الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطلح -جيل الضباع- بين الاستعمال النضالي والاستعمال الاستسلامي

محمد السلايلي

2018 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


عاد سياسيون وكتاب راي وصحفيون ونشطاء بمواقع التواصل الاجتماعية بالمغرب، الى استعمال مصطلح "جيل الضباع" الذي أطلقه السوسيولوجي المغربي الراحل، محمد جسوس، في سياق تحليله للازمة الشاملة، أثناء الثمانينات وبداية التسعينات من القرن المنصرم، كادت تعصف بالبلاد، مما اضطر الحسن الثاني الى الاعلان عن صرخته المشهورة: "المغرب مهدد بالسكتة القلبية".

عودة هذا المصطلح اليوم وفي سياق يختلف جملة وتفصيلا عن السياق الذي ظهر فيه، حيث نعيش اليوم انفصاما شبه تام بين ما يسمى بالقوى السياسية الحية ( احزاب ونقابات وجمعيات مثقفون..) وشرائح واسعة من الشباب ان لم نقل مع جزء كبير من فئات المجتمع. في حين جاء تحذير محمد جسوس من صنع اجيال جديدة من الضباع، في فترة اتسمت بقوة المعارضة الديمقراطية واليسارية وتجذرها لاول مرة من تاريخها في مختلف الشرائح الاجتماعية، هذه القوة، وهذا المد الديمقراطي الذي سيتم احتوائه والالتفاف عليه، بتقوية المخزن للتيارات الاصولية بعد ان افرغت الجامعة من محتواها النضالي التحرري والدفع بها في مستنقعه السياسي،من جهة، وبجر الطرف الرئيسي من المعارضة الديمقراطية لتشكيل ما سمي ب"حكومة التناوب" .

ورغم اختلاف السياقين المذكورين، علما ان سياسة المخزن مع المجتمع ونخبه، لم تتغير أبدا (بل الذي يتغير ولا يستقر على حال هي النخب بعد ان يتم احتوائها اما بالترغيب او بالترهيب)، فإن الذين يستعملون اليوم مصطلح "جيل الضباع" اما يجهلون حمولته النظرية والفكرية والمبدئية التي سنتستعرضها في هذا المقال، واما انهم يتعمدون ذلك لغاية ما!

تحذيرمحمد جسوس من صنع أجيال جديدة من الضباع، جاء في خضم اشتداد القمع على الشباب لترهيبهم وتخويفهم من الالتحاق بالقوى المعارضة اولنزولهم للشوارع من اجل المطالبة بحقوقهم وفي مقدمتها الحق في التعليم الجيد وفي الشغل الكريم...

في هذا المنحى يقول محمد جسوس في صرخة مدوية، خلال المؤتمر الوطني الرابع للطلبة الاتحاديين المنعقد بفاس، انه "لا خير يرجى من بلاد تعامل شبابها بمختلف إشكال القمع والإكراهات والتخويف والتهريب، بل إن ما نلاحظه حاليا هو تكريس وترسيخ هذه المعاملات، فمن العار كل العار أن تصبح ثانوياتنا وكلياتنا وجامعاتنا هي بدورها لا تختلف عن الشارع، ان تصبح عبارة عن مكان يسوده قانون الغاب، ويعامل فيه أكبر رصيد بشري وأكبر طاقاتنا الفكرية كما كانوا أعداء، كما لو كانوا خصوما مضطهدين من طرف مختلف أجهزة الأمن, مضطهدين من طرف الإدارة، مضطهدين أحيانا من بعض الأساتذة الذين ليس لهم الوعي الكافي"

ويحذر جسوس من «بروز جيل جديد من الشباب يتسم بالاستسلام منذ البداية، جيل ليس له علم حتى بالحد الأدنى، من حقوق وواجبات المواطنة. شباب يائس مسبقا. وكل ما يطمح إليه في كثير من الأحيان هو الحصول على جواز السفر والهروب من الساحة، والهروب كذلك نحو الغربة والبحث عن لقمة عيش».

ويقول جسوس موجها كلامه للسياسيين : «إنه لا يعقل أن نتعامل مع شباب هذا هو سلوكه من منطق التجهيل ومن منطق التعجب، إذا كان جزء من شباب المغرب اليوم يتأثر بجو اليأس والاستسلام وبالهروب من الاهتمام بقضايا البلاد الكبرى، فلأن الأوضاع جعلته كذلك ودفعت به الى هذا المستوى من اليأس والاستسلام».

كما وجه نفس الحديث للطلبة والاساتذة مفسرا أن مكانة ودورالجامعة تأتي «من كون ما حدث من ثورات في المجتمعات الصناعية هو تطور لم نعرف منه نحن شيئا، فالمجتمعات الصناعية المتطورة لكي تصبح كذلك مرت عبر أربع ثورات أساسية: ثورة سياسية ديمقراطية، وثورة تكنولوجية صناعية، وثورة اجتماعية قضت على بقايا الاقطاع والنظم القبلية ونظام الكنيسة، ومختلف اشكال التخلف، وثورة كذلك ثقافية وفكرية وايديولوجية، رسخت في هذه المجتمعات أفكار العقلانية والتقدم والحتمية والمادية والإيمان بالمستقبل (...) فليس من الصدفة أن تاريخ الثورة الصناعية يقترن بتاريخ الجامعة، وأن تاريخ الثورة الصناعية هو الذي أدى إلى كل القوانين التي تسن إجبارية التعليم، وهو الذي أدى الى جعل ضرورة توفر الجميع على حد أدنى من التمدرس قانونا تسنه الشعوب المتحضرة وتفرضه عل نفسها وعلى كافة الطبقات المتواجدة داخلها. وليس من الصدف أن بروز وانفتاح الجامعة ودورها قام بصفة عضوية ببروز الثورة العلمية والتكنولوجية».

ويستخلص جسوس ان الإشكال الذي تعاني منه بلادنا هو كوننا «إلى الآن لم نعرف أية واحدة من الثورات الأربع، لا الثورة الديمقراطية ولا الثورة الصناعية، ولا الثورة الاجتماعية، ولا الثورة الثقافية».
وللتذكير فان التشخيص الذي قدمه السوسيولوجي الراحل، محمد جسوس، الذي يعتبر النظام القائم معني بصناعة جيل من الضباع، وأن الشباب المغربي مستهدف على أكثر من صعيد، جعل الملك الحسن الثاني تثور ثائرته، مما قاد وزير التربية الوطنية، الطيب الشكيلي، اصدار بيان حقيقة على العرض، واصفا إياه بأنه يتضمن «نقل أكاذيب وأباطيل صريحة تمس بكرامة كل المواطنين. وتتجرأ على اهانة الوطن والاستهتار بالتضحيات الجسيمة التي بذلت طوال ثلاثين سنة في مجالات التربية والتكوين».(جريدة الاتحاد الاشتراكي)

من هنا نلمس، الفرق بين استخدام المصطلح كما اطلقه محمد جسوس ومن يستعمله اليوم، لفرملة احتجاجات التلاميذ او للمزايدة عليها. فجسوس استعمل المصطلع لتعبئة الشباب وحشدهم لصف القوى المواجهة الدولة، وما يصدر اليوم عن النخبة من مواقف على خلفية الاحتجاجات التلاميذية، مواقف مبطنة تدفع للخنوع والاستسلام، وهي الخاصيان التي شكل عليها محمد جسوس مفهومه"جيل الضباع"، حيث يفرغ محتواه السياسي النضالي ويصبح وجها من اوجه مصطلح "الشغب" التي تسعمله الانظمة لتبرير قمعها للشباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو