الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوات كورية مهمة على طريق السلام

عبدالله المدني - البحرين

2018 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


المطلع على الأدبيات الخاصة بالحرب الكورية (1950 ــ 1953) سيكتشف بسهولة أن شبه الجزيرة الكورية وسكانها كانوا إحدى ضحايا تداعيات الحرب العالمية الثانية. فبمجرد إنتهاء هذه الحرب وانهزام اليابانيين الذين كانوا يحتلون كوريا تم تقسيم الأخيرة مثلما قسمت بلاد عديدة أخرى بين المنتصرين الكبيرين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)، دون استشارة أهلها، بل تم التقسيم، أو وضع الخط الفاصل بين القوات الأمريكية والسوفيتية، بطريقة اعتباطية عند خط العرض 38 في جلسة لم تستغرق سوى ساعة، وبالاعتماد على خريطة مصدرها مجلة «ناشيونال جيوغرافيك». وطبقاً لهذا التقسيم إستسلمت القوات اليابانية المتواجدة شمال خط العرض 38 للسوفييت، واستسلمت مثيلاتها الموجودة جنوب الخط للأمريكيين.
هذه الترتيبات أسهمت في حدوث الكثير من المشاكل والآلام لاحقاً. فعلى الرغم من تعهد محتلي كوريا الجدد بأنهما سوف يديرانها لمدة 4 سنوات تحت وصاية دولية تنتهي بترك الحرية للشعب الكوري لتقرير مصيره، فإنهما زرعا خلال تلك السنوات الأربع بذور التقسيم الإيديولوجي من خلال قيام موسكو بإقامة حكومة شيوعية موالية لها في الشمال وقيام واشنطون بالشيء نفسه في الجنوب، الأمر الذي أدى إلى سلسلة من التمردات الدموية في الشمال وحدوث اضطرابات في الجنوب انطلقت من مبدأ عدم رغبة الكوريين استبدال الاستعمار الياباني باستعمار جديد.
وخلال الفترة 1949 ــ 1950 تنافس زعيم الشطر الجنوبي «سيغمون ري»، وزعيم الشطر الشمالي «كيم إيل سونغ» على توحيد كوريا عبر المناوشات والأعمال الدعائية، غير أن الأخير تجاوز ذلك إلى إشعال حرب أهلية وذلك حينما أمر قواته المدججة بالأسلحة السوفيتية بعبور خط العرض 38 باتجاه الجنوب في فجر يوم 25 يونيو 1950 فحقق نجاحاً هائلاً تجلى في احتلاله سيئول والعديد من المدن الأخرى، وهو ما دعا الأمريكيين وحلفاءهم في استراليا ونيوزيلنده وجنوب شرق آسيا للتدخل عسكرياً لوقف الزحف الشيوعي، خصوصا بعد نجاح واشنطون في استصدار قرار أممي بإرسال قوات إلى كوريا الجنوبية، بسبب مقاطعة موسكو آنذاك لجلسات مجلس الأمن، وبالتالي مرور القرار دون تعرضه للفيتو. وهكذا استطاعت واشنطون أن تطارد قوات «كيم إيل سونغ» وتعيدها إلى الشطر الشمالي وتحرر الجنوب من قبضتها، رغم المساعدات التي جاءتها من موسكو، ورغم دخول الصين الحرب إلى جانبها.
المهم أن الحرب الكورية انتهت إلى حالة لا غالب ولا مغلوب، وصولاً إلى يوم 27 يوليو 1953 الذي تم فيه إعلان الهدنة عبر اتفاق عقد في قرية «بانمونجوم» التي عادت اليوم إلى الأضواء. وهذه القرية التي باتت تعرف مذاك بقرية الهدنة، هي قرية مهجورة واقعة على الحدود المشتركة بين الكوريتين البالغ طولها 250 كيلومترا، حيث لا يوجد بها سوى المبنى الأزرق الذي شهد توقيع اتفاقية الهدنة، ومكتب للصليب الأحمر الدولي به خط الاتصال الساخن بين الكوريتين، علما بأن هذا المكتب أغلقته بيونغيانغ في فبراير 2016 على إثر قيامها بإغلاق مجمع كايسونغ الصناعي الحدودي قبل أن يعاد فتح المكتب في فبراير 2018.
ومؤخراً اتفقت الكوريتان والقيادة الأمريكية لقوات الأمم المتحدة المرابطة في الشطر الجنوبي على تدابير لإزالة الأسلحة النارية ومراكز الحراسة والمراقبة في بانمونجوم، إضافة إلى وقف المناورات العسكرية على طول الحدود إبتداء من شهر نوفمبر الجاري، علاوة على التخلص من 11 موقعاً عسكرياً حدودياً كمقدمة لإزالة كل شبيهاتها مستقبلاً، وتقليص عدد الجنود المتمركزين في بانمونجوم إلى 35 جندياً على كل جانب، وتبادل المعلومات حول معدات المراقبة الخاصة بالبلدين، والسماح للسائحين من شطري كوريا والدول الأجنبية التحرك بحرية داخل المنطقة الأمنية المشتركة بغية تحويل المنطقة الحدودية إلى بقعة سلام ومصالحة.
هذه الخطوات بطبيعة الحال هي مجرد خطوات رمزية، مثلما قيل، لكنها من جهة أخرى فإنها مهمة وغير مسبوقة وتصلح كدليل على أن محاولات إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية ماضية على قدم وساق، وأنّ ما تمّ الاتفاق عليه في القمم الثلاث بين رئيس الشطر الجنوبي «مون جاي إن» وزعيم الشطر الشمالي «كيم جونغ أون»، ولاسيما القمة التي عقدت بينهما في سبتمبر المنصرم، جار تنفيذه، بدليل أنّ خطوط الاتصال عادت للعمل بين البلدين كما تمّ البدء بتنظيف المنطقة الأمنية المشتركة من الألغام.
أما ما يعرقل الإعلان عن إنتهاء حالة الحرب بين البلدين رسميا فهو عدم موافقة بيونغيانغ حتى الآن على نزع سلاحها النووي بصورة كاملة ووضع معايير للتأكد من ذلك. ويعمل الرئيس «مون جاي إن» دون كلل على إقناع نظيره الشمالي بذلك مبدياً الكثير من الوعود والالتزامات والاغراءات والتنازلات. ومن صور التنازلات التي قدمها عدم اشتراطه على عقد أي من لقاءات القمة الكورية في سيئول. وبعبارة أخرى، قبوله الذهاب بنفسه إلى عاصمة الشطر الشمالي لعلمه المسبق بأن نظيره الديكتاتور «كيم جونغ أون» متحفظ على زيارة سيئول لأسباب أيديولوجية وأمنية أو ربما للايحاء بأنه الزعيم الذي يسعى الآخرون لخطب وده. ومن الخطوات الجريئة التي أقدمت عليها حكومة «مون جاي إن» بالتعاون مع الحليف الأمريكي، إيقاف المناورات العسكرية الدورية المشتركة بين قوات بلديهما، وذلك من باب تجنب استفزاز كوريا الشمالية والإبقاء على زخم ما تمخضتْ عنه القمة الكورية الشمالية - الأمريكية في سنغافورة في يونيو الماضي.
أما الخطوة الأكثر إثارة في هذا السياق فهو موافقة بيونغيانغ على إرسال وزير دفاعها «نو كوان شول» قريباً إلى واشنطون للاجتماع بنظيريه الكوري الجنوبي والامريكي لبحث العديد من المسائل العسكرية الشائكة وعلى رأسها نزع الأسلحة النووية.
والحقيقة أن «كيم جونغ أون» ربما لديه ما يمنعه من التخلص من ترسانته النووية أو هناك من يحرضه ضد الأقدام على ذلك، لذا نراه يشترط إلغاء العقوبات الأممية المفروضة على بلاده مسبقًا قبل البحث في مسألة التخلص من قدرات بلاده النووية. وهو يفعل هذا على الرغم من أن العقوبات المفروضة على بلاده يجري خرقها بألف صورة وصورة عن طريق توريد مختلف أنواع السلع من الصين تحديداً. فبكين رغم أنها كثيرًا ما رددت إلتزامها بالعقوبات، فإنها تجد في خرقها صفعة للأمريكيين في الحرب التجارية وغير التجارية الدائرة بين بكين وواشنطون طبقاً للعديد من المراقبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين