الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطاع الطرق هم من قتلوا جدي

جوزفين كوركيس البوتاني

2018 / 11 / 21
الادب والفن


نور هذا المصباح باهتا
مثل وجه جدتي..
يوم تلقت خبر مقتل جدي
باهتا مثل ثوبي العتيق الذي يتمايل مع الريح. والقمر يرفض أن يكتمل هذه الليلة.والذئاب ترفض أن تسكت.عواءها الطويل يزيد من هم جدتي.وهمي.
وهذه العناقيد المعلقة بشجرة اللوز تتساقط حباتها الخمرية هنا وهناك.
تتناثر حول الشجرة. والثعلب رابضا بالقرب من الحظيرة. بأنتظار دجاجة ترفع رأسها.ولو بالخطأ.
و الديك يصيح معلنا عن قدوم فجر حزين.
وأنا جالسة عند النافذة عيناي مثبتتان على الطريق الذي يفضي إلى المدينة بأنتظار قدوم جدي لأحصل على البشارة من جدتي التي تكسر الخاطر.
وجدي الذي طال غيابه منذ أن ذهب ليقطع العسل في الجبال. لم يعد..وعصافة البيدر تراكمت عند مدخل الباب جاءت بها الريح يوم ذهب جدي ولم يعد وجدتي التي لم تفارق المكنسة يدها لم تعد تلمسها. وعندما أردت أن أكنسها صرخت بي قائلة لا يجوز كنس أمام الباب عند غياب صاحبه.
وجدي كعادته كان يذهب بين حين والأخر لقطع العسل وبعدها يأخذه الى المدينة ليبيعه ثم يعود بجيوب ممتلئة
سعيدا مرتاح البال.وعلى وجهه أبتسامته التي كانت تشرح نفس جدتي.
غير إن هذه المرة ذهب ولم يعد وعندما طال غيابه.
علقت جدتي مازحة من يعرف ربما عثر على أمرأة جميلة ويافعة كما تعلمين نساء المدينة ماكرات. أو ربما التقطته أرملة تعيسة ليغني لها أنتِ تعرفين صوت جدك الشجي يوجع القلب ويسلبه.
آه إينما كان لا يهم المهم أن يكون بخير.
وطال غياب جدي.
وجدتي المرحة طالها الحزن. أخرسها غياب جدي
لم تعد تخوض أي حوارمعي ولا مع جارتها الطيبة. وأنقطعت عن الأكل تقريبا.وإن أكلت تأكل بشهية مسدودة.
كماأنها أصبحت تسير على أطراف أصابعهاليلاً. تدور في البيت باحثة في حاجيات جدي. تنبش بأشياءه تدقق بكل صغيرة وكبيرة لعل تجد خيطا يوصلها إلى شيء ما
أي شيء له علاقة بأعاقةجدي من العودة. وحافظة نقوده الجلدية فارغة لا تحوي سوى على هويته كان قد عثر عليها مخبول القرية أثناء تجواله في الطرق الوعرة.
ذلك الطريق الذي كان يسلكه جدي غالبا عند ذهابه لقطع العسل ومنها إلى المدينة.
عثر عليه
مرميا بين الصخور وجاء به لجدتي تعرف على الحافظة رغم خبله.
لأن جدي كان يساعده كثيرا و كان يأخذه معه إلى الحقل في جني المحاصيل ويعطيه أكثرمما يستحق ومن يومها جدتي في حالة يرثى لها.
تارة شاردة وتارة.
تعدعدد الرجال الذي قتلوا على أيادي قطاع الطرق. ثم تصمت عاجزة. لأنهم أكثر من أن يعدوا.
وأمي لا تكف عن التلفنة كل يوم لتطمئن ان كان هناك خبر عن جدي وتطلب من يعيدني إلى المدينة. لأن المدارس على الأبواب والشتاء على الأبواب.
وجدتي تماطل تريدني بجانبها لحين عودة جدي وجدي لم يعد..وها هو شرطي مخفر الحدود يزف خبرا مطرزا بالأمل مفاده أن جدي عبر الحدود برفقة ثلاثة رجال غرباء.
وجدتي تكذب الخبر بالحافظة التي في جيبها وتؤكد أنه في مكان ما قريب من هنا. ومضى أكثر من شهرين والحال يزداد سوءاوأمي ترسل من يقلني إلى المدينة. لأن أبي مشغول وأخوتي التحقوا في الجيش.
وأمي بدأ القلق يفتك بها. عليه وافقت جدتي أن أغادر بصحبة أول قادم من المدينة ليقلني. وعندما كانت تلملم ملابسي وتدسهما كيفما أتفق في حقيبتي الصغيرة طرقوا رجال القريةالباب. وبرفقتهم مختار القرية الطيب وريئس المخفر الماكر. والمخبول الذي عثر على جدي مقتولا كما عثر على حافظته عثر عليه مرميا بين الاحراش على طريق الذي يفضي إلى المدينة وطلب من جدتي لترافقمها إلى مكان الحادث ليتأكد من أن الجثة هي لجدي. لأنها الوحيدة يمكنها التعرف عليه من خلال ملابسه أو أي . لان الجثة قد تشوهت وتحللت عصبت رأسها وذهبت معهم وبعدها بساعة عادت كانت شبه منهارة لأن الجثة تعود لجدي. نظرت إلي وعينيها مغرروقتين بالدموع وهي تشتم وتلعن من قاموا بقتله لأجل سرقة ماله ثم أخذت تصلي وتبكي. وأنا مصدومة عاجزة عن مواساتها فما كان مني وإلا أن أعد ملابسي إلى الخزانة ولأستعد لأستقبال أهل القرية والمعزين. ولا زلت أذكر كيف أكتظ البيت بالمعزين. قدموا من القرى المجاورة خلال ساعتين كان البيت يغص بأناس قدموا من بعيد والكل مستعداً للمشاركة بالدفن. وصل الخبر إلى أمي وأبي.و وصل بعد خمس ساعات ليقوما بالاجراءات اللازمة. وأقمنا عزاءا ثلاثة أيام كما هي العادة عندنا.وبعدها تفرقوا الجموع. ومكثنا عند جدتي أكثر من أسبوعين بعد أن رتبنا كل شيء لها. وغدت جدتي وحيدة بعد أن فقدت جدي وهاجروا أبناءها ومنهم ذهب للمدينة ك أبي. ومن يومها وأنا أتخيل جدتي جالسة عند عتبة الباب هادئة كعادتها مكتفية بذكرى جدي الذي لم ولن تعشق رجل سواه. أتخيل ذلك المصباح الذي يتمايل مثل جسدي النحيل حين أكون ثملة. ورغم مرور أكثر من عشرين عام على الحدث. وجدتي غادرت الدنيا بعد وفاة جدي بأشهر قليلة بعد أن ودعت المكان والناس. دفنت بجانبه. في مقبرة الكنيسة القديمة. واليوم لم يتبق من القرية سوى قبورمنبوشة.وبيوت مهدمة وبئر مهجور. وبيوت فارغة تنعب بها الغربان. أما نحن فلازلنا نقيم في المدينة. ولازالوا أخوتي في الجيش ولا زالت أمي تصلي صلاة الوردية على الأرواح التي زهقت بدون رحمة. تصلي لأجل وطنا لم يعد آمنا. وأنا اليوم ترملت قبل أواني بعدأن خطفوا زوجي ولم يعيدوه رغم أنهم حصلوا على الفدية.
ومن حسن حظي أنني لم انجب منه أولادا. على الأقل لن أمضي العمر وأنا أربي أيتاما للوطن كي يرسلهم إلى الحرب. أخدم أمي الطيبة. أشاركها في الصلاة هي تطلب أن يحفظ الله أخوتي وأنا أطلب الأمان الذي نسينا شكله.
و أن ننسى تلك الوجوه التي تذكرنا بقطاع الطرق.
رغم أنه صعب. لأنهم يطلون بوجوههم الحالكة طيلةالوقت على التلفاز والفرق بين قطاع طرق الأمس واليوم هو إن الأوليون لم يبرروا أفعالهم بطريقة مظللة. كما يفعلون هؤلاء اليوم ظللوا حتى الشيطان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر


.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش




.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص


.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود




.. تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على آلة العود.. الموسيقا