الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنا آرندت- فيلم سيرة ذاتية عن حياة فيلسوفة مثيرة الجدل ،

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2018 / 11 / 17
الادب والفن


حنا آرندت" فيلم سيرة ذاتية عن حياة فيلسوفة مثيرة الجدل ،
«Hannah Arend»

علي المسعود

شاهدتُ مؤخراً فيلما سينمائياً ألمانياً فاتناً عن حياة الفيلسوفة ذائعة الصيت "حنة آرندت".. الفيلسوفة اليهودية المتهمة بمعاداة السامية. الفيلم يسلّط الضوء على زاوية واحدة من حياتها العامرة والمليئة بالعبر، وهي لحظة دفاعها، وهي اليهودية، عن النازي ايخمان الذي شارك في المذابح التي تعرّض لها اليهود في عهد هتلر. ويروي مرحلة مهمة من حياة الفيلسوفة"حنة أرندت " هذه الشخصية العظيمة المفكرة والفيلسوفة و العاشقة والأنسانة التي توصف ب: فيلسوفة الحب و الحق وهي الصفات التي قل أن تجتمع في شخص ‏واحد . الفيلم تم إنتاجه الفيلم عام 2012 م وهو فيلم ألماني من إخراج مارغريت فون تروتا، وكتابة بام كاتز، وبطولة باربرا زوكوفا التي أدت دور "حنا" بإتقان بالغ. القضية المحورية في الفيلم، هي محاكمة القائد النازي،أدولف أيخمان، الذي تورط في العديد من جرائم الهولوكوست، إذ يتم اختطافه في الأرجنتين من قبل " الموساد " ليحاكم في القدس العام 1961، وتكلف مجلة "نيويوركر" الشهيرة "حنة آرندت " في متابعة القضية وكتابة تقريرعنها، فتسافر إلى القدس وتكتب مقالاتها الجدلية التي قلبت اللوبي الصهيوني ضدها في 1963، تتحول تلك المقالات إلى نظرية فلسفية تنشرها في كتاب "أيخمان في القدس.. تفاهة الشر ".
يعرض فيلم فون تروتا لقطات تسجيلية للمحاكمة الشهيرة والتي تذكرنا بأفلام أخرى سجلت محاكمات قادة النازية، كان أشهرها فيلم "محاكمات نورمبرغ" العام 1961، وهو أقل عمقاً وإشكالية من فيلم فون تروتا. لكن الأهم من الطابع التسجيلي، هو تصوير الفيلم لنشأة نظرية آرندت حول " تفاهة الشر"، وذلك عبر استعراضه لحلقات النقاش بين نخب المثقفين والأصدقاء في سنوات الستينات الصاخبة، وتجسيد التفاصيل الانسانية لشخصية آرندت وعلاقتها بزوجها هنري بلوتشر، الشيوعي القديم، و بمديرة أعمالها. هكذا نتابع تكوّن تلك النظرية وتطورها حتى تتبلور في النهاية لتجابه بها المعارضين الشرسين لها. فنظرية آرندت اعتبرت أن أيخمان مجرد شخص عادي، موظف ينفذ الأوامر. ويبدو لها شخصاً ليست لديه القدرة على تمييز الخير من الشر طالما أنه فقد القدرة على التفكير، فهو إذاً ليس وجهاً شيطانياً، لكنه تجسيد لغياب التفكير لدى النوع البشري، بحيث لا يعي أو يتخيل عواقب طاعته العمياء . لاحظت الفيلسوفة حالة الرغبة الجماعية عند اليهود للانتقام من كل فترة النازية عبر شخص الرجل، فكان أن عادتْ إلى أميركا التي هاجرتْ إليها رفقة زوجها، لتكتب مقالاً مطولاً نشر على عدة حلقات وأثار ضجة كبيرة، لجهة تجرده التام من العاطفه وانحيازه لقيم العدل .ركزت الفيلسوفة( حنة أرندت ) في مقالها على جزئية مزعجة للكثيرين وهي تهمة للانتقام وهي أن المتهم لم يقم بشحن اليهود في القطارات في الطريق إلى المحرقة، لم يقم بذلك، بقرار شخصي بقدر ماكان مثل زملائه، مسلوب الإرادة داخل المنظومة الهتلرية.
هاج الجميع ضد الفيلسوفة، طلابها في الجامعة، زملاؤها، مثقفون، سياسيون و تعرضت لحملة تشويه واغتيال معنويّ،وصلت حدة الأمر لاختفاء " حنا آرندت " عن العيون، وحتى التهديد بطردها من الجامعة، كما هددتها "إسرائيل" وطلبت منها التراجع عن موقفها، ووصل الأمر لتخلي أقرب أصدقائها عنها، الأمر الذي آلم حنا آرندت بشدة، حيث حاولت "آرندت" جاهدة الحفاظ على أصدقائها ولكن دون أي تغير في موقفها أو تراجع، محاولة تثبيت فكرة الفصل بين الفرد وتفكيره الخاص وبين ما تفرضه عليه الجماعة أو القوة المسيطرة الخارجية لتؤثر حتى على عواطفه وعلاقاته. لكنها مقابل ذلك لم تتزحزح عن موقفها قليلاً. بل كانت لا تفوّت فرصة لإعادة عرض فكرتها بنفس الصلابة والوضوح . لم تستطع الظروف التي مرت بها حنة آرندت اليهودية التي هربت من ألمانيا إلى فرنسا أثناء حكم هتلر ثم اعتقلت في فرنسا ووضعت في إحدى المعسكرات أثناء احتلال الألمان لفرنسا ثم هربت هي وزوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر مذكور في معرض حديث آرندت في إحدى محاضراتها، لم يمنع ذلك من أن ترى أنه لا تجب محاسبة هذا الشخص الذي ذكرت أنه لا يملك من الذكاء ما يجعله يميز بين الخير والشر، فهو مجرد موظف يتبع القانون وهو ما جعلها تخرج بمصطلح أصبح فيما بعد مصطلحاً شهيراً هو « تفاهة الشر». وكان أكثر ما لفت نظرها في دفاعه، قوله بأنه “لا يتقن سوى اللغة الإدارية” التي جعلته ينفذ الأوامر من غير اعتراض ". ولهذا، علقت أرندت بأن إيخمان “كلما كان يحاول التفكير، كان يفكر مباشرة بمهنته”، أي أنه لا يفكر بقدر ما يتصرف كعبد لمهنته، مما جعله غير قادر على بناء أحكام خلقية. وكان من الطبيعي أن يُحدث هذا التأويل للقضية، المخالف للإجماع، صدمةً في الأوساط اليهودية، إذ فُسر بمثابة دفاع عن الناري إيخمان. ولذا، وُصفت أرندت بأنها “كارهة لذاتها” أي ليهوديتها، أن تتهم آرندت بالعداء للسامية مما جعل الكثيرين من أصدقائها يقطعون علاقتهم بها . وقد ذكرت أيضاً في مقالاتها أن هناك من اليهود من تآمر على أبناء ملّتهم لصالح النازيين.
وقد ركز الفيلم على شخصية آرندت واهتمامها بالبحث عن الحقيقة بغض النظر عمن تخسر ومن تكسب ويبدو هذا جلياً في سؤال زوجها هنريك بولتشر (قام بدوره أليكس ميلبيرغ) في آخر الفيلم: هل لو عاد بك الزمن ستقومين بتغطية المحاكمة؟ قالت: نعم. لكننا لم نعرف من ماضيها إلا ما ذكرته هي عن هروبها من ألمانيا وباسترجاع شيء بسيط من ذكرياتها مع الفيلسوف الشهير مارتين هايدغر كأستاذ لها أبهرها بمحاضراته وأطروحاته وارتبطت معه بعلاقة عاطفية.
مخرجة الفيلم مارغريت فون تروتا هي من مجموعة المخرجين الألمان الذين أسسوا للسينما الألمانية الجديدة بين الستينات والثمانينات والتي أعادت للسينما الألمانية ألقها بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استفادت من الموجة الفرنسية الجديدة لصناعة أفلام جيدة بميزانيات متواضعة. وسبق لها أن تصدت لسيرة حياة الملهمة روزا لوكسيمبرغ الفيلسوفة والمنظرة الماركسية في فيلم ( روزا لوكسيمبورغ ) وأدت الدور نفس الممثلة القديرة بارباراسوكوا, لكن فيلمها هذا ليس بالتأكيد أفضل أفلامها. فالكثير من النقاد أخذ على الفيلم اعتماده الكبير على الحوارات بأسلوب مسرحي وهو صحيح إلى حد كبير، إلا أن أداء سوكوا القوي وانفعالاتها بل حتى شرودها الدائم يعطي إحساساً بأن ذهن آرندت كان ذهناً متقداً بالأفكار والتساؤلات,يحمل الفيلم من الحوارات الذكية والممتعة، ومن دفء المشاهد العاطفية وخفتها، ما يجعلك مشدودأ بالفيلم ومن دون إهدار أي لحظة من المشاهد دون تركيز عالٍ، وتتساءل أهو اتقان الكادر أم سحر الشخصية الأصلية وغناها هو من يفعل بك ذلك. والواقع أن الأداء والشخصية والأفكار التي طرحها هي كلها عناصر كافية لجعل الفيلم يستحق المشاهدة والتأمل. حظى الفيلم على نجاحٍ باهر، كما حصل على خمسة جوائز دولية، ورشح إلى سبعة عشر جائزة .
قصة الفيلم وتيمته سبق وان تم تناولها على نطاق أوسع، وهو الإنسان، تذكرك وترسخ في ذهنك مصائر الكثير من العلماء والفلاسفة والكتاب منذ غابر الأزمان وحتى يومنا هذا، ومن كل القوميات، يتعرضون لذات السيرة في كل رأي لهم وموقف مخالف للجماعة أو ماسًا لإحدى الرموز االدينية التي قرروا أن يعبدوها ويقدسوها ودون أدنى فكرة أو منطق. .


علي المسعود
المملكة المتحدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال