الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاتح ماي 2006: أية حصيلة لأزيد من نصف قرن من العمل النقابي...؟

محمد أولوة

2006 / 4 / 13
الحركة العمالية والنقابية


في فاتح ماي من كل سنة، تحتفل الطبقة العاملة المغربية على غرار كافة الشغالين عبر العالم بعيدها الأممي الخالد، عيد الشغل، الذي يشكل فرصة يعبر فيها العمال وعموم المأجورين عن تمسكهم بحقوقهم ومكتسباتهم وعن عزمهم مواصلة النضال ضد كل أنواع الاستغلال وكافة أشكال الانتهاك لحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والنقابية. فبأي حال يعود هذه السنة هذا العيد؟ أبما مضى أم لأمر فيه تجديد؟.
إن الطبقة العاملة المغربية، وهي تسمع الخطب الرسمية عن عيد الشغل، فإنها تستحضر أوضاع البؤس والواقع المتردي الذي تعيش فيه، بحيث تفاقم استغلالها وزاد اضطهادها وتواصل الاستهتار بحقوقها، ويتم التخطيط لتدجين حركتها النقابية والقضاء على ما تبقى من مكتسباتها الضئيلة المنصوص عليها في مدونة الشغل. إنه الوضع الذي يجعل من تلك الخطب عن إصلاح أوضاع المأجورين مجرد تصريحات وشعارات للاستهلاك لا تمت بأية صلة لواقع الحال، ولا تصمد أمام الواقع الاجتماعي القائم الذي لم تعد فيه المدرسة تربي وتعلم، ولا الشهادات توظف وتشغل، ولا المستشفى يداوي ويشفي، ولا الأجور تغدي وتغني من جوع، ولا القوانين تحترم وتحمي... فأي معنى يبقى أمام هذا الواقع، لتلك الحقوق والحريات المعترف بها عالميا والمؤكدة في الدستور الممنوح للبلاد، والتي يعاد ترتيلها بمناسبة حلول فاتح ماي؟.
فتواصل إغلاق المعامل، والتنقيص من ساعات العمل، والتسريح التعسفي الجماعي للعمال من الوحدات الإنتاجية والضيعات الفلاحية، واحتيال أرباب العمل بكل الأشكال على تشريعات الشغل والقوانين على علتها، والانتهاك السافر والممنهج للحريات النقابية المتعارف عليها عالميا، وقمع الحركات الاحتجاجية والنضالات العمالية ذات الطابع الدفاعي، واعتقال العاملات والعمال المضربين ومحاكمة المناضلين النقابيين طبقا للفصل 288 السيئ الذكر من القانوني الجنائي، ومحاولة تمرير المشروع التنظيمي/ التجريمي لممارسة حق لإضراب، وضرب القدرة الشرائية للمواطنين... كل هذا يشكل صورة موجزة على أحوال الشغالين وعموم الكادحين بالمغرب وهم يخلدون عيد الشغل. إنها الصورة القاتمة التي خلفتها هيمنة الرأسمالية العالمية ذات الطابع المتوحش. فبأي حصيلة لأكثر من خمسة عقود من الكفاح العمالي ولأزيد من نصف قرن من العمل النقابي ستواجه به الطبقة العاملة المغربية تحديات نظام العولمة الاقتصادية؟
إن مناسبة تخليد فاتح ماي لهذه السنة ليستدعي، أكثر من أي وقت مضى، تقييم هذه الحصيلة التي من شأنها أن تطرح العديد من التساؤلات حول الوضع القائم على الساحة النقابية بالمغرب والمتسم بالمزيد من التشردم، والذي أصبح معه دور الحركة النقابية ومستقبلها مهددين، وهو ما يشكل أخطر تحد قد يواجه الطبقة العاملة. فما تعرفه الخريطة النقابية بالمغرب من تشتت، حيث وباسم التعددية النقابية التي لا تستند إلى أي أساس موضوعي أو اختلاف في وضعية المأجورين بل المتأثرة بالتعددية الحزبية، وصل عدد التنظيمات النقابية إلى أكثر من 28 نقابة. وهي ظاهرة مرشحة للتناسل خصوصا وأن الدستور المغربي يسمح بإقحام مندوبي الأجراء في المجال السياسي، عبر تمكينهم من انتخاب ممثليهم في المجالس الجهوية وفي الغرفة الثانية للبرلمان- مجلس المستشارين، وهو ما نتج عنه تمزيق لوحد الطبقة العاملة وضرب لاستقلالية حركتها النقابية. وبذلك تكون الأحزاب السياسية قد خلقت طبقتها العاملة بدل أن تفرز الطبقة العاملة حزبها...إنه بقدر ما تعددت النقابات بقدر ما ازدادت أوضاع الطبقة العاملة تدهورا وازدادت قدرتها ضعفا في مواجهتها للاستغلال والاضطهاد والتشريد الذي يمارسه عليها أرباب العمل المتكتلين والموحدين داخل إطار نقابي واحد بالرغم من اختلاف مصالحهم وتضاربها، ومن العلاقات التنافسية التي توجد بين مختلف الشركات والمقاولات. فأين هي النقابات العمالية من المبادرات الوحدوية والوحدة النضالية في انتظار الوحدة النقابية، والتجسيد الفعلي لشعار″ يا عمال العالم اتحدوا″ ؟ وأين هم المناضلون النقابيون الديمقراطيون من العديد من المبادئ والقيم التي يجب أن تصاحب ممارستهم ومسؤولياتهم النقابية، وهي المبادئ، التي للأسف لا تتجاوز حيز الشعارات؟ وإلى ماذا يعود الانحسار في عدد المنتمين المنظمين في النقابات، أخذا بالاعتبار العديد من القطاعات التي ينعدم فيها التنظيم النقابي؟ وما السر في سيطرة ذوي الثقافة المتوسطة والمحدودة على مراكز تسيير النقابات، وكذا في خلود الزعماء على رأسها...؟
إن من الإشكالات كذلك التي تطرح تساؤلا كبيرا هي هذه الأزمة بين الفعل النقابي والعمل السياسي التي تعاني منه الحركة النقابية، وذلك بسبب غياب تمفصل صحيح بين النقابي والسياسي، بحيث يفسر ارتباطهما بصورة تجعل من النقابة مجرد ملحقة تابعة للحزب، وبالتالي يتم رهن النضال النقابي بتقديرات القيادة الحزبية وإخضاع المصلحة العمالية لمنطق الحسابات والتكتيكات السياسية الضيقة، أو عكس ذلك يتم الفصل بينهما تعسفيا وبشكل يؤدي إلى السقوط في النزعة النقابية الضيقة، وبذلك يتم تدبير الشان النقابي بانفصال واستقلال تامين عن قضايا التغيير الديمقراطي الذي يعتبر شرطا أساسيا للانعتاق من الاستغلال. فما هي حدود ربط الممارسة النقابية بالعمل السياسي وكذا حدود استقلالهما؟ وما هي أسباب إخفاق الحركة النقابية في ربط النضال النقابي بالبعد السياسي، وفي بلورة ممارسة نقابية ذات مضمون طبقي تربط بين جدليا بين النضال ذي الطابع الاقتصادي في علاقته بما هو سياسي، باعتبار أن كل حركة مطلبية تهدف إلى تحسين أوضاع المأجورين فهي ذات مضمون سياسي؟ ما السبيل إلى تحرير الممارسة النقابية من تجاذب الظرفيات السياسية والحسابات الحزبية، وإلى تجاوز الخطاب النقابي المتقلب بين الغلو والاندفاعية والهروب إلى الأمام وبين اعتماد العقلانية والواقعية...؟
إنها إشكالات وتساؤلات من بين أخرى، قد يكون من شأنها أن تشكل بالمناسبة أرضية لنقاش واسع ومعمق حول القضايا التي تهم المصير العمالي لرسم خطوط البدائل والتغيير، وبعث الحياة في الأمل والثقة في مستقبل الحركة النقابية العمالية، وفي دور الطبقة العاملة المغربية في الكفاح من أجل إقامة مجتمع عادل تحترم فيه كرامة الإنسان وتصان حقوقه، وتعلو فيه قوة الحق والقانون على الظلم والجور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | لندن: ضربة مزدوجة من العمال للمحافظين.. وترمب


.. رغم تهديدات إدارتها.. طلاب جامعة مانشستر البريطانية يواصلون




.. بعد التوصل لاتفاقيات مع جامعاتهم.. طلبة أميركيون ينهون اعتصا


.. الحق قدم.. 3408 فرصة عمل جديدة في 16 محافظة.. اعرف التفاصيل




.. ألمانيا.. متضامنون مع فلسطين يعتصمون أمام جامعة هومبولت في ب