الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصادي الأمريكي إرفينغ فيشر يتحدى زوجته السكيرة

ابراهيم منصوري

2018 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


كان إرفينغ فِيشر (Irving Fisher) عالم اقتصاد أمريكي مرموق. في يوم سبت من أيام سنة 1910، دخل فِيشر إلى شقته المتواضعة بمدينة نيويورك مُحَملاً بأكوام من الأوراق المليئة ببيانات إحصائية حول الاقتصاد الأمريكي. كما هي العادة كل سبت، وجد زوجته الأرجنتينية بَاتْرِيثْيَا (Patricia) تترنح من شدة السكر فقالت له بالانجليزية: "Come to bed, Irving !". عقب الاقتصادي اللامع وكان يكره الخمر: "Please, Patricia, let me work - I have to process some USA economic data".

في مطلع القرن العشرين، كانت الحاسبات الإلكترونية (Calculators) أقل تطوراً من التي نعرفها اليوم. ونظراً لهذا الوضع، كان على الأستاذ فيشر أن يتعب كثيرا حتى يتمكن من معالجة البيانات الإحصائية (Statistical Data) التي جمعها بشق الأنفس. وعلاوة على هذه العراقيل، كانت باتريثيا السكرانة تشاكسه من حين إلى آخر فتزيد الطينة بلة.

تحلى فِيشر بالصبر والجلد وبُعْد البصيرة طيلة تلك الليلة وهو يحاول أن يفك شفرة اقتصادية هامة. لقد بدأ تحليله تلك الليلة انطلاقا من فرضية مفادها أن الكتلة النقدية المُتداولة (Money Supply) داخل الاقتصاد الأمريكي في تلك الفترة لا بد أن تعادل الدخل القومي (Domestic Income) للبلاد ككل.

قام فِيشر بحساب الدخل القومي الأمريكي مرات عديدة حتى يتأكد أكثر ثم ضاعف جهوده لتدقيق حساب الكتلة النقدية إلا أن تقديراته كانت تعطي دائما نتيجة غريبة مؤداها أن الناتج الداخلي الخام (Gross Domestic Product) أصغر بكثير من قيمة الكتلة النقدية. مرت الساعات والدقائق والثواني وكل الحسابات تعطي نفس النتيجة الغريبة. كان فِيشر يعمق تفكيره عله يصل إلى حل مُرضي بينما كانت باتريثيا تترنح حوله وتنغص عليه حياته : "Come to bed, Irving, are your data more interesting than me ?".

كان فِيشر لا يبالي بتوسلات باتريثيا ولا بصخبها الليلي (Night Fuss). لقد كان هدفه الوحيد تلك الليلة هو الوصول إلى تفسير منطقي للمتراجحة (Inequation) العجيبة التي لاحظها بناء على المعطيات التي جمعها والتي تقول إن الناتج الداخلي الإجمالي أصغر من الكتلة النقدية. مر الوقت بسرعة فائقة فنامت باتريثيا نوما عميقا دون أن تتمكن حتى من خلع حدائها ذي الكعبين الطويلين. خلع فِيشر حداء زوجته ثم غطى جسدها المُترنح وعاد إلى معطياته الإحصائية يحللها تحليلا ويفككها تفكيكاً.

بعد طلوع الفجر على نيويورك، أُوحِيَتْ إلى فِيشر فكرة هامة جدا: "لا يمكن للكتلة النقدية أن تساوي الدخل القومي لأن الدولار الأمريكي كما أية عملة وطنية يُسْتَخْدَمُ أكثر من مرة في عمليات التداول داخل الاقتصاد الوطني !". فكر فِيشر ملياً ثم كتب: "لكي نتمكن من تحويل المتراجحة إلى معادلة، يجب أن نضرب الكتلة النقدية في سرعة تداول النقود (Money Velocity) أي عدد المرات التي تمر فيها النقود من يَدٍ إِلَى يَدٍ".

تملك الفرحُ فِيشر إلى حد الهذيان فدمعت عيناه ثم صرخ بأعلى صوته على طريقة أرْخِيمِدِيس: "وَجَدْتُهَا، وَجَدْتُهَا Eurêka, Eurêka !!". استفاقت باتريثيا مذعورة ورائحة الخمر تفوح منها فقالت: "لقد سمعتك يا إرفينغ تهذي كالسكران مدعياً أنك وجدت شيأً هاما جداً؛ أَوَجَدْتَ كنزاً يُغْنِينُا من العوز؟ أسنصبح أغنياء؟". ضحك فِيشر حتى بَدَتْ نواجذه فعقب قائلاَ: "الآن عرفت لماذا تكون الكتلة النقدية أصغر من الناتج الداخلي الخام، كما عرفت كيف أحول هذه المتراجحة إلى معادلة مفيدة جداً بالاعتماد على مفهوم سرعة تداول النقود". أجابت باتريثيا ساخرة: "كم أنت سخيف يا حبيبي يا إرفينغ، الرأسماليون يجمعون الأموال ويتداولونها بينهم وأنت تحسب سرعة تداولها دون أن تحصل حتى على سِنْتٍ وَاحِدٍ !". فكر "فِيشر" طويلاً ثم عقب: "تفكيرك يا حبيبتي لا يكاد يتعدى ما هو أقرب من رِجْلَيْكِ ! ربما يُفِيد اكتشافي هذا في تحسين توزيع المداخيل بين فئات المجتمع الأمريكي !".

في فترة لاحقة، نزلت الأزمة المالية الحادة لسنة 1929 بكل ثقلها على الاقتصاد الأمريكي، فبدأ فيشر يشرح جذورها فقال : "إن السبب الرئيسي للأزمة يتمثل أساساً في تعاطي الأمريكيين للخمر بكل أصنافه لأنه يشجع على الكسل وضعف الإنتاج، وأرى أن الحل يكمن في منع صنعه وتوزيعه (Prohibition) !".

حرمت الحكومة الفدرالية الخمر على الأمريكيين طِبْقاً لآراء فِيشر إلا أن الأزمة استفحلت أكثر وزاد معدل البطالة. قبل وفاة فيشر سنه 1964، أدلى بتصريح شهير قال بموجبه: "لقد كنت مخطئاً عندما دعوت إلى تحريم الخمر؛ الآن عرفت أن الاقتصاديين يجب أن يفتشوا على أسباب أخرى أعمق !!".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة