الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دجلة بالاحمر...والعدوان عربي

عادل سمارة

2003 / 3 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


(رسالة الى د. محمد جابر الانصاري المتفائل بالدولة القطرية كمقدمة للدولة القومية)

رام الله المحتلة

يأتون بغداد من كل النوافذ والمطارات والمضائق والخنادق والحواري والمجاري. يأتون من أرحام توالدت سفاحاً منذ حلًّ المال وراس المال على الارض. أرحام حبلت بالتآمر والقبض والنهب. يأتون فيصطبغ دجلة بالاحمر مرتين، مرًّة من شدة الخجل من نفسه، كيف شرب هؤلاء مائه وخانوا، ومرة بعد ان يُذبح دجلة بما أعدوا له. فهل العدوان إلاّ عربياً؟

هل يصل العدوان الى بغداد من غير بوابات الدول القطرية العربية من الغرب والشرق والشمال والجنوب وبعض الشر ق وبعض الغرب وبعض الشمال وبعض الجنوب؟ هل يمكن لجيش الغرب الراسمالي ان يكتفي بقصف نخيل العراق وتاريخه وحضارته وتراثه وشبابه وصباياه من الجو والبحر؟ لا، لا بد من الوقوف على التراب، حتى يكتمل العدوان وتكتمل المذبحة. ولا بد اذن ان يكون التراب تراب الدولة القطرية دولة سايكس- بيكو العربية. هل حصل في التاريخ ان أُحتل بلد دون وصول القوات البرية الى ارضه من ارض مجاورة؟

وبدون الارض العربية والمياه والمضائق والمطارات العربية كيف يمكن لجند العدوان ان يحصلوا على الامدادات؟ وحتى قبل العدوان، ألم يقيم هؤلاء في جزيرة العرب منذ اكتشاف النفط وفي الثمانينات بموجب "عقيدة كارتر" الرئيس المؤمن كما وصفه المؤمن السادات. هذه المضائق والمطارات التي توفر لهم كل ما يريدون، وما تريده الجزيرة وما لا تريده؟

 تقوم الدولة القطرية العربية بكل هذا خوفا وطمعا. خوفا على مقاعدها وريشها ورياشها، وطمعا في المزيد منه. وبسبب وجود هذه الدولة، فانها معركة طويلة في تاريخ العرب الحديث، معركة بدأت مع خمسينات القرن العشرين حيث بدأ مشروع الخروج على اتفاقات سايكس-بيكو بالمشروع القومي العربي الذي اشتد ساعده الى درجة هددت بقيام وحدة عربية تطرد الاستعمار والامبريالية ووكلائهما.
 
ولكن أُجهض هذا المشروع لسببن على الاقل:

الاول: هو الخلل الداخلي في مبناه، وليس في اهدافه. خلل التأسيس ومستوى الوعي وإدارة الظهر للطبقات الشعبية التي قدمت للنظم القومية دمائها. لكن هذه النظم اختارت الطبقات التي تربت على الفساد والوكالات، الطبقات والمثقفين الذين لم يكفروا بالاستعمار الراسمالي بل كفروا بقدرة الامة على النهوض.

والثاني: هجمة العدو بقواه الثلاثة، الغرب الراسمالي والصهيونية والطبقات العربية الراسمالية المنتمية الى هذا العدو والمصطفة ضد الامة.

لم يتخلص المشروع القومي من خلله الداخلي الذي اختصر الحرية وفرض ديكتاتوريات وطنية وقومية واعتقد ان هذا يكفي وان بوسعه الحلول محل الطبقات الشعبية وأن هذه الطبقات ستمحضه ولائها وتدافع عنه أمام اي عدوان. وكانت ستفعل ذلك صابرة صبورة لو ترك لها الحاكم القومي سلاحا تدافع به مثلا عن وحدة مصر وسوريا عام 1963. لكن الحاكم القومي وضع السلاح ووفر الحرية لأعداء الامة!

بجملة قصيرة، هُزم المشروع القومي لأنه لم يكن سوى إرهاصاً، همساً مقدمة عمومية ضبابية للمشروع الحقيقي. ولكن لن يظل هذا المشروع مهزوما. بل إن قراءة واعية لطبيعة قياداته ومستوى تطورها الفكري والثقافي، وبمعزل عن حقيقة إخلاصها، تؤكد ان مصيره، بناء على مبناه، كان يجب ان يكون الهزيمة. وهذا ما يؤكد بالمقابل، ان الافراد او الاحزاب ليست مصير الامة، هي توليداتها، ولكن ليست التوليدات الوحيدة.

في اعقاب فشل المشروع القومي في حقبة الستينات، جاء الوليد السفاح، التضامن العربي. وكانت جامعة الدول العربية هي الرحم والقابلة والحاضنة والمرضعة لهذا الوليد ولا تزال. فهي مؤسسة وليدة الدولة القطرية حيث تقوم على تثبيت الدولة القطرية وبالتالي، فإن الجامعة العربية هي اكثر المؤسسات المعادية للدولة القومية، أكثرها تمأسُساً وخطورة.

نعم، كان التضامن العربي باشراف جامعة الدول العربية. وهو تضامن نخر المبنى القومي حتى وصل الى الخطاب السياسي والثقافي. فقد انعقد اتفاق رسمي عربي بأن لا يتفوه نظام ضد نظام آخر باي نقد، وإن ألقو على ذلك تسمية التجريح. فسادت في الثقافة السياسية العربية حالة من المهادنة التي كان جوهرها حماية الانظمة القطرية من اي نقد واعفائها من اي واجب قومي، وتجنيبها أي طرح وحدوي لا يحرجها وحسب بل يحرك الشارع ضدها. وتهاوت في نفس المجرى الكثير ان لم نقل جميع الاحزاب السياسية العربية ذات الموقف القومي لتتحول الى حركات قطرية اقليمية صغيرة المبنى والخطاب والطموح لتنتهي الى جزء من مكونات الدولة القطرية التي كان مبرر وجودها هو الاعتراض على هذه الدولة ورفضها.

لا يمكننا اعتبار النظام القطري في العراق بعيدا عن النظم القطرية المبنى والقومية الطموح. لم يكن هذا النظام مرشحا لاقامة ديمقراطية وتنمية شعبية. فلا خطابه ولا ثقافته ولا أصوله الطبقية بقادرة على حمل هذا المحمول.

نسوق هذا النقد والتوضيح، في هذه اللحظات الساخنة ، لأننا لا نكتب الآن من أجل اللحظة. بل نكتب من أجل غدٍ. من أجل تأسيس حقيقي لمقاومة جديدة ولمشروع وحدوي أرقى. ففي لحظة الموت يتم التفكير بالحياة. هذه صفات أمة لها تاريخ، وتصر على البقاء في مركز التاريخ.

لكن هذا النظام على ما فيه من قصورات وما له من عورات، لم يكن مقبولاً في مهرجان التضامن العربي ودول الوكالات. فالتضامن العربي يعني إهداء فلسطين للدولة الصهيونية الاشكنازية، وتوطين اللاجئين في العراق خاصة. والتضامن العربي يعني تسليم ثروة الامة ولا سيما النفط لامبراطورية العولمة، الولايات المتحدة، وفتح الاسواق العربية لمنتجات راسمالية المركز الراسمالي. والتضامن العربي يعني عدم التفكير باي انتاج مدني او عسكري فلا اكتفاء غذائي ولا امني ولا ثقافي. والتضامن العربي هو في التحليل الاخير تضامن ضد الامة العربية وليس من أجل الامة، فالامة الواحدة تتحد، اما التضامن فهو بين جيران.  ولأن النظام الحالي في العراق خالف، ولو جزئياً صفقة التضامن العربي، وعصر الوكالات، كان لا بد ان يُضرب ومن قبل الانظمة القطرية العربية، قبل ان تضربه امبراطرية العولمة وسفيرتها في الوطن العربي، اسرائيل. نعم اولا واساساً من قبل الانظمة العربية التي ترى في اطروحات هذا النظام خروجا على التضامن العربي، أي خطرا على وجودها.

لذا، لن يكون من قبيل حرف الانظار والمقاومة الى الاتجاه الآخر ان نقول، ان المعركة في الاساس عربية داخلية، بين القومي والقطري، بين الوحدوي والاقليمي و بين الاصيل والوكيل، قبل ان تكون ضد الدخيل.

****************

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا