الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن التنمية وضرورات العودة إلى الجذور

محسن أبو رمضان

2006 / 4 / 12
القضية الفلسطينية


في إحدى حلقات النقاش الهامة التي يبادر لها برنامج دراسات التنمية – جامعة بير زيت- والتي كانت بعنوان" قراءة في برنامج الحكومة الفلسطينية " طبعاً الجديدة والتي ترأسها حركة حماس، تساءلت عن الفائدة المرجوة لقراءة البرنامج عدا الفائدة المنهجية والبحثية والتي هي هامة في مجال السجال الفكري والثقافي، ولكن هل المسألة تكمن بالبرنامج،؟؟ أم بالبيئة التنموية المناسبة والتي يمكن بها تطبيق هذا البرنامج من قبل الحكومة أو أية حكومة أخرى؟؟ الأمر الذي دفعني إلى حث أصحاب الرأي والعاملين في المجال التنموي والمهتمين به والباحثين على ضرورة إعادة تأصيل المفاهيم التنموية بالاستناد إلى طبيعة وخصوصية المرحلة التي نعيشها بما أنها مرحلة تحرر وطني أساساً،يجب أن توظف بها كافة المفاهيم والمؤسسات كأدوات وروافع لتحقيق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال.
من الواضح أن بيان الحكومة الجديدة، كان واسعاً وشاملاً ويغطى كافة جوانب الحياة، وبأنه برنامج يبتعد عن الخطاب العائد لحركة سياسية تنتمي إلي قوى الإسلام السياسي أي أنه يبتعد عن العقائدية بقدر ما يقترب إلى حد ما من المفاهيم الحداثية التي تؤكد الاستثمار بالبشر وتنمية رأسمالي الاجتماعي، وأسس التنمية الإنسانية، وتقر بمبدأ الحقوق إضافة إلى ضرورة التصدي لمشكلات الفقر والبطالة وضمان الإدارة السليمة والشفافية بهدف مكافحة الفساد وهدر المال العام ، والاستناد إلى حكم القانون وإنهاء الفلتان الأمني ،وهذا بالمناسبة خطاب شبيه بخطاب القوى والكتل الانتخابية التي خاضت غمار العملية الانتخابية الأخيرة والتي تمت بنجاح يوم 25/1/2006 .
وتعتمد البيئة التنموية الفلسطينية على ثلاثة عناصر أساسية متداخلة لا يمكن ان تتحقق التنمية بدونهما وهم:-
أولاً : التخلص من الاحتلال وضمان حق شعبنا في تقرير مصيره بما يضمن السيطرة على الموارد وكذلك المعابر والحدود والتحكم بالمنافذ والحركة والتبادل .
ثانياً: العمل على توفير منظومة من التشريعات والقوانين والسياسات البعيدة عن الاحتكارات والجاذبة للاستثمار الخارجي والمشجعة للقطاع الخاص في إطار إشراف الدولة كراعي اجتماعي ومعززة بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني.
ثالثاً: جذب التعاطف والإسناد الدولي وخاصة إذا أدركنا أن جل الخزينة يعتمد على المساعدات الخارجية والتي من الواضح أنها جاءت لاعتبارات سياسية ،وعلى خلفية توقيع اتفاق أوسلو بهدف تشجيع مناخات الاستقرار والهدوء.
وإذا حاولنا إجراء عملية تفكيك بسيطة للعناصر الثلاث الأساسية المؤثرة بعملية التنمية في فلسطين والمذكورة أعلاه فإننا نجد أنها لا تساهم في توفير البيئة التنموية المناسبة، فما زال الاحتلال جاثماً على الأرض الفلسطينية ويحاول فرض الحل الانفرادي أحادي الجانب عبر تبديد الهوية الوطنية الفلسطينية ومشروع الدولة المستقلة القابلة للحياة والمتواصلة وذلك من خلال سياسة المعازل والكنتونات، كما عمق الاحتلال تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل وأبقى البنية الاقتصادية مستهلكة وغير منتجة وذات بيئة مشوهة، وقد تعزز ذلك عبر بروتوكول باريس الاقتصادي ،كما أن المؤسسة الفلسطينية تعاني حالة من الإرباك والازدواجية والتداخل بالصلاحيات، حيث نشهد حالة من التجاذب بين كل من مؤسستي الرئاسة ومجلس الوزراء فيما يتعلق بالصلاحيات ، كما أن الأداء المالي والإداري السابق غير محفز للقطاع الخاص في ظل آليات الاحتكار بالإضافة إلى ضعف تأثير المجتمع المدني الذي يعاني هو الآخر من التفتت والتشرذم، وغياب الرؤية الموحدة والواضحة خاصة في ظل تعددية الجذور الفكرية والسياسية لقوى وهيئات المجتمع المدني وضعف إشراكها وتمثيلها للفئات الاجتماعية المستهدفة وكذلك ضعف مسار التحول الديمقراطي في بنيتها الداخلية وضعف درجة استقلاليتها عن التأثيرات سواءً الإدارية أي داخل مبنى النظام السياسي نفسه أو تأثيرات المانحين ، وعدم قدرته على بلورة آليات تمكينية ذاتية تجنبه استمرارية الاعتماد على الممول الخارجي ، كما يشهد المجتمع المدني حالة من الضعف بالتنسيق بينه وبين وزارات السلطة المختصة ايضاً.
أما فيما يتعلق بالعنصر الثالث والمحدد بالعامل الدولي والمجسد بالمساعدات المالية، فقد اتضح جلياً البعد السياسي لهذه المساعدات، وليست تلك المستندة إلى معايير ومبادئ حقوق الإنسان بما في ذلك الحق بالتضامن الإنساني للشعوب التي تعاني من الكوارث والتي تقع تحت الاحتلال، فهاهي دول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعلن تعليقها للمساعدات للسلطة والتي تطالبها بتنفيذ استحقاقات سياسية معينة أصبحت معروفة للعيان، بالوقت الذي تغض به النظر عن الممارسات الاحتلالية المفروضة على شعبنا عبر الحصار والقصف المستمر على قطاع غزة وكذلك الإغلاق وتجميد تحويل المقاصة إضافة إلى إجراءات تقطيع أوصال الوطن والتي كان آخرها ضم مساحات واسعة من الأغوار وتحويل معبر قلنديا إلى معبر حدودي دائم .
وعليه وفي إطار هكذا بيئة وعوامل غير مساعدة أو مشجعة على عملية التنمية بالمفهوم الاقتصادي الاجتماعي الشامل ، فإننا بحاجة إلى إعادة تأصيل المفهوم التنموي الفلسطيني ليبقى قائماً على قاعدة التنمية الانعتاقية والتي تجمع بإبداع بين ممكنات البناء الذاتي بما يشمل من ترتيب البيت الداخلي والبناء المؤسساتي، والاتفاق على رؤية مشتركة وتعزيز عملية التحول الديمقراطي والمشاركة وبين الأهداف التحررية الوطنية ، على أرضية عدم القدرة على تحقيق التنمية بدون إعمال إعلان الحق بالتنمية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وبوصف التنمية جزءً من حق الشعوب في تقرير المصير بما يتضمن حقها في اختيار المسار التنموي الذي تريده دون وصاية أو تأثيرات لا تنسجم بالضرورة مع أجندتها وأهدافها المحلية والوطنية .
نحن بحاجة إلى العودة إلى الجذور والتعامل مع التنمية كمشروع للصمود الوطني وكرافعة للتحرر من النسق الاحتلالي لصالح النسق التحرري الوطني الأمر الذي يتطلب بلورة الآليات والأدوات التي تساعد على تحقيق تلك الأهداف بعيداً عن أية أوهام فنحن ما زلنا سلطة محاصرة لا تملك مقومات السيادة وما زال الاحتلال جاثماً ويتحكم بقوت أطفالنا عبر سيطرته على المعابر وما زال المجتمع الدولي لا يتحرك إلا بقدر ما يفيد تحركه أهدافه السياسية وليس بالاستناد إلى معايير التضامن المستندة إلى مبادئ حقوق الإنسان .
صحيح أنه من المفيد أن تستند البرامج للحكومات الفلسطينية لمتطلبات التنمية البشرية ولحقوق الأجيال القادمة وآليات الاستثمار بالإنسان ورأسمال الاجتماعي وتستند كذلك إلى رؤية تنموية شاملة ومتكاملة تعزز الشراكة بين القطاعات المؤثرة بعملية التنمية ولكن الصحيح كذلك بأنه أي برنامج لأية حكومة لن يستطيع أن يحقق أهدافه في ظل بيئة تنموية غير مهيأة أو مساعدة على تحقيق التنمية المستندة إلى مبادئ التنمية الإنسانية ،وعليه فمن الضروري والحالة هذه العودة إلى الجذور فهل نستطيع؟؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل