الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها الجعفري لاتنسحب

صائب خليل

2006 / 4 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قبل كل شيء اقول انني لست من المعجبين بسياسة رئيس الوزراء على الإطلاق, وقد اشرت الى ذلك في اكثر من مقالة. لا قراراته السياسية تدل على الفطنة ولا تصريحاته الإقتصادية تبعث على الإطمئنان ولا مواقفه مع الأمريكان والبريطانيين تدعو الى الإعتزاز, ورغم ذلك اقول له: لاتنسحب!

انا افعل ذلك ليس دفاعاً عنه وإنما دفاعاً عن العراق والديمقراطية التي ما يزال فيها نفس روح وبصيص امل.

اقول ذلك في الوقت الذي يشتد فيه الضغط عليه ويتهم بالعناد والتمسك بالمنصب, ويتكاثر الناصحون والراجون والمتهمون من كل صوب, حتى كأن الجعفري صار حجر عثرة في طريق مسيرة العراق, يريد "الجميع" ازالتها عدا من انتخبه, وقد انتخبته اغلبية من هذا "الجميع".
لم يتهم الجعفري وحده بالعناد؟ العناد يحتاج دائماً الى طرفين, فلم يطالب الجعفري وحده بالتخلي عن عناده؟ وهل الجعفري خطر الى تلك الدرجة بحيث يستحق الفرق بينه وبين البديل المرشح المخاطرة بالعراق؟ اعطوني نقطة ضعف في الجعفري, وسأعطيكم اثنتان اكبر منها لدى كل من المرشحين البدائل!

كثرما هممت بكتابة مقالة لإنتقاد الجعفري, فتنفجر حملة اكاذيب ضده فاتردد خشية ان احسب على الحملة الظالمة عليه وعلى حكومته التي لم تكن ممتازة هي الأخرى: "الزمان" تخدع قراءها بصلافة فتشير الى لص هارب باعتباره رجل حكومة مهم, صحفي يستدل على طائفية الجعفري من اسمه, اتهامات بتهريب اربعة او خمسة تانكرات مليئة ببطاقات الإنتخابات من ايران (اي اكثر من عدد افراد الشعب العراقي) ثم يختفي المتهمون بها, مئات التصريحات المثيرة "لمصدر رفض ذكر اسمه" وغيرها كثير.

يتصور الكثيرين ان الديمقراطية يجب ان تأتي لهم بالضرورة وفوراً بالحكومة المثالية والرئيس المثالي والوزير المثالي... وهم في ذلك في خطأ فادح, فالديمقراطية لن تقدم الا انعكاساً لمكونات المجتمع, وليس لها ان تقدم افضل منه كثيراً او اسوأ دون ان تتحول الى دكتاتورية بدرجة او بأخرى.
أن ميزة الديمقراطية ليست في مثالية نتاجها, ولكن في مشاركتها جميع الناس في مسؤولية حكم نفسهم. لذلك فهي تبدأ بإبراز كل اشكالاتهم وتناقضاتهم وتدفع بها الى السطح. إنها لا تخلق المشاكل لكنها تثير الموجودة منها وبذلك قد تزيدها او قد تساعد على حلها.
وللديمقراطية ايضاً ميزة القدرة على التعلم والتطور من خلال تعلم الناس ان ينتخبوا افضل في المرة القادمة.

ليست الديمقراطية ربحاً مباشراً للجميع, ففيها خاسرون كثيرون ايضاً. لكن هؤلاء الخاسرون الديمقراطيون يحترمون قواعد اللعبة ويدركون ان عليهم التحلي بالصبر والعمل من اجل المرة القادمة, وليس ابداع الإختراعات لضرب الديمقراطية التي لم توصلهم الى السلطة. إختراعات مثل تعابير "حكومة وطنية, لاتتجاهل نتائج الإنتخابات" التي اخترعت في العراق وراح يرددها الكثيرين بببغاوية لاتدرك خطرها.

"لاتتجاهل نتائج الإنتخابات؟" اهذا كل الإحترام لرأي الناس التي شاركت الديمقراطية وخاطرت بنفسها لتنتخب؟ من انتم ايها الساسة المنتخبون وما قيمة اي منكم غير ما اعطته لكم نتائج الإنتخابات التي لم تعد تستحق منكم أكثر من الوعد بـ "عدم التجاهل"؟

يستند السياسيون العراقيون في لعبة "الحكومة الوطنية التي لاتتجاهل نتائج الإنتخابات" الى نواقص الديمقراطية. فبدأً هناك القول بأن عملية الإنتخابات لم تكن نزيهة. ولايمكن نكران ذلك بالطبع, فجميع الكتل الكبيرة (اي كل الكتل القادرة على ذلك) حاولت غش الإنتخابات على ما يبدوا, بل تم ايضاً اغتيال مرشحين وعاملين في مكاتب التصويت. فقد توجهت الجهود الى التسابق على الغش وليس على منع الآخرين من القيام به.

لاتحرق بيتك لتخيف الفئران

يطبق الغرب هذا المثل على بيته لكنه بالطبع ليس مهتماً بالحريق ان اشتعل في بيوت الآخرين. فخليل زاد, رجل شركات النفط, يريد منا ان نكون مثاليين بحيث ان وزير الداخلية العراقي يجب ان ينال رضا دافع الضرائب الأمريكي! وكونداليزا رايس ووزير الخارجية البريطاني يريد لنا رئيس وزراء "قوي", ويريدان حكومة تشمل كل الطيف العراقي بلا استثناء. لاحظوا ان هذه المطالب المثالية تأتي من اكثر الحكومات الأمريكية والبريطانية فضائحية في التأريخ الحديث حتى ان برنامجاً عرض في هولندا يبين ان الفضائح التي احاطت بحكومة بوش تزيد عن تلك التي ادت الى اسقطت نيكسون في ووتركيت, الأ ان جو "الحرب على الإرهاب" وقوانينها يغطيان على كل الأكاذيب.

وأنا اكتب هذه الكلمات انتظر نتائج الإنتخابات التي تجري اليوم في ايطاليا, وهي بلد اوروبي غربي ديمقراطي منذ زمن طويل. احد المتسابقين هو برلوسكوني. لص كبير يرتبط بالمافيا ومتهم بتهم عديدة من بينها رشوة عدد من القضاة. انه يرتعد من احتمال مجيء اليسار ويقول للإيطاليين ان الشيوعيين في الصين كانوا يطبخون الأطفال ويدفنوهم سماداً لمزارعهم.

في هولندا يجيء بين الحين والآخر سياسي يطالب بتشريع العنصرية بصراحة عن طريق الغاء المادة الأولى من الدستور الهولندي, ليصعد بذلك في الإستفتاءات وليحصل على المقابلات التلفزيونية ويحصل او يهدد بان يحصل على العديد من المقاعد في البرلمان. بعد سنة من الآن ستجري الإنتخابات الهولندية وسيكون "ويلدرز" حامل راية تشريع العنصرية.
تتسابق مع ويلدرز وزيرة التكامل الإجتماعي لرئاسة حزب الليبراليين من خلال التفاخر بعدائها العنصري للمهاجرين و تأريخها من المواقف القاسية معهم.

في فرنسا هناك "لوبان" وفي النمسا هناك "هايدر" وفضائح المال شملت ربما جميع الحكومات اليابانية والكورية الجنوبية ويعتمد رئيس وزراء استراليا على مشاعر شعبية عنصرية....

وفي اميركا يحكم رئيس يعتقد ان الله ارسله لحكم العالم..

ومثلما يكره اليسار كل هؤلاء يرتعد اليمين اليوم في دول كثيرة اوروبية وغير اوروبية من احتمال انتخاب حكومات يسارية كما يحدث الآن في ايطاليا, وكما يرتعد اليمين في هولندا وفي بيرو.

لكن لا اليسار ولا اليمين يحرق بيته بل ينتظر الفرصة التالية لوضع الحكومة التي يراها مناسبة للبلاد.

ان المطالبة بالديمقراطية المثالية قد يكون دافعها الحرص على الحصول على حكومة افضل, لكنها قد تهدف ايضاً الى تحطيم الديمقراطية من خلال مطالب تعجيزية في ظروف بعيدة عن المثالية فما الهدف من الحملة ضد الجعفري وأين تتجهون بالعراق ايها "الليبراليون" و "اليساريون"؟

اطالب الجعفري ان لاينسحب لأن هزيمته ستجر نتائجها على المرشح التالي الذي رأى بعينيه ما حصل لصاحبه, وبذا سيكون شديد التساهل مع كل ما يريده الأمريكان. كما ان هذا لن يحصل على دعم متحمس من الإئتلاف الذي يرشحه لأن الإئتلاف سيشعر ان رئيس الحكومة هذا جاء بالرغم منهم. هذا الإنسحاب سيكون الحركة الأولى في انهيار الشرعية واستسلامها للإرادة الأمريكية.

أطالب الجعفري بعدم الإنسحاب لأن صراعه اليوم يمثل الصراع بين من اختاره الشعب العراقي وبين من اختاره زلماي خليل زاد. فأن كسب زاد الصراع, فلن يقتصر الأمر على هزيمة ارادة الشعب العراقي في اختيار زعيم حكومته, بل انها ستكون سابقة خطيرة وإهانة الى الشعب العراقي الذي سيفقد المزيد من ثقته بالديمقراطية, ويدفع به الى اليأس اكثر مما هو يائس. ومن ناحية اخرى فأنها تمثل اشارة الى السياسيين العراقيين ان لايتوهموا ان ارادة الشعب تكفيهم لكي يحكموا ان تم انتخابهم, و أن رضا زلماي خليل أهم من رضا الشعب, ولذا فعليهم ان يسمعوا كلامه مستقبلاً. إنها معركة رموز ايضاً وفيها ستتحطم رموز وترتفع رموز.

هذه هي النتائج التي اخشاها من انسحابك ايها الجعفري, لذا ارجوك ان لاتنسحب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر