الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب الانتحار السياسي

جهاد الرنتيسي

2006 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


للتعاطي مع الاحداث المفصلية طقوسه في المنطقة العربية ، تبدا بتجاوز الخط الفاصل بين الخيال السياسي والهذيان السياسي ، ولا تنتهي بالاتكاء على الوهم لتسويق الخطاب المجتزا ، وتغليب الفكرة على المعطيات لدى البحث عن النتائج المحتملة .
وفي منطقتنا تبرر النوايا الحسنة التي تقف وراء الخطاب السياسي الوقوع في الخطا التحليلي ، والعودة الى اتباع ذات القواعد التي قادت لذلك الخطا في استهانة واضحة بعقول المتلقين ، ودون مراعاة لاختلاف اولوياتهم بين مفصل واخر .
وعلى هذه الارضية يذهب المحللون بعيدا وهم يقراون السباق الايراني ـ الاميركي نحو تكريس وقائع جديدة على الارض .
فهناك من يجد في دعوات ايران للتعامل معها كقوة اقليمية ما يعوض شعوره بالهزيمة الحضارية ، و يبرر له الاندفاع نحو الشعارات التي تغلف هذا الطرح دون تفكير بالتوازنات الدولية ، و يتجاهل تفاصيل علاقة طهران مع عواصم الاقليم حين يدعو لدعم الموقف الايراني ، ويكاد ان يغفل عن النظرة الايرانية التي لا ترى في المنطقة العربية سوى بؤر ملتهبة تتيح فرض وقائع جديدة لتعزيز الموقع التفاوضي مع "الشيطان الاكبر" الذي يتحول الى محاور يمكن التوصل لاتفاقات معه عندما تقتضي الضرورة .
ورغم التجربة التي راكمتها خصومات القطب الكوني الوحيد مع مشاريع اطراف اقليمية خلال السنوات العشر الماضية هناك من يصر على تجاهل شروط اللعبة التي يعد الخروج عليها مغامرة يضطر المازومون للقيام بها ، وقد تؤدي الى الانتحار السياسي .
وقد تكون اعادة شحن الذاكرة امرا ملحا للحيلولة دون العودة لقراءة الحدث من نقطة ما قبل الوقوع في خطا التحليل .
فهناك ما يكفي من المؤشرات للتاكيد على استعداد طهران للقيام بدور وظيفي في المنظومة الكونية المشيدة على ركام الحرب الباردة اذا اتيح لها الاحتفاظ بهامش واسع من الحركة في المنطقة .
ومن بين المؤشرات التي لم تزل عالقة في الذهن لقاء المصالح الايرانية ـ الاميركية بعد الحادي عشر من ايلول ، والذي تمخض عنه التعاون الثنائي في افغانستان .
فلم يمض الكثير من الوقت على الدور الذي قامت به ايران من خلال تحالف الشمال ، والتسهيلات التي قدمت للحملة الاميركية على طالبان ، ومبادرتها للاعتراف بالنظام الافغاني الجديد .
وبهذه الخطوات التي لم تخل من ابعاد طائفية ومذهبية ينص عليها الدستور الايراني قدمت طهران خطاب حسن نوايا لواشنطن وهي تندفع بكل قوتها لتصفية الظاهرة الاصولية .
واختلفت منطلقات النظام الايراني بعض الشئ لدى مساهمته في الاطاحة بالنظام العراقي السابق .
فقد كان مدفوعا بتشدده القومي وهو يدير لعبته السياسية التي اتسمت بالحذر والمراوغة في ذلك الوقت .
وفي الحالتين كان النظام الايراني قلقا من الخطر الذي يهدد وجوده في منطقة تعيش حالة تحول قد تمتد الى عمق الجغرافيا السياسية .
واثبتت التطورات اللاحقة لسقوط نظامي طالبان وصدام ان الاداء الايراني مع هاتين المحطتين يعبر عن منهج سياسي في التعاطي مع الازمات جوهره الاستفادة من التحولات في تقوية الدور الاقليمي .
ففي البداية حرصت طهران من خلال عمقها السياسي في العراق على التهدئة مع القوات المتعددة الجنسية لتتاح لها فرصة توسيع نفوذها الى اقصى الحدود ، ثم انقسم اداء السياسة الايرانية الى محورين ، يتمثل الاول في تكريس النزعة الانفصالية ، والثاني في تغييب حضور العرب السنة .
واخذ التعاطي الايراني مع الملف العراقي طورا ثالثا مع تصاعد التوتر الدولي والاقليمي الناجم عن الازمة التي اثارها البرنامج النووي .
فقد دفعت طهران باتجاه توسيع حضورها بين المليشيات الشيعية المسلحة لتشهد المرحلة الراهنة تدفق المزيد من ضباط المخابرات وقادة الحرس الثوري لتدريب عناصر جيش المهدي واعدادهم بالشكل الذي يزيد من مصاعب الوجود الاميركي في الاراضي العراقية .
وبدخول التيار الصدري الى دائرة الخدمة الايرانية تحكم اجهزة الامن والحرس الثوري سيطرتها على الاسلام السياسي الشيعي في العراق .
ولم يخل الامر من سعي لتصفية احتمالات نهوض مستقبلي عراقي حيث عكف عملاء المخابرات الايرانية في العراق على اغتيال العقول العراقية ، وسرعان ما اتسعت دائرة الاغتيالات لتشمل الطيارين العراقيين الذين شاركوا في الحرب العراقية ـ الايرانية .
والى جانب تجاهلهم لهذه التفاصيل اهمل المتحمسون للدور الايراني التصريحات التى ادلى بها صقور طهران حول الادوات الايرانية في لبنان وسوريا ، والتهديدات المبطنة الموجهة الى دول الخليج العربية ، والتلويح باغلاق مضيق هرمز الامر الذي يؤكد بان المنطقة العربية ستكون في المرحلة المقبلة ساحة لتصفية الحسابات بين ايران والمجتمع الدولي .
واللافت للنظر ان خلل القراءة السياسية للعلاقة الايرانية ـ الاميركية لم يبدا من نقطة التصعيد التي اعقبت اندلاع ازمة البرنامج النووي الايراني .
فالتحليلات التي كانت ترى بامكانية التقاسم الوظيفي الايراني ـ الاميركي ثبت فشلها مع ظهور ما يدلل على ان جوهر العلاقة بين الطرفين في المرحلة الماضية اقرب الى الاستخدام المرحلي ، وتبادل المنافع في احسن الظروف ، ومثل هذه العلاقة لا يمكن وضعها في اطار الشراكة السياسية .
فالولايات المتحدة التي لم تترك للنظام العراقي السابق فرصة ابتلاع الكويت والتحول الى قوة اقليمية تتحكم بالنفط لا يمكنها تجاهل تكرار الحالة وابقاء عصب الحياة رهينة لدى طهران .
والتسريبات المرتبطة بلائحة العقوبات الدولية ، وتحديد مواقع ايرانية لضربها بطائرات الـ " بي 52 " و " الشبح " واخرى لقصفها بصواريخ بعيدة المدى تؤكد جدية الادارة الاميركية في معالجة هذا الملف بالقوة اذا اقتضت الضرورة ، ولم يعد التفاهم ممكنا .
ومن خلال هذه المعطيات يتضح ان السباق الذي تخوضه طهران وواشنطن لفرض وقائع جديدة في المنطقة قبل الحوار المرتقب في العراق لا يعني ابعاد احتمالات الحسم العسكري ، والاتفاق ـ ان حدث ـ لن يكون في صالح العواصم العربية ، الامر الذي يعني ان العرب سيدفعون فاتورة النجاح والفشل .
وتملي هذه الحقيقة على قادة الراي العام العرب النظر الى الصورة من مختلف الزوايا والكف عن استخدام خطاب الانتحار السياسي الذي ثبت فشله في اكثر من منعطف .
فالنوايا الحسنة ، والرغبات ، والاحتقانات لا تصوغ رؤى سياسية قادرة على البقاء ، وان تمكنت من دغدغة المشاعر لبعض الوقت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة ساخنة بين بايدن وترامب؟ | المسائية


.. الإصلاحي بيزشكيان والمحافظ جليلي يتأهلان للدور الثاني من الا




.. ميقاتي: لبنان سيتجاوز هذه المرحلة والتهديدات التي نتعرض لها


.. حماس تدعو الأردن للتحرك من أجل مواجهة مشروع ضمّ الضفة الغربي




.. أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطيين في حال أرادوا استبدال