الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضوء المناقشات الجارية في مجلس الأمن حول العراق : الشركات الغربية ودورها في معاناة العراقيين

ناجي عقراوي

2003 / 3 / 21
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                     

يقول الكاتب و المؤرخ المعروف  توينبي بأن هناك فرق بين منتجات الحضارة و بين قيم الحضارية ، وأن أشياء من منتجات الحضارة قد تسبق الحضارة في الانتقال إلى ابعد من مكان الحضارة .

ثمة إجماع في أوساط الشعب العراقي بأن كبار طواغيت الشركات الغربية ساهموا  في بقاء النظام العراقي ، وبالتالي عملوا  في تعميق استمرار معاناة العراقيين ، و تأتي في المقدمة الشركات الألمانية و الفرنسية و الروسية خاصة و الغربية بصورة عامة  ، شركات هذه الدول  زودت مفردات و مرادفات الأجهزة الأمنية العراقية و الجيش العراقي   ، بأحدث ما أبدعته التكنولوجيا من أجهزة و مواد  في مجال القمع و التعذيب و القتل و الاغتصاب ، و تعتقد هذه شركات  بأنه لا توجد جهات عراقية أو جماعات عراقية تلجأ إلى إقامة دعاوى للتعويض عن الضحايا العراقيين الحاصلة نتيجة تعاملها مع النظام العراقي ، متناسية بأن عدم حصول تلك الدعاوى هي بسبب مشاكل و ظروف خارجة عن إرادتهم ، و لا يعني هذا  بأن التيارات  أو  الجماعات الوطنية العراقية قد تنازلت أو نسيت حقها، ويعلم العراقيون بأطيافهم جميعا ، بأن الدول و الحكومات التي  لا تتحرك عاطفتها لما يجري للعراقيين ، بأنها حكومات و جهات غير أنسانية ، و الساكت عن الحق شيطان اخرس. 

أن أنامل الحكومات الفرنسية و الألمانية و الروسية  المتعاقبة  مغروسة في الواقع الصعب الذي يعيشه العراقيون منذ وصول البعثيين  إلى الحكم ، المطلوب من الفاعليات العراقية  أن تبقي ملفات تعامل  هذه الدول  و شركاتها مع النظام العراقي مفتوحة باستمرار ، لتقتطف منها ما تؤكد حصول انتهاكات خطيرة ولإثبات  تورط جهات مسؤولة في هذه الدول  في سرقة أموال العراقيين و مساهمتهم  في معاناة الشعب العراقي .

حينما تتكلم هذه الدول  عن معاناة الشعب العراقي يكون عندها القول سهلا ، ولكن في حالة المطالبة برفع هذه المعاناة يكون رد فعلها صعبا من ناحية التجاوب مع معاناة شعبنا ، و السنين الماضية اُبتت بأن هذه الدول  لا تفعل إلا ما يزيد شعبنا العراقي قهرا على قهر ، كأنه لا يكفيهم ما يعانيه شعبنا من الموت و الاعتقال و الإذلال ، بل يتصرفون عن سابق تصميم بأنهم يريدون مضاعفة آلام شعبنا .

هناك عوامل عديدة تجعل هذه الدول  في موقع الدفاع المباشر عن نظام قد سقطت أوراقه، منها ما هو ظاهر و ما هو خفي ، الظاهر من هذه العوامل هو مسايرة الرأي العام الذي هو ضد الحرب كحرب و ليس الدفاع عن  نظام صدام حسين  ، أي مواقف عاطفية  من هذه الجماهير ربما كانت بعضها صادقة ، و لكنها في التحصيل الحاصل ليست عاطفة إيجابية لأنها تحول دون سقوط أشرس نظام عرفه التأريخ القديم و الحديث ، أما الخفي من هذه العوامل التي تدفع هذه الحكومات   للوقوف إلى  جانب النظام العراقي  ، هو وجود مشاركة   بمليارات الدولارات من الأسرة الحاكمة في العراق ومن المقربين منها مع كبريات الشركات في هذه الدول  ، بالإضافة إلى استلام مسؤولين كبار  في هذه الدول  من الساسة و رؤساء الشركات و من أعلى المستويات للرشاوى  و الإعانات من النظام العراقي خلال العقود المنصرمة . 

إن حلقات مؤامرات شركات الدول الغربية  ضد الشعب العراقي ليست بنت يومها بل هي تعود إلى عقود ، وما مطالبتها مؤخرا باستمرار احتواء العراق ، وبقاء المفتشين في هذا البلد لمنع تطوير و إنتاج الأسلحة المحرمة ، هي خدمة جديدة تقدمها   للنظام العراقي على حساب معاناة العراقيين ، مما حدى  بمستشارة الأمن القومي الأمريكي كوندوليزا رايس للقول ( يوم الأحد 2/2/2003 حيث نقلت هذه التصريحات جريدة الأهرام اليومية التي تصدر في القاهرة )  إننا نسمع البعض الذي يقول ربما يكون بإمكاننا احتواء النظام ، و لكننا نعرف انه لا يمكن احتواؤه ، و هناك البعض الذي يقول انه لا يمكنه تطوير أسلحته في الوقت الذي يوجد فيه المفتشون هناك وفي الوقت الذي نبقي فيه على العقوبات ، و لكن ماذا عن الشعب العراقي الذي يقال له يجب أن تبقى تحت العقوبات لأننا لا نستطيع التعامل مع هذا الدكتاتور القاسي .. الشعب العراقي يستحق افضل من ذلك ، ( انتهت التصريحات ) . 

 

كنا نصبح سعداء لو كانت هذه الدول  تعمل  بصدق لأبعاد شبح الحرب عن وطننا و شعبنا      ( الذي لا نريده لوطننا )  ، و العمل في نفس الوقت بخط موازي لرفع هذا الكابوس الجاثم فوق رؤوس و صدور العراقيين منذ عقود ، و المساهمة في تخفيف معاناة شعبنا ، و لكن التجارب السابقة و كل المؤشرات تشير بان غاية هذه الدول  هي ليست إبعاد شبح الحرب عن العراق ، بل الدفاع عن النظام العراقي و الحؤول دون تغيره ، وإبقاء الأوضاع على حالها ، نظرا لمتانة علاقتها  المصلحية مع النظام العراقي ، و لوجود لوبي قوي للنظام في هذه الدول ، وما تشير إليها وكالات الأنباء بين فترة و أخرى  بقيام هذه الدول  تزويد النظام العراقي بمكونات الأسلحة الفتاكة حتى بعد الحصار و منها قبل عدة اشهر ، هذه التصرفات دلالة على نوع توجهات ومواقفها  من النظام العراقي .

إن التاريخ الأسود لممارسات فرنسا في  أفريقيا  التي تدخلت في شؤون هذه الدول 160 مرة منذ ستينات القرن الماضي ، و ما جرتها ألمانيا على العالم من حربين عالميتين ، و ما مارستها روسيا في أوربا الشرقية   ، و إبادتها للشعوب و سلب قدراتها و سرقة خيارتها ، تتجلى حاليا في المآسي التي تعيشها شعوب كثيرة التي خضعت لاستعمار هذه الدول ، حيث قلعت شعوب من أراضها ،و ألغت دول من الخريطة ، وتركت مآسي على الأرض تندى لها جبين البشرية ، قامت بكل ذلك دون وازع أو ضمير ، لذا  نحن العراقيين لا نتوقع الخير من أحفاد هتلر ومن اخوة و أشقاء لوبين و فيشيه و أحفاد ستالين . 

جاء في التقرير الإستراتيجي لحلف ( الناتو ) في سنة 1998- 1999 ( أي قبل أحداث 11سبتمر في أمريكا بأكثر من سنة ) ، -- بان الهدف الرئيسي للحلف العمل في سياسة مشتركة للتصدي للخطر الذي تمثله أسلحة الدمار الشامل ، و يعتبر من الخطأ القول بأن التعاون الأمني في إطار الناتو أن يكون مقيدا بحدود مرسومة على أساس جغرافي ، في الوقت الذي تأتي التهديدات من اتجاهات كثيرة وفي أماكن عدة -- .

إن تهرب هذه الدول  من التزاماتها  مع الناتو في الحالة العراقية ، وحضورها  قبلها بقوة في الحالة الأفغانية ، دلالة على عمق مصالحها و قوة علاقاتها مع الأسرة الحاكمة في بغداد ، و المتفقة جميعها على بناء سعادتها على حساب بؤس العراقيين ، لذا يفسر المراقبون سياسة هذه الدول تجاه العراق ، بأنها سياسة محيرة الملامح متناقضة مع الواقع المأسوي الذي يعيشه الشعب العراقي ، أما الادعاء  بحقوق الإنسان و احترام الرأي العام ، فقد فقدت بريقها و تأثيرها بمظاهرها الخداعة ، لأنهم لم يتعالوا بصدق و نزاهة مع حقوق العراقيين ، أنهم  يذكرون   لين الأفعى و ينسيان سمها .

نحن العراقيين قد دربنا أقدامنا على مشاق الصعود و النزول ، و رأينا الكثير من اللؤم والخبث والمتاجرة بمعاناة شعبنا من القريب و البعيد ، و حينما تبدو لأعيننا معالم الطريق المأمون وهو آت لا ريب فيه ، حينئذ نطهر أرضنا من الإفرازات السامة و النباتات المتسلقة لهذه الدول أو  لغيرهم ، وذاكرة شعبنا تحتفظ بالكثير من أطماعهم و مواقفهم ، لأن  صراعنا إذا كان مع صدام حسين فانه معهم أيضا ، لأنهم هم الذين غذوا مفاصل أجهزة النظام القمعية بحقن المنعشة ، لذا يكون هنا ضروريا على القوى الحية لشعبنا العراقي الوصول إلى ميثاق شرف بعدم السماح مستقبلا ببقاء مصالح هذه الدول  في بلدنا ، وشعبنا في الداخل كفيل بطردهم بالعصي و بالأسنان ، كما طردت شعوب كثيرة الألمان من أوطانها بعد الحرب الكونية ، وكما يطرد شعب ساحل العاج  حاليا الفرنسيين و كما طرد الروس من أوربا الشرقية .

من حق ذوي ضحايانا المطالبة بالتعويض عن كل قطرة دم أراقها النظام العراقي بواسطة الأسلحة الفتاكة ، و التي حصل عليها من هذه الدول  ، لأننا لا ننسى مناظر اخوتنا و أهلنا وآهاتهم و حسراتهم و عيونهم  كانت تصرخ باللهفة للحياة ، في حين كان طواغيت المال في فرنسا و ألمانيا و روسيا و في الغرب ، يدخنون و يشربون و هم يمتصون قطرات من دمائنا ، وان غدا لناظره لقريب .   

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما حقيقة هبوط طائرات عسكرية روسية بمطار جربة التونسية؟


.. ليبيا: ما سبب الاشتباكات التي شهدتها مدينة الزاوية مؤخرا؟




.. ما أبرز الادعاءات المضللة التي رافقت وفاة الرئيس الإيراني؟ •


.. نتنياهو: المقارنة بين إسرائيل الديمقراطية وحماس تشويه كامل ل




.. تداعيات مقتل الرئيس الإيراني على المستويين الداخلي والدولي |