الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الرعب في أميركا الخائفة

مها أحمد

2006 / 4 / 9
الادب والفن


صناعة الرعب في أميركا الخائفة
في ليلة الواحد والعشرين من شهر شباط عام 1983 عرضت تلفزيون (w.r.r.c) في ولاية ألاباما الأميركية عبر ساعتين وربع الفيلم المثير (اليوم التالي) الذي يحكي قصة افتراضية عن تدمير نووي يصيب مدينة كاشاس الأميركية خلال حرب ذريّة وهمية يشنّها الإتحاد السوفيتي) على الغرب ، وفور إذاعة الفيلم ، الذي شاهده مئة مليون مشاهد ، تدافع عشرات الألوف من الأميركيين إلى شوارع المدن الكبرى مثل نيويورك وواشنطن ولوس انجلوس وقد دبّ الذعر في قلوبهم مما دفع وزارة الصحة إلى التحذير من حدوث أزمة صحية قومية في الولايات المتحدة الأميركية ...حتى اضطر الرئيس الأميركي في ذلك الوقت رونالد ريغان لإصدار تصريح خاص يطمئن فيه المواطنين ولم ينجح هذا التدبير في معالجة حالة الذعر العامة التي سببت فوضى كبيرة لم تتوقف إلا بعد أذاعت جميع محطات التلفزيون بياناً لوزير الخارجية يؤكد أن أحداث الفيلم بعيدة عن الواقع ولا تعدو عن كونها حبكة مثيرة من صنع هوليود تحت مسمى (فيلم رعب) .
وقبل إنتاج (اليوم التالي) بعشرات السنوات ومنذ ظهور الفن السابع إلى الوجود بدأت السينما بتحويل كتب الرحالة ومذكرات المغامرين والمبشرين إلى أعمال سينمائية تجسّد "بدائية" رجال القبائل و"توّحشهم" في مقابل "تحضّر" الرجل الأبيض ، وإذا كنا نطح هذا الموضوع اليوم لأن ما يزيد عن مئة عام من الرعب السينمائي كافية لفهم مابين سطور سيناريوهات هوليود المشبعة بالدم .
أحدثت نظرية داروين (1731-1802) حول النشوء والارتقاء ثورة كبرى وفجرت جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والثقافية والعلمية ، وبات الصراع من أجل البقاء هو الهاجس المسيطر على العقول ولاقت هذه النظرية هوى في نفوس السينمائيين فمنذ العام1903 الذي أخرج فيه أدوين بورتر أول فيلم كاوبوي بعنوان (سرقة القطارات الكبرى) وحتى منتصف السبعينيات أنتجت مئات الأفلام التي تحكي مغامرات الرجال الأشداء الذين يقاتلون الهنود الأشرار ويكافحون ضد الطبيعة القاسية ، يجترحون المعجزات ، ينشبون أظافرهم في الصخر من أجل الحياة ، إنهم رجال خارقون لا يجبنون أمام المخاطر ، يقطعون على صهوات الجياد المساحات الشاسعة سعياً نحو الساحل الغربي لينشروا الحضارة ، وبرصاصهم حسن التسديد يقاتلون أعداء الحضارة من سكان البلاد الأصليين أكلة لحوم البشر ، وهكذا غرق الجمهور بسيل لا ينتهي من الدماء وأكوام الجماجم والجثث وحكايات مثيرة عن زوجات يتهن في الغابات ويفلح أزواجهن في إنقاذهن من وحشية الهنود الحمر والأفارقة ، وعندما كفّت هذه النوعية من الأفلام عن اجتذاب الجمهور ولم يعد الهندي بريشاته الملونة أو الأفريقي بالنقوش على جسده والأقراط المعلقة في أنفه ندّاً لائقاً بما أحرزه الأميركي من تفوق وإبداع بدأ صناع السينما بالبحث عن عدو يوازيهم قوة يحاربونه على الشاشة وينتصرون عليه لتتصاعد حالة البار انويا التي يعيشها المواطن الأميركي والمجتمع الأميركي والحكومة الأميركية ..
ووجدت هوليوود في الشيوعية الخصم المنشود وتصدى جيمس بوند للخطر الأحمر في سلسة من أفلام العنف التي تمجّد الفرد الأميركي وتصوّر أميركا على بلد السوبرمانات ، وازدهرت أفلام حرب النجوم التي كانت تبشيراً فنياً بانهزام الشر الشيوعي إلى الأبد على يد رائدة الحرية أميركا (!) ويوم أصبحت النبوءة واقعاً في العام 1990 اخترعت هوليود رعبها الجديد الذي اتخذ أشكال متنوعة ، وساهم تطوّر التكنولوجيا الرقمية ودخول الكمبيوتر عنصراً أساسياً في صناعة الخدع السينمائية في وصول الخيال السينمائي مدىً غير محدود وهبطت الكائنات المخيفة من الفضاء حيناً وخرجت ديناصورات "الحديقة الجيوراسية" من عصور ما قبل التاريخ إلى القرن العشين مباشرة لتعيث في الأرض فساداً تدميراً ، تدوس بأقدامه الضخمة البشر ، تحط ناطحات السحاب بذيولها القوية ، ومرة أخرى لا تجد الأرض من ينقذها إلا السوبرمان .... وكما اعتمدت الحكومة الأميركية سياسة (ملء الفراغ) منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي سعت هوليود لاستحضار كائنات غريبة بأرجل متعددة وعيون كبيرة متحركة تهبط من الفضاء على متن أطباقها الطائرة بعد أن أصبح الأعداء الأرضيون أضعف من أن يواجهوا أميركا بكل تفوقها وغطرستها وإذا ضاقت الأرض على اتساعها بالمخيلة الأميركية فليكن الصراع في الفضاء مع مخلوقات غازية تأتي مدججة بالسلاح تنشر الرعب في القلوب عندما تطلق أشعتها القاتلة وتهدد الحياة الإنسانية ، وهكذا يمكن أن نجد العاصمة واشنطن مع من المدن الكبرى مدمّرة بالكامل في تكرار لما يحدث في فيلم (اليوم التالي ) بعده بعشرين عاماً في سباق فيلم (يوم الاستقلال) على يد زوار الفضاء الأشرار وقد حظي الفيلم بإقبال جماهيري وحقّق أرباح هائلة لصنّعه بعد أن غطى تكلفته البالغة مئة وخمسة ملايين دولار ، وقد علّق أحد النقّاد الأميركيين على كلفة الفيلم العالية بالقول :(بمبلغ كهذا كان بالإمكان استخراج قارة اطلانطيس الغارقة من قعر المحيط ، لكن أغلب الظن أنها ما كانت لتحظى بهذا الإقبال الجماهيري الذي حظي به الفيلم ) .. لمعلوماتكم الفيلم المذكور حصد في أسبوعه الأول فقط مئة مليون دولار .
والجواب ببساطة هو : لتطمين أميركا الخائفة ، فالمجتمع هناك يحيا في رفاهية لم تتحول إلى سعادة إنسانية حقيقية ، وأميركا التي تحوي أعلى دخل فردي في العالم تحوي أيضاً أعلى نسبة جريمة وأسوأ قوانين ضمان صحي وأعلى نسبة طلاق وجحافل من العاطلين عن العمل ،أغلبهم من السود، وأدنى معدل لساعات القراءة وكمّاً كبيراً من التناقضات العرقية والدينية والاجتماعية ، ورغم جنون العظمة الذي يجتاح أميركا إلا أن إحساساً بالخلل يسود وشعور بأن الواقع الذي تتسيّده أميركا يحمل في طياته الكثير من المفاجآت الغير متوقعة ، لذا يرى المشاهد الأميركي تنفيساً لخوفه وتعزية عن انكساراته وهوما جعل سينما العنف تزدهر عقب حرب فيتنام حيث ظهرت أفلام مثل : (مصارعو الثيران البواسل) و (الرجل الذئب) و (المرأة العنكبوت) و (الناس القطط) لتضيف قدرات خارقة وطاقات عجيبة لأبطال يثيرون الخوف ويفجرون أكث الغرائز توحشاً لاستنفارها في وجه خطر محتمل في كل زاوية من العالم : في جرذ قد يلتهمك أو عميل روسي يهدد الأمن القومي الأميركي أو إرهابي يخطف الطائرات المدنية ، وهكذا يجد المشاهد كل مساء فرصة يمارس فيها تطهيره الذاتي فيحرر ضميره المثقل بالآثام .. فالكوارث تحدث بسبب الآخر الشرير الشيوعي أو الإرهابي الذي ينال ما يستحقه في نهاية كل فيلم على يد بطل قوي يتقمصه كل مشاهد وقد يقلّده بعد خروجه من الصالة وهو ما حصل أكثر من مرة في الواقع ، فقد نقلت وكالات الأنباء العالمية خبراً عن مجهول هدد بنسف طائرة ركاب أميركية أثناء قيامها برحلة وعلى متنها 450 راكباً وادّعى المجهول وجود قنبلة على متن الطائرة طالباً50000دولار لإرشاد الكابتن إلى كيفية إبطال مفعولها ، وبعد تفتيش الطائرة لم يعثر على القنبلة المزعومة وتبين أن التهديد مطابق تماماً لسيناريو الفيلم التلفزيوني (الهروب يوم القيامة) الذي عرضته محطة سان فرانسيسكو قبل الحادث مباشرة في العام 1991.
في أمسية دافئة داخل البيت أو في صالات العرض المغلقة يجلس كل يوم ملايين الأميركيين يتناولون الكوكاكولا يشاهدون أفلامهم المرعبة ، يتعاطفون مع الضحايا في الأفلام وفي فلسطين والعراق وينسون الأمر بعد ذلك طالما الدم الذي يملأ الشاشات ليس أميركياً .
وبقدر ما تتجه أوربا إلى السينما الواقعية والرومانسية تسير هوليود في صناعة الرعب بعيداً بعيداً لطمأنة أميركا الخائفة ، لتبرئة ضمير أميركا المتوحشة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي