الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رغبة في البكاء أيضا

عباس خضر

2003 / 3 / 21
الادب والفن


 

أسيرُ...
ولي رغبةٌ في عناقِ القطاراتِ السريعةِ مِن الأمامِ،
لي رغبةٌ في الركضِ بالاتجاه المعاكسِ للخطِّ السريعِ،
لي رغبةٌ في مشاكسةِ الجدارِ برأسِي حتى يسقطَ أحدنا،
لي رغبةٌ في التدلّي من طرفِ الضوءِ عارياً كما خلقتني،
لي رغبةٌ أنْ أعودَ لأمِّي، فلا أُولدُ مرة أُخرى،
لي رغبةٌ أنْ أخطفَ المدينةَ وأعلّقني في عنقِها أبداً،
لي رغبةٌ أنْ أقتلَ ايكاروسَ وأشوّه هاملتَ على هواي،
لي رغبةٌ في البكاءِ حتى تغرقَ المدينةَ


أسيرُ...
وأقدّمُ للقادمينَ دونَ أغانٍ وصلةَ رقصٍ في العرباتِ،
وأمضي، وإنْ كانت المدينةُ بعيدةً...
وأتدثرُ بلهفةٍ تملأُ الـ(هناااا ك)، كلّما جُنّ الليل…
وأسيرُ لأشجاري التي تملأُ أرضَ القيامةِ دونَ حروفٍ،
فلطالمَا هفا المسيرُ لسقوطٍ ضخمٍ على الرخامِ،
ولطالما هفا القلبُ لبياضٍ سادرٍ حتى النخاع


أسيرُ...
وما من مدينةٍ لعيوني،
ما من قبرٍ في الأجسادِ الصاهلةِ جنبي،
ما من امرأةٍ تقدرُ أن تشعلَ فتيلَ لهفتي مرةً أخرى،
ما من قدرٍ عظيمٍ يوازي حرائقي،
ما من موتٍ أثيرٍ يلمُّ حثالةَ بقائي لصورةٍ أنيقةٍ،
ما من شيءٍ بعدَ اقترابِ الخريفِ من نهايةِ المقهى،
شاهدوا:
وريقاتي تسقط،
وجهي يهبُ عبثَهُ للعواصفِ،
الخطُّ الأسودُ يسقط،
المرأةُ التي تشبثتْ بأزرارِ قميصِي الأخير،
معطفي،
والمدينةُ تسقط  ...
سلاماً إذن،
 سلااااااما،
أيُّها البقاءُ،
سأضربُ كتفكَ بقدمٍ واحدةٍ لا أكثرَ،
فالطريقُ نحوَ الماءِ بعيد،
وليس لي غيرُ دقائقَ معدوداتٍ ولكنْ من مستحيلٍ،
وقدمٌ وهبتُها للسقوط


أسيرُ...
والآلاف تمرُّ. . القوافلُ، الرصاصُ، الرملُ، الحمائمُ  والمحار ...
يمرُّ... الحزن، المدى، السماء  والنجوم ...
يمرُّ... الخوارج، القرامطة، الزنج، الهيبيون، النازيون، العاشقون، الثوريون، اللوطيون، القتلى، الجلادون ...
تمرُّ... راياتٌ سودُ، بيضُ، قوسُ قزحٍ، لونُ الماءِ، لونُ الدم ...
يمرُّون...
والمدينة هي،
بمراثيها وأغانيها،
في حرائقها وطوفاني،
في طوفانها وحرائقي،
في رحيلي وبقائي
المدينة هي،
وأنا الخرائطُ
وزعتُ على الأرضِ خلاياي ...
وسرتُ


أسيرُ...
وروما الجميلة بطولِ الوجعِ أضواءٌ خافتةٌ في الثيابِ،
شعرٌ أسودُ يبحثُ في الليلِ عن رباطٍ للصباح،
معطفٌ للشوارعِ لئلا يطالُها البردُ في الشتاء،
وأنا بعثرةُ المدينةِ هناااااااااااااااااااااااااااااااااك
يا روما الجميلة، روما القريبة، روما البعيدة!
أما من حجرٍ؟ لأهبَ الآلهةَ لعنةً في الجبينِ…
أما من حجرٍ؟ فالبحرُ لعنةٌ أُخرى بيني وبينَ واليابسة…
أما من حجرٍ؟ فقد عاهدتُ الشوارعَ أن أعانقَ في شهقةِ الصباحِ مثواي…
يا روما الحزينة، أمَا وصلتُ إلى وجعي؟
أم سيعودُ بي الطريق مرة أُخرى إلي؟!
 

أسير...
وما من وطنٍ للآلهةِ
ما من حجرٍ للجبينِ
ما من وطنٍ للحمائمِ
ما من حجرٍ للبقاءِ
ما من وطنٍ للعاشقِ
ما من حجرٍ للحكايةِ
ما من وطنٍ للملائكةِ
ما من حجرٍ للريحِ


أسيرُ...
وأطرقُ الأبوابَ
الواحدَ تلوَ المدينةِ،
فلم يجدني أحد،
ولم أجدني مرمياً هنا أو هناك،
ولم يكن الطريقُ، ولو مرة واحدة،
غير نهايةِ الطرقاتِ


أسيرُ...
ولي رغبةٌ هائلةٌ في عناقِ القطاراتِ السريعةِ من الأمام...
رغبةٌ في الصراخِ حتى تتصدع المدينة
   


شاعر وكاتب عراقي مقيم في ألمانيا
[email protected]
                          

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان