الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهادة عابرة في شاعر ليس عابرا - تحية إلى مظفر النواب

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 4 / 11
الادب والفن


شهادة عابرة في شاعر ليس عابراً
تحية إلى مظفر النواب
مظفر النواب شاعر ظُلم كثيرا، وقد ظلم نفسه بيده أحياناً، فيما يتعلق بتأخّره الطويل في نشر أعماله الشعرية بشكل كامل، فالذي يرغب في قراءة الشاعر ليتخذ موقفاً نقدياً لا تكفيه قراءة ديوان(وتريات ليلية) وقصائد متفرقة نشرت هنا أو هناك.
النواب لديه كمّ لا بأس به من القصائد التي تنتظر أن تجد سبيلها الى النقد. وهذا حق طبيعي إن لم يطالبنا به الشاعر، فشعره يطالبنا. خاصة وأنّ (قصيدة الكاسيت) -الشكل المعتاد لاتصال القراء بشعره- خلقت، وهي تخلق آراء شائعة قد يكون بناؤها قائماً على عدد من الأوهام. فيقع هذا الشعر أسير الانطباعات العابرة سواء في ذلك من أحبه كثيراً أو استاء من ه كثيراً. لاسيما فيما يتصل بعلاقة شعره بالسياسة. حيث أشيع أن النواب شاعر سياسي وهجّاء لاذع، وهذا في نظري تقزيمٌ غير مقبول لشعره، حين نُخضع هذا الشعر لمجهر النقد الذي لا يكترث بما يشاع هنا وهناك. فالناقد سيرى في شعر النواب مساحات واسعة وعوالم متداخلة تشكل كلّية هذا الشعر مساحات تنتظر من يحرثها ليطلع منها البذور الأولى التي أسست فيما بعد كلّية هذا الشعر، نحن هنا لا نريد ان نسيء الى النواب في اللحظة التي ندّعي فيها رغبتنا بتقويم شعره نقدياً. فلا نقول إن النواب ليس شاعراً سياسياً، بل نقول: إن الشعر بما هو فعالية إنسانية جمالية تهدف الى رفع الإنسان الى مستوى الجمال والاستقرار، يلتقي مع السياسة بمعناها الشامل وربما هي فعالية تنشغل بحياة الانسان وتحقيق أمله وفرحه. بهذا المعنى لا يكون شعر النواب وحده سياسياً، بل أي شعر في العالم، بل أي كائن حضاري هو في عمقه كائن سياسي. ومن دلالات علاقة شعر النواب بالسياسة بها المعنى اننا نجد في قصيدته مستويات عديدة، وعوالم مختلفة تشير الى شمولية النظرة عنده. وهو نفسه مدرك لذلك. فنجده يشير في مقدمة أكثر من قصيدة (على الكاسيت) ان هذه القصيدة مزيج من الحب والأرض والثورة والتراث والجنس. كل هذه العناصر مجزأة كما نوردها نحن، بل تأتي هكذا موجات عريضة تتلّوى متناغمة فيما بينها بكل اختلافاتها الحركية واللونية، فمثلاً -وعذراً لهذا التبسيط- تجد في قصيدته (جسر المباهج القديمة) أن بحّار البحارين، وهو الإنسان الذي يشكل محور القصيدة يقوم برحلة في البحر بحثاً عن البصرة، فيتعرض في سفره لمواقف مأساوية، لا تختلف في النظرة الأخيرة عن مواقف المأساة بمعناها اليوناني القديم، تتكالب عليه القوى جميعاً (بحارة خونة ، طبيعة قاسية ، آلهة مشغولة بأمجادها ، سُلطة) لتمنعه عن حلمه وغايته أي (البصرة) التي هي رمز الإنسان الباحث عن غاية وجوده وعذابه، وعندما يسأل البحّارُ عن البصرة يقال له: لا يوصلك البحر الى البصرة. ويكتشف في النهاية أن (بصرته) ساكنة فيه. وهذه حقيقة الإنسان المناضل البحّار الشاعر ليس في حاجة الى جسور، إن هدفه ووسيلته شيء واحد، وهو جسر ذاته، مدرك هذا عندما نرى كيف يتحد العالم كله بالذات في لحظة صوفية تُضمر في داخلها كلَّ العناصر بما فيها السياسة. أليست رحلة البحار وصراعه وألمه وهدفه أليس كل ذلك داخلاً في لبّ السياسة؟
أما هجائيات النواب وشتائمه المبتذلة، فلا أرى ذلك إلا بُعداً آخر من أبعاد التجربة الشعرية الشاملة للنواب. تلك التجربة التي تشكلت على أرضية حساسية جادة يمتلكها الشاعر -وكل شاعر- في تعامله مع الكون وفساده وظلمه وحبه… وفيما أعتقد أن الشاعر عندما يشتم بأية طريقة يشاء، ليس من حق أحد أن ينظر الى شتيمته على أساس موقف أخلاقي. وإلا فأي أخلاقي هذا الكون الذي يدمر الشاعر كل دقيقة؟ إن قبح الكون المريع الذي يستبصره النواب، يدفعه الى التفكير بالكون بشكل جمالي. لكن هذه الصّبوة للجمالي تصطدم بكل هذا الدمار والعنف والحرب، فيشتم الشاعر معوقات وصوله الى الجمال، فأنا لا أبالغ بالتمسك بالجميل إلا إذا واجهتُ البشع المخيف وأحسستُ به من الداخل وشتمتُهُ… عندما نقول إن النواب (شاعر بذيء) لا نكون بذلك في مقام النقد، بل في مقام الأخلاق وقانون العيب. أجد أنه ينبغي القول إن النواب جميلٌ حتى في شتائمه. وهو القائل: (ولست بذيئاً ولكنه القيء قد وصل الحنجرة).
إن الفضاء الشعري للنواب يحتاج الى عمل نقدي كبير ولا يستوفيه شهادة عابرة. فالنواب ليس شاعراً عابراً. يجب ان يعمل الناقد على البحث عن صوفية شعره وطفولته التي أسست فيه حس الاقتلاع والنفي الى الأبد. والبحث عن علاقة شعره بالرسم واللون، علاقته بالتراث الشيعي والديني بشكل عام. وأخيراً البحث عن تميز الشاعر في تجربته. هل نعاهد أنفسنا على القيام بذلك في دراسات قادمة؟ أرجو ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??