الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنوننا البصرية إلى أين ؟

مجدى يوسف
(Magdi Youssef)

2018 / 11 / 11
الادب والفن


رحل عن عالمنا الفنان المعمر محمد صبرى الذى اشتهر بأبى الباستيل عن عمر يتجاوز المائة عام بعام. وكان فيلسوف ألمانيا المعاصر " يورجن هابرماس" قد خبرنى فى القاهرة عندما زارها محاضرا بالجامعة الأمريكية عام 1997 أنهم كانوا فى ألمانيا فى انتظار بلوغ "جادامر" فيلسوف ألمانيا الأول آنذاك ، المائة عام كى يحتفلوا بمئوية الفلسفة الألمانية. وهو ما كان بالفعل بعدها ببضعة أعوام، إذ أقيم احتفال كبير فى جامعة "هايدلبرج" الألمانية بهذه المناسبة، وحضره "جادامر" مرتكزا على عكازه محييا الجمهور وقد بدت عليه علامات الصحة. فقد كان فى شبابه يجوب غابات جنوبى ألمانيا مع شيخه الفيلسوف الوجودى "مارتن هايدجر" ويمارس بعضلاته المفتولة هوايته فى قطع أخشاب الغابة.
وعندما أتى "هابرماس" إلى القاهرة بدعوة من الجامعة الأمريكية ليلقى بها بعض المحاضرات صحبته آنذاك فى سيارتى إلى جامعة القاهرة ليجتمع فى قاعة مجلس كلية الآداب بأساتذة الكلية وباحثيها المهتمين بأعماله، ذلك أنه كانت تربطنى ب"هابرماس" صلة "قرابة" فكرية ، إذ كدت أن أحضر رسالة الدكتوراه فى أوائل الستينات على أستاذه الذى حضر هو عليه الدكتوراه قبلها بعشر سنوات فى الخمسينات فى جامعة بون " إريخ روتهاكر" لولا أن الأخير كان يعانى من مرض عضال وقد حذرنى أنه لن يعيش حتى تناقش رسالتى علنيا، وهو ما كان بالفعل فما لبث أن رحل.
من هنا كانت علاقتى ب"هابرماس" علاقة طلاب بحث علمى على أستاذ مشترك يدعى فى الجامعات الألمانية " الدكتورفاتر" ، أى "الأب الروحى لصاحب رسالة الدكتوراه".
لم أقص على القارئ كل هذه التفاصيل عن الفلسفة الألمانية وأهلها بينما أردت أن أحدثه عن حال الفنون البصرية فى مصرنا المعاصرة ؟ لا أخفى عليكم أن حال فنوننا البصرية ، أو بالأحرى التنظير لها ، هو الذى حدا بى لذلك. فبعد مائة وعشر سنوات منذ أنشئت مدرسة الفنون الجميلة فى القاهرة لا زالت فنوننا البصرية فى حالة من العشوائية المنهجية يرثى لها. فنحن لدينا مصورون ورسامون ونحاتون كبارا ، لكن ليس لدينا بوصلة منهجية لتفضيلاتنا البصرية فى حياتنا اليومية. وطلبة الفنون البصرية الذين يلتحقون بكلياتنا الفنية، لا يعرفون سوى مبادئ الفنون التشكيلية عند الأوربيين . لكن هل نحن غربيين حتى نأخذ بتقعيد هؤلاء لفنونهم ؟ وهل الفن بلا جذور أساسها فى ثقافة شعب معين فى مرحلة معينة من تاريخه ؟ فإذا ما كانت فنون التلوين، كما كان الناقد التشكيلى الراحل مختار العطار يحرص على تسميتها، قد تطورت فى الغرب من الألوان الصريحة إلى تعاشق الألوان وتمازجها على غرار ما حدث من تطور الموسيقى الكنسية فى أوربا إلى معزوفات أوركسترالية تتحاور فيها الآلات النحاسية مع الخشبية وتتقاطع ألحانها عبر قصيد سمفونى ، فلم لا نستكشف تطورا موازيا من جانب مؤرخى الفنون البصرية فى بلادنا على الرغم من وجود قامات لا يستهان بها فى حياتنا الفنية البصرية ؟
هذا هو السؤال الذى يجب أن نطرحه على أنفسنا حين نبعث بأبنائنا وبناتنا ليدرسوا الفن فى مدارسنا العليا. أى فن لإشباع الحاجات الجمالية البصرية لأى شعب يدرسون ؟!! هل إحساس المصرى باللون الأخضر، وهو الذى عاش على مدى آلاف الأعوام على ضفاف النيل موليا ظهره للصحراء، هو نفس إحساس الأوربى الذى يغطى الخضار مساحات شاسعة من غابات بلاده ؟ بل إذا كان اللون الأزرق عند المصور "سيزان" ( رحل فى العقد الأول من القرن العشرين) فى جنوب فرنسا حيث تسطع الشمس على حقول "اللافندر" معظم شهور العام، يختلف كثيرا عن الإحساس به لدى مصورى "الفرسان الزرق" فى أوائل القرن العشرين فى "ميونخ"، فكيف لا نسعى لأن نقف على اختلاف إحساس الشعب المصرى بهذا اللون فى بلادنا عن أى منهما قبل أن نوظفه فى أعمالنا البصرية والتشكيلية ؟ ولعل ذلك بحاجة لدراسات مسحية ميدانية فى كافة ربوع مصر لم تجر حتى الآن على الرغم من الحاجة الشديدة إليها.
نحن ندرس فى كليات الفنون البصرية فى بلادنا نظرية "هربرت ريد" فى كتابه الشهير" معنى الفن" ( 1931)، ونرضخ لتقعيداته مع أنها تعكس مركزية أوربية فاضحة، تدعى أن المقياس "العالمى" فى الفن يرجع للإغريق. وهو نظير ما يدرس فى أقسام المسرح فى جامعاتنا من أن ظاهرة المسرح أصولها يونانية قديمة، على غرار ما حرص لويس عوض وأترابه من المركزيين الأوربيين فى ثقافتنا المعاصرة على "الدفاع عنه" و"التنظير" له ( أنظر ردى عليه فى كتابى: معارك نقدية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثانية ،2007). وهى لعمرى آفة عدم التخطيط لبعثاتنا العلمية فى الخارج بما يقوم على الوعى المنهجى باختلافنا الموضوعى عن المجتمعات التى نبعث بأولادنا ليعودوا لنا منها بما يدعم قدراتنا المحلية على إشباع حاجاتنا، وليس مجرد إعادة إنتاج الحلول التى وإن نجحت هناك، خاصة فى الإنسانيات، إلا أن اختلاف سياقات مجتمعاتها عن مجتمعاتنا يتطلب إعادة النظر فيها ، بل استيحائها فى الكشف عن المطمور فى ثقافاتنا الشعبية وممارساتنا اليومية غير المدرسية. أقول عمدا "غير المدرسية" لأن الكثير من ممارساتنا الشعبية بحاجة للدرس والتطوير بدلا من النبذ والطمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب