الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم السقوط... احتلال مدينة محتلة

كريم بياني

2006 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


نعيش هذه الايام الذكرى الثالثة لسقوط بغداد واحتلال العراق.
حاولت كثيرا أن اضحك على نفسي او اضحك على ذقون الاخرين كما يفعل بعض قادة العراق اليوم من خلال قنواتهم الاعلامية الممولة مباشرة من قبل المحتل؛ من أن بغداد لم تسقط لكن النظام هو الذي سقط، وان ماجرى كان تحريرا وليس احتلالا. متناسين ان المدن الحضارية عندما تسقط فأن سقوطها يكون مدويا ومزلزلا ومدمرا يعري كل شيء، ويكشف كل ماهو مستور من زيف وخداع وقذارة.
التاسع من نيسان كان سقوطا لمدينة ذات مجد حضاري، وكان سقوطا لرمز تاريخي، وسقوطا لعاصمة محتلة اصلا ارادت امريكا ان تعيد احتلالها لمعاقبة شعب مضطهد لانه لم يستطع ان يقاوم او يهزم الالة العسكرية والحربية التي كانت تزود النظام بها على مدى سنين عديدة والتي كرس النظام كل ترسانتها للقمع والقتل والتشريد والابادة ضمانا لبقائه وعلى مرأى ومسمع امريكا التي لم تحرك ساكنا لانقاذ هذا الشعب المغلوب على امره.
التاسع من نيسان كان سقوطا لنظام، بكل اجهزته القمعية والارهابية، بكل تماثيله واصنامه وشعاراته ألمهترئة، نظام جثم على صدر هذه المدينة الحضارية ومارس منها ابشع انواع التسلط والجريمة والعدوان على كل ما يمت الى الانسانية بصلة وطالت وحشيته حتى الحيوان والجماد، نظام قتل كل ما هو جميل فينا وداس كل قيمنا الاصيلة وأحال أحلامنا الوردية الى رماد.
التاسع من نيسان كان سقوطا لدولة بكل مؤسساتها الاقتصادية والخدمية والقانونية وبكل بناها التحتية، كانت محتلة من قبل نظام فاسد، عصابة مكونة من حثالة المجتمع جاءت بها امريكا لتغتصب دولة وتعيث فيها الفساد وتؤدي دورا مرسوما لها في التخريب والتاًمر وعندما انتهى هذا الدور كان لابد من السقوط وكان لابد ان تسقط تلك الدولة المحتلة ايضا وتحتل من جديد لكن هذه المرة مباشرة من قبل امريكا التي امعنت في تدمير هذه المؤسسات، في تواطؤ واتفاق مفضوح بين المؤسسة العسكرية الامريكية والشركات العاملة في مجال النفط ومجال المقاولات واعادة الخدمات، ليس هذا فقط لكن الهدف منها ايضا كان كسرا لأرادة الانسان وتهديد قيمه وتهيئة الارضية لحقبة جديدة هي امتداد للحقبة الماضية على صعيد التدمير والفساد والاجرام لكن بأسم الحرية والديمقراطية هذه المرة.
التاسع من نيسان كان سقوطا للاقنعة التي كان يختفي وراءها المعارضون للنظام، والذين اقتيدوا كي (يقودوا) بلدا مدمرا وانسانا منكسرا، نعم سقطت كل الشعارات التي كانوا يرفعونها باسم الحرية وخلاص الانسان ومصلحة الوطن العليا ونشر قيم العدالة والمواساة التي عبث بها النظام الدكتاتوري الدموي، سقطت كل شعارات الديمقراطية وتداول السلطة وبناء مؤسسات الدولة العصرية، فشلوا في اثبات كونهم رجال دولة تهمهم مصالح الوطن العليا، وأثبتوا ان هذه المصالح هو اخر شيء يتبادر الى مخيلتهم، وكأننا بهم قد جاءوا ليعوضوا منتقمين ما فاتهم في السنين السابقة من مكاسب ومصالح شخصية حرمهم النظام منها، فنراهم يتصارعون ويختلفون ليس على ممارسة الطرق والوسائل التي يمكن بها انقاذ الوطن من محنته وضمان ابسط متطلبات الحياة الكريمة لملايين الجياع والخائفين، لكنهم يتسابقون للفوز بالمناصب والمسؤوليات كي ينعموا بالفتات التي ابقتها لهم امريكا بعد ان نهبت كل ما لم يستطع النظام السابق ان ينهبه، وكأننا امام مسلسل للنهب والاستيلاء ولسنا بصدد أعادة بناء دولة وتسيير امور شعب مسلوب الارادة.
التاسع من نيسان كان سقوطا لكل مبررات الغزو، وانكشف زيف وادعاءات الغازين، فلم يكن الهدف هو ازاحة النظام ولم يكن تحرير العراق فهم يحتلون اليوم ليس الارض والسلطة بل كل ما يوحي الى سيادة للدولة او القانون، ولم يكن نشرا للحرية ومبادئ الديمقراطية وجعل العراق نموذجا يحتذى به بل اصبح العراق اليوم من اكثر دول العالم فسادا وفوضى. وبالتأكيد لم يكن انقاذا لهذا الشعب المسكين من رقبة الدكتاتورية، لان الممارسات القمعية والقتل اليومي الذي يمارسه المحتل فاق ماكان يرتكبه النظام الدكتاتوري، اضافة الى اصراره المستمر على بث بذور الطائفية والمذهبية بين ابناء الشعب.
التاسع من نيسان كان سقوطا لقيمنا الاجتماعية والتربوية والاخلاقية، فأنتشرت ظاهرة الفساد بجميع اوجهها الادارية والمالية والاخلاقية؛ في دائرة الاسماء والمسؤوليات الوظيفية العليا والمناصب (الرفيعة) في الدولة، وانتشرت الرشوة والسرقة والتهريب، اضافة الى المحسوبية والوصولية، حتى القادة الذين يدعون النزاهة ويطلعون علينا صباح مساء من على شاشات التلفزيون يلعنون الفساد والمفسدين، هم انفسهم يغضون الطرف عن فساد المحيطين بهم، فهم بذلك اكثر منهم فسادا لانهم يلعنونه لكنهم لايحركون ساكنا في ازالته وازالة جميع المفسدين الذين تغص بهم جميع مرافق ومؤسسات دولتنا المحتلة.
التاسع من نيسان كان سقوطا لجميع الاقنعة التي كان يختفي وراءها الطائفيون والمذهبيون وأكتشفنا فجأة أننا لانجيد فقط لطم الصدور وضرب الدفوف لكننا نمارس ونفس الاجادة ضرب الاعناق وتدمير المراقد والحسينيات والمساجد والكنائس.
التاسع من نيسان كان سقوطا لمعاني التفاؤل من مفردات خطابنا الادبي والثقافي، في خضم العتمة وهذا الفساد الذي بات يطال كل شيء، وهذه القيادات الهزيلة المتعكزة على المحتل، هذا القتل والتدمير المنظم، عصابات القتل والخطف، انهم يكملون ما انتهى اليه الدكتاتور من مخطط مدروس لتحطيم انسانية الانسان. قبل عشرين عاما كان صديقي يتعجب عندما كنت اسخر من تفاؤله وهو يتحدث عن الغد المشرق الاتي وعن الفرح، واليوم كثيرا ما اهاتف هذا الصديق واداعبه فيما اذا كان لايزال متفائلا، فيجيبني بتهكم شديد: جداً!!.
محزن ان تغادر معاني الامل والتفاؤل مفردات لغتنا نحن الذين يُنتظر منهم اشاعة بعض الامل في نفوس خائفة ومنكسرة.
كل سقوط وانتم متفائلون!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال