الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
من المكان الذي ينظر منه الله- عليّ السوريّ: الجزء الثاني 9-
لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان
(Lama Muhammad)
2018 / 12 / 8
الادب والفن
عندما اقتربت الحرب منّي للمرة الأولى، كان الموقف مهولاً.. أحسست نفسي على سفينة في وسط محيط هائج ممتلئ بالجثث الميتة.. تطاردني و تطلب مني سبباً:
لِمَ بقيتِ أنتِ هنا فيما أكل القرش يدي؟
كيف تقبلين حياتك و طفلي خرج و لم يعد؟
ماالذي دفعتهِ قرباناً أنا دفعتُ عينيّ؟
أتُسَّميِّنَ الغربةَ كربة؟ أنا أسمي الوطن المقسّمَ غربة؟
من وقتها والأيام تمضي متشابهة.. الجثث الطافيّة في الماء تقترب مني و تحاول لمسي.. وفيما أحاول الهرب إلى أيامي المتشابهات.. ظهر هو على طائرة ورقيّة.. علي آخر نمط للرجال تخيلت التعلق به.. سألني إن أردت هجر السفينة، ورؤية المكان من فوق..
-من فوق؟
-أجل شاهدي الصورة كلها من فوق.. من المكان الذي ينظر منه الله…
-استغفر الله…
-افهميني الله عادلٌ جداً.. أليس كذلك؟
قلتُ: نعم
-طيب.. افهميني لماذا يحدث كلّ هذا الخراب، ما السبب و ما الحكمة؟
-لا أعرف..
-تعالي و سأخبرك…
رحلتُ معه فوق الطائرة الورقيّة.. شاهدتُ البحر يبتعد و يصغر، ليصبح كأس ماء صغير مليء بالجثث نقطاً رماديّة.. قلت في نفسي: سنشرب هذا الماء يوماً..
أجل.. ستتشكل أجسادنا من أجساد من رحلوا.. هم يبقون هنا فينا.. في الروح ذكرى و في الجسد حياة.
طرتُ فوق البلدان كلها.. سمعت أصوات بكاء.. ضحك.. صراخ.. تهليلات فرح و أشجان حزن…
سمعت غيبةً.. نميمةً.. سمعت تشجيعاً.. ثناء..
طرت فوق أماكن الرقص.. دور العبادة.. المدارس و الملاهي…
طرت فوق المطارات شاهدت الملايين يرحلون، و الملايين يعودون..
سمعت أُولى صرخات المواليد.. و آخر كلمات الوصايا…
كان المشهد كاملاً و مهيباً.. و عندما التفت إلى الكتفين العاجيين ل علي ..
لم يكن هناك.. و استيقظت.
***********
كانت نجمة الملاذ الوحيد ل هبة بعد محنة سجنها، تزورها كلّ يوم.. لا تتطرق مطلقاً لما حدث و لا تسأل هبة أن تفعل أي شيء…
تأتي كل مساء بعد عملها، تنظف البيت، تطبخ، و تطلب من هبة أن تأكل معها..
-ليس لديّ أي شهية..
-لا تحبيّن طبخي ها..
و تأكل هبة.. ثم تنطّ نجمة و تملأ المكان باللهجة التونسية المحببة:
-عندما تريدين مترجم أخبريني…
و تبتسم هبة في امتنان…
الحقيقة هبة لم تكن تسمع أكثر من عشرة بالمئة من كلام نجمة.. كان عقلها مازال مستباحاً بوقع خطوات السّجان، وسؤال مؤلم: لماذا؟
بعد حوالي شهرين صارت هبة أكثر استماعاً ل نجمة.. و في مساء يوم نيسانيّ سألتها:
-نجمة أريد أن أزور تونس.. أتأخذيني؟
ترددت نجمة قليلاً: -آخذك.. لكن في المستقبل.. كنت أفكر في زيارة لأم الدنيا.. مارأيك؟
-مصر؟
-أجل مصر..
-أذهب.. متى
-في أسرع ما يمكن.
خرجت نجمة في ذلك اليوم سعيدة جداً، ف هبة التي نبذتها الغالبية في محنتها و سكنها الاكتئاب كجنّ لا يرحم تُشفى .. تذكرت مقولة مشهورة- كل إنسان في هذه الحياة يحارب في معركة مؤلمة، فلا تتسبب في قتله.. و
بكت.. السماء في العراق تعلم معاركنا جميعاً.. و إن نسينا أن نستمر نهلك.. على زاوية الطريق شاهدت فتاتين..
قالت إحداهما:
-ممكن أن تأخذي لنا صورة…
أجابت نجمة: طبعاً..
ابتسمت الفتيات للصورة.. في ابتسامتهما سكن العراق للحظة…
-ليتني أستطيع أخذها إلى تونس.. ليت أهلي كانوا أهلاً، و لم اضطر للهرب.. يارب ساعدنا…
************
طاردني حلم الطائرة الورقيّة و تداعيات السفن الأخرى لشهور بعدها.. و فيما كانت أخبار الدمار السوري تحتلّ الأخبار الغريبة.. كنت أفكر في سؤاله:
-طيب.. افهميني لماذا يحدث كلّ هذا الخراب، ما السبب و ما الحكمة؟
معه حق: ما السبب في كوننا نصف و أنصاف؟ في كوننا بلا أمانِ وطن.. في كوننا نطلب حقوقنا تسوّلاً؟
لماذا نحن خسرنا الحرب..
كلنا.. كلنا..
بجميع أطيافنا السياسيّة، الدينية.. الاجتماعيّة كلّنا خسرنا الحرب..
أي نصر و نحن نتحول إلى أرقام في سفنِ محيطٍ هائج مليءٍ بالجثث…
ما السبب و ما الحكمة؟
أما السبب فلا أعرفه تماماً ربما الظلم.. ربما الغلّ.. الطائفية.. استخدام الساسة لأصحاب القداسة.. تفضيل أصحاب الجيوب على أصحاب القلوب…
و أما الحكمة:
عندما تخلو البلاد من حرية التعبير، و يصبح التفكير حراماً.. يتغلغل الكره في قلوب الناس و يصبح التكفير ديناً و الدين غربة.
يتبع...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ
.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين
.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ
.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت
.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر