الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة والتغيير

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2018 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يفترض لكي تكون "الثورة" جديرة بالتثمين والتقدير، أن تكون عبارة عمليتي هدم وبناء متتاليتين. تعقد الحياة والحضارة ‏جعل هذا أمراً بالغ الصعوبة، خاصة في ظل حالات الفوران أو الجيشان العاطفي، التي تصاحب الثورات بشكلها ‏التقليدي الجماهيري. لقد تخطت البشرية إمكانية التغيير عن طريق الثورات الجماهيرية، التي صارت الدعوة إليها الآن ‏دعوة للفوضى وليس الثورة بمضمونها الإيجابي‎.‎
هناك الآن مشكلة خطيرة، ليس في عملية البناء الجديد المرتجى من الثورة فقط، ولكن في عملية هدم القديم. فتعاظم ‏أعداد سكان المدن والدول، وارتباط حياة الناس بصورة تامة شاملة بالدولة ومؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، جعل ‏المتضرر الأول والأعظم من أي اختلال للنظام والاستقرار، ليس طبقة الحكام، وإنما المواطن العادي البسيط‎.‎‏ مرافق ‏المياة والكهرباء والتليفونات والبنوك والمواصلات وهيئات جمع القمامة وغيرها، لا يحتمل المواطن الثائر نفسه تعطلها ‏أياماً أو لحظات‎.‎‏ وقد رأينا موجات الهجرة المليونية من سورياً. ليس فقط هرباً من الموت، ولكن أيضاً للافتقاد لمقومات ‏الحياة.‏
التغيير الآن لابد وأن يتم بالضغط المتزن الهادئ، وليس بالثورات التي لا تحتمل حتى عبء وتداعيات التخريب، علاوة ‏على افتقادها لمشروع منظم متكامل للجديد الذي يحل محل ما ضاقت به في حياتها‎.‎
التغيير الحقيقي لا يأتي فجأة، ولا يتحقق بإصلاحات جزئية‎.‎‏ ولا يتأتى بتغيير أشخاص على رأس هرم السلطة، أو حتى ‏مجرد إعلان تبني سياسات أو دساتير جديدة‎.‎‏ يأتي التغيير الحقيقي بمشروع متكامل لاستبدال المنظومات بكامل ‏مكوناتها‎.‎‏ التي تشمل الأهداف والفكر السائد لإدارة المنظومة، ومؤهلات المكون البشري وطبيعة العلاقات والإجراءات ‏الحاكمة للعمل بالمنظومة، وتحسين الموارد المادية، مع تغيرات مناظرة للبيئة التي تعمل فيها ومن خلالها.‏
المجتمعات الحية المتحضرة، تتضمن منظوماتها المختلفة آلية ذاتية للتصحيح والتطوير المستمر. بحيث يجوز ‏اعتبارها في حالة ثورة مستمرة، لا تتوقف لحظة واحدة عن فعلها الثوري، وبالتالي تنتفي فيها الحاجة لثورة تهدم وتقيم ‏جديداً.‏
المشكلة في المجتمعات والشعوب الراكدة، والتي استقرت على حالة تخلف وفساد، تجعل من المستحيل إقامة جديد دون ‏هدم القديم. وقد رأينا تجربة الشرق الأوسط مع ما سميناه "الربيع العربي"، وقد نجحت بعض شعوبه في الهدم إلى حد ‏الخراب الشامل، دون مؤشرات للقدرة على الإتيان بجديد. واقتصر جهد بعض شعوب على هدم جزئي، عاد معه القديم ‏للسيطرة، وإن بصورة أكثر هيمنة مما تمت الثورة عليه، كما في الحالة المصرية. ربما تونس فقط هي التي استطاعت ‏بثورتها التقدم بضعة سنتيمترات للأمام.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح


.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با




.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على


.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف




.. الجزيرة ترصد وصول أول قافلة شاحنات إلى الرصيف البحري بشمال ق