الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في النموذج الثقافي التونسي (الماضي و الحاضر)

بلال المزوغي

2018 / 12 / 3
الادب والفن


في بداية هذ المقال ، سنقوم بتحدبد مفهوم الثقافة و ذلك بالرجوع إلى التعريف التايلوري الشهير لهذا المفهوم في كتابه الثقافة البدائية سنة 1871 حيث أكد على أن " الثقافة أو الحضارة بالمعنى الأثنوغرافي الواسع هي المجموعة المعقدة التي تشمل المعارف و المعتقدات والفن والقانون والأخلاق و التقاليد وكل العادات التي يكتسبها الإنسان كعضو في مجتمع ما"( 1) . و يمكن أعتبار هذا التعريف يندرج ضمن التعريفات الرسمية التي أعتمدت لدى المنظمات الدولية ، و خاصة منها اليونسكو. كما يمكن تعريف هذا المفهوم أنطلاقا من التعريف الذي قدمه محمد عابد الجابري في كتاب المسألة الثقافية عند قوله بأن الثقافة هي " مركب متجانس من الذكريات و التصورات والقيم و الرموز و التعبيرات و الإبداعات "( 2) . تتفق هذه التعريفات في مجملها على أن الثقافة هي كل ما يكتسبه الفرد من عادات و تقاليد و نظم أنطلاقا من علاقاته و تفاعلاته داخل الكل الأجتماعي ، وهي أيضا الذاكرة و الروح الجماعية التي تميز مجتمع معين على غيره من المجتمعات أي بأختصار كما سماها ليفي ستراوس "كل ما ينضاف على الطبيعة ".
و أنطلاقا من هذه التعريفات النظرية يمكن أن نستخلص بأن لا يوجد شعب دون ثقافة ، و أنها غيابها يؤدي بالضرورة إلى حالة من فقدان هذا الشعب لوجوده داخل العالم و التاريخ . لكن يبقى السؤال كيف تحافظ الشعوب على ثقافتها خاصة في ظل تنامي سؤال الهوية و تمدد الحركات الأصولية ، ؟ إلى اي مدى نجح النموذج التونسي في بناء ثقافة وطنية أنخرط فيها الشعب؟ و ماذا تبقى لنا من تمثلات هذه الثقافة الآن ، خاصة في ظل تنامي الفكر المتشدد و مواجهته لكل عمل ابداعي متحرر ؟
يمكن أن نبدأ تحليلنا للنموذج الثقافي التونسي بقاعدة أن كل الشعوب تقاس بثقافتها و مثقفيها ، و تونس كانت رائدة في هذا المجال منذ بداية دولة الأستقلال و بداية التفكير في " تونسة " المشاريع الوطنية الكبرى من ثقافة ، تعليم ، قضاء ، إدارة . و هذه " التونسة " تطلبت برامج وطنية تنفذها الدولة و ينخرط فيها الشعب و النخبة ، فكانت المبادرة في المجال الثقافي خلال السنوات الأولى من الأستقلال في بناء ملامح " الثقافة القومية " التي تقوم على التوفيق بين التراث الوطني و التمشي التحديثي ، و ذلك عبر تولي " الشاذلي القليبي " لوزارة الشؤون الثقافية كأول وزير بعد الأستقلال حيث قال أمام مجلس الأمة " حاولنا أن نفسح أمام الشباب أبواب النشاط الثقافي على قدر طاقاتهم و بحسب متطلبات تكوينهم ....."
إضافة على ذلك تمظهرت ملامح السياسة الثقافية الوطنية عبر تكوين الفرق الوطنية للمسرح ، الموسيقي ، السينيما . إضافة إلى الأنخراط في بناء "دور الشعب "التي أصبحت فيما بعد دور الثقافة ، و ذلك عبر التأثر بالنموذج الفرنسي و الأنخراط في تأسيس قيم الثقافة الوطنية في بعدها التاريخي و الحضاري و القيمي .و جعل الثقافة متاحة لكل التونسيين .
لقد أنخرطت دولة الأستقلال في "الأسثمار "في الفكر و المعرفة ، رغم أن ذلك كان نسبيا ، لكن على الأقل وجدت نخبة و إرادة سياسية كانت حاملة لمشروع مجتمعي كامل مثل الحصانة الفكرية للحركات الرجعية التي ما أنفكت أن تعطل كل مشروع حداثي تقدمي لهذا الشعب .لقد كانت نونس مستوعبة لفكرة الانفتاح و بضرورة الأنخراط في التجارب الأوروبية الناجحة آنذاك في حميع المجالات ، فكانت سباقة عربيا في بناء دور للثقافة كفضاءات للتعبير الحر و للأبداع ، و ذلك في إطار رهان سياسي يقوم على دمقرطة الثقافة اي جعل الثقافة مفتوحة لجميع الفئات الأجتماعية و متاحة لكل التونسيين. و لقد كانت هذه السياسة الثقافية متأثرة باالنموذج الفرنسي الذي ظهرت ملامحه في سنة 1959 عندما تولى الروائي الفرنسي" آندري مالرو" وزارة الثقافة الفرنسة (3) .
لقد كانت التجربة التونسية في المجال الثقافي لدولة ما بعد الأستقلال رائدة و حاملة لمشروع مجتمعي يقوم على الأنفتاح و التنوير ، لكن هذا لا ينفي نسبيتها و عدم وصولها إلى الغاية الرئيسية طالما أن هذه الثقافة أرتبطت فيما بعد بما هو سياسي ، و تحولت من ضرورة مجتمعية لتكريس مبدأ الابداع و الحرية و "تثقيف "الشعب إلى آلية من آليات الهيمينة السياسية ، و هذا ما يفسر الأزمات السياسية التي شهدتها تونس و تزايد الحركات الأجتماعية الرافضة للنموذج الواحد سواء الثقافي ، السياسي ، التي ظهرت خاصة في السبعينات و الثمانينات.
أما اليوم و في ظل تزايد الحركات الأصولية و تنامي خطاب التكفير أصبحت المهمة الموكولة للثقافة و للمثقفين أكثر جرأة و أكثر وحدة ، لأن النقاش لم يعد داخل المربع الديمقراطي و الأطار المدني ، بل أصبح داخل مربع "العنف " ، فالانتهاكات التي ظلت في ذاكرة كل التونسيين من اقتحام قصر العبدلية من السلفيين ، الى تكفير المسرحيين و الفنانين و المفكرين ، تحيلنا الى ضرورة بناء حصانة فكرية جامعة ينخرط فيها كل التونسيين من أجل الحفاظ على المكتسبات المدنية للدولة .
لقد كان مشروع دولة الأستقلال هو دمقرطة التعليم و المعرفة و الثقافة ، حيث تم "الأستثمار" في العقول التونسية وفي الراسمال البشري ، و كان ذلك بفضل حركة الاصلاحات و انخراط النخب و المنظمات الوطنية في البناء الوطني و خدمة الشعب .فكانت الميزانية الموجهة للتربية و الثقافة مهمة .أما اليوم و في ظل غياب مشروع تربوي و ثقافي واضح و تزايد نسبة الأمية ، اضافة الى أنخراط الكل في تكفير الكل و محاكم تفتيش للضمائر و للمعتقد ،وتنامي العديد من الظواهر التي تعلن عن موت معلن للضمائر، ألا يجدر بنا القول "أوقفوا هذه المسرحية".

المراجع :

_ الطاهر لبيب ، سوسيولوجيا الثقافة ، دار محمد علي الحامي للنشر ، تونس 10
محمد عابد الجابري ، المسالة الثقافية ، مركز دراسات الوحدة العربية . ص213
Philippe Urfalino , l’ invention de la politique culturelle , paris , la documentation française, 1996, p 13








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_