسونه أكداساً أو ينثرونه نثراً فيما لا يجدي عليهم ولا على غيرهم شيئاً ، والذين لا يجدون ما ينفقون ليقيموا أودهم ويستروا جسمهم ويستروا عورة العمى حين تفرض عليهم آفته ، وفي الذين تسمو هممهم إلى أكثر من إقامة الأود وستر الجسم وتغطية العينين المظلمتين إلى الإغتراب في طلب العلم ثم لا يجدون أيسر ما يحتاجون إليه في ذلك . يبخل عليهم القادرون ويبخل عليهم الأقربون ويهم إليهم بالإحسان إليهم بعض الأخيار فيردّون عن ذلك رداً " .

فيمن كان طه حسين يفكر وهو يهم بكل عزيمته لتوقيع قرار مجانية التعليم فيما بعد ؟ أتراه كان يفكر في غير هؤلاء المعذبين في الأرض الذين حرموا أبسط حقوق الإنسان ، ألذلك قال طه حسين : العلم كالماء والهواء؟ ألذلك تشدد كل التشدد وألح أيما إلحاح في ضرورة إنفاذ قرار مجانية التعليم؟
إن خير من يشعر بالفقراء من عاش حالهم وخبر معاناتهم ، وكم لون من منجز الانسان للانسان اليوم كالماء والهواء ؟ ألم يستعر عبد الناصر جملة طه حسين دالة على الفن ويضعها على باب المسرح القومي " الفن كالماء والهواء" وجعل أجرة المسرح يسيرة للفقراء من الناس ، ترى ألا زلنا نفكر في فقرائنا وما يحتاجوه حاجة الإنسان إلى الماء والهواء العلم والفن وغيرهما للإنسان كالماء والهواء ألن يقدر من يرفع شعار التكنولوجيا أيضا كالماء والهواء؟ - يتبع -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي


.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-




.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر


.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب




.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند