الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة للعيش...لا للتعايش

عهود الناصري

2018 / 12 / 9
الادب والفن


ليس من السهل تجاوز الخيبات والانكسارات، بل لا نقوى حتى على الحديث عنها، لأنه ببساطة هناك أشياء أكبر من كلمة آسف، والأشياء التي لا يمكن أن تُصلح، ودائما هناك الذنب الذي لا يُغتفر، واللحظة التي لا تُنسى، والرعشة التي غيرت مسار القلوب، والتمزق الذي لا يُداويه الزمن، هناك شك في كلمة أعدك، والكثير من الخوف من وراء كلمة أريدك...
لا تصدق القوة الظاهرة لأي شخص، إدعاؤه الدائم أنه بخير، لا تصدق صور السعادة المصطنعة، فناجين القهوة الشهية، صور الأصدقاء، الابتسامات، البذلة السوداء الأنيقة، ..جميع الأشياء الباذخة التي يقوم بها من أجل التقاط صورة محاطة بالحب والمتعة، هي مظاهر مفتعلة ليس إلا، لا تصدق أنه بمقدور صورة لا تجمعه بمن يحب أن تكون بدقة عالية، مضيئة، وساحرة...
كاذب من يقول التدخين يسبب السرطان، الخيبات من تفعل.. تصبح الخيبة داء ينهش في جسدك وذاكرتك التي لا تموت فلا تجيد إلا التعايش معه في قادم الأيام...
هل حقا الضربة التي لا تقتلك تقويك، ولماذا عليك أن تُضرب، وما الغاية من هذا العناء، أي ثمن تدفعه، هل ثمن الثقة ، أم ثمن اختياراتك الخاطئة، لا تصدقهم كاذبين، الضربة التي لا تقتلك قد تستهدف مركز التوازن فيك أو تشلك أو تقتل الشعور فيك وتُضعف أقوى ما فيك، تبقيك حيا فقط، لكنها أبدا لن تقويك..
لأنه ببساطة كذلك، حقيقة الأمور كثيرا ما تكون عكس ظاهرها، ورؤيتها بتفاؤل كبير يوقع صاحبه في كل مرة في الزيف الفاضح، يجب أن نتساءل دائما هل فعلا الفشل بداية النجاح، هل يجب علينا أن ننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، ألا يمكننا أن نعترف بأن الفشل لا يعني شيئا غير الفشل، ولا علاقة له بالنجاح، وأن الكأس نصفه فارغ وقد لا يروي عطش الظمآن، وأن قطرة بعد قطرة قد تملأ ذلك الكأس لكن متى بالضبط... حتى يبلغ منه التعب مبلغه، وهل فعلا أن الأشياء التي تأتي متأخرة أفضل من التي لا تأتي أبدا... الأشياء التي تأتي متأخرة ينقصها شغف البدايات، تفتقد ذلك الإلحاح الطفولي، تأتي نعم لكن بعد أن تنطفئ رغبتنا فيها...
يجب علينا أن تصالح مع المفاهيم كما هي في حقيقتها، ونكفّ عن تجميلها بأضدادها، لأن في هذا الفعل تشويه لواقع نعيشه، كل مساحيق التجميل التي يستخدمها العالم اليوم من كلمات منمّقة وألفاظ تفاؤلية مكررة، وعبارات رنّانة مستوردة من ما يسمى بالتنمية البشرية، هي من أجل تزييف للحقيقة القاسية التي نعيشها.. كلها طرق توهمنا أنّنا سنبلغ بها السعادة المرادة، نسهب في الحديث عن الحب والوفاء، والصدق... وكلها أشياء يهدي بها الجميع ليل نهار، لا أحد يتحدث عن الكراهية المختبئة في النفوس عن فساد النوايا عن الوجوه الزائفة، عبارات وجمل نسمعها ونحفظها عن ظهر قلب كي نلون الحياة بألوان مشرقة، إلى أن نشهد سوادها سريعا، فنستيقظ على صدمة قادتها كل طرق روما إلينا.
الحياة كما تعلمناها أو كما علمتنا هي نفسها، هي للعيش بكل معاني مفاهيمها والتي تتضمن حقيقتها فعلا، الحقيقة التي يصعب على الكل استساغتها، التي تكون كالعلقم في مذاقها، صعبة الهضم...
عندما تقرأ كتابات همنغواي أو كونديرا أو كافكا أول مرة، ستقول في بادئ الأمر يا لهم من بؤساء يجتهدون في تخريب سعادة المرء، يتحدثون بلغة فلسفية غامضة، والفلسفة عموما تخريب للعقول، كل هذا من أجل أن تطمئن لمغالطات واهية تسبح ضمنها، وحدها الخيبات من توقظك من سباتك العميق، تدرك أن شخصا مثل كونديرا أو كافكا هم من امتلكوا الشجاعة في البحث عن الحقيقة...
حقيقة الفشل تعني الفشل، تعني أن غيرك نجح بما فشلت فيه أنت، إذا قلت أنه بداية لنجاحك أنت فقد أقصيت فرحة غيرك الذي حقق نجاحا... نصف الكأس يعني أن أشياء تنقصك وقد تكون مهمة، لذلك وجب الاعتراف بالنقصان..
الحياة للعيش نعم وليست للتعايش، اللحظات القاسية يجب أن تُعاش بكل قسوتها، كما تعيش لحظاتك الجميلة بكل جملاها، نحن نعيش بالحياة وفيها ولا نتعايش معها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-