الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل الماغوط: الحزن مثل الله موجود في كل مكان

هويدا طه

2006 / 4 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


لم تكن حلقة عادية من برنامج أدب السجون.. تلك التي سجلت مع الأديب السوري المناضل محمد الماغوط وعرضت على قناة الجزيرة بمناسبة رحيله منذ أيام، كانت ممتازة فنيا.. ورائعة في درجة اقترابها الإنساني من ذلك الأديب الكهل، فقد يكون عاديا أن تصادف شابا ثائرا، أما المدهش حقا.. فهو أن كهلا يتداعى بدنه أمام عينيك من فرط الشيخوخة ومع ذلك تجده.. فائرا بالثورة، كانت طريقة إخراج وتصوير ذلك اللقاء معه طريقة ممتازة محترفة.. دليل نجاحها أن قرابة الساعة وليس هناك إلا وجه وبدن ذلك العجوز على الشاشة ومع ذلك تجد نفسك مشدودا حتى اللحظة الأخيرة.. كان يبدأ جملة ثم.. يغفو! الكاميرا معه تنتظر.. حتى يعود بقولٍ مفعم بالثورة.. مرتديا بيجامته متكئا على أريكته محاطا ببضع لوحات وكتب.. كان محمد الماغوط يضحك ويقرأ فقرات من كتاب ويحكي ويغفو ويتقلب على الفراش ويروي ما يروي.. من لمحات صراع أديب وشاعر مناضل مشاكس مع سلطة جائرة جاهلة! قال لمحاورته التي لم تفسد هذا الجو المفعم بظهورها وإن سمعنا سؤالها أكثر من مرة:"قلت لهم ليست الحرية بل القمع.. هو الأم الرءوم للشعر"! عاد ليغفو ثم أفاق ليقول:" مرة بالسجن جابوا راديو أو ميكروفون من شان الصلاة وما الصلاة بتعرفي.. تعرفي؟ أول غنّية طلعت ع الراديو وهنه بيجربوه كانت (يا ظالم لك يوم)"! ضحك بفرحة.. قبل أن يحاول الاعتدال في جلسته.. ليقرأ فقرة من كتابه بقوة ربما لا تتناسب مع بدن يوشك أن يصبح باردا برودة الموت عما قريب، " أنا بكتابتي بحب دايما الشي إللي يلفت النظر.. بكره الشي العادي...." قالها وصمت كثيرا.. لا تعرف أين ذهب.. ثم عاد ليقول:"بحب الطويل والقصير اللص والشرطي القس والعاهرة"، يدخن بشراهة مستمتعا بدخان ترسله عدسة المصور إلينا لتثير شجنا لكن بدون شفقة على هذا الكهل.. الذي ضحك قائلا:"إي.. بحب اللبس كتير بكره الكرافات.. لما باكون لابس كرافة ما بافهم إيش عم بحكي ولا أفهم ما أسمع.. أنا مبسوط ببيجاماتي كده.. اليوم عندي اتنين جدد"! لا تعرف بالضبط إن كانت براءة الأطفال تعود مجددا في نهاية العمر! راح يحكي عن نضاله ضد جور السلطة الكريه وأثناء كلامه عرضت صور قديمة له بالأبيض والأسود.. يا إلهي.. هذا الشاب شديد الوسامة والجمال المفعم بالحيوية والنظرة الجريئة الجائعة للحياة هو ذلك الكهل الذي يغفو وسط كل جملة يحكيها؟! كيف كنت سأراه لو صادفته في ذلك العمر؟! ربما كنت أعشقه! إذ لا يتكرر كثيرا رجل وسيم وثائر في آن واحد.. ما علينا.. صادفناه كهلا ويا إلهي كيف سنصير إذن.. إن عشنا! لكنك أبدا تظل مأخوذا بحيوية ما بقي ولم تستطع السنون أن تنال منه، ربما ما أثاره الرجل في النفس من خليط عجيب يشبه ذلك الذي قاله (لا أحب الشيء العادي).. هو ما يجعلك تخاف من الحياة وتحبها.. تصر على التمرد وتتحسب لعواقبه.. تخشى الموت وتصادقه، ما بتخاف من الموت؟ لا .. صديقي وعم بحبه! أي مسئول يقول عن قصيدتي أو مقالتي أو مسرحيتي إنها حلوة.. بعرف إن فيه إشي فيّ غلط، ليش طيب عم بيكرموك؟! يا لها من ضحكة تلك التي أطلقها وهو يجيب على سؤالها هذا،" ما بعرف.. يمكن بيحبوا يساهموا فيّ كأني مشروع.. مشروع قبر أنا".. يا له من وصف لحياة توشك على الانتهاء، إيش بتتمنى؟ سؤال طرحته محاورته غير الظاهرة في المشهد.. سؤال لاذع يبدو مؤلما لكهل ثائر يستعد لإنهاء مشروعه! لكن إجابته كانت الأكثر ثورة، الرجل بأكمله أثارني ربما لجرأة الثورة وحزنها عندما لا تملك معها صحة ولا قوة ولا وقت.. قال:" الحزن مثل الله موجود في كل مكان، إيش باتمنى؟ باتمنى ما يبقى على الأرض جائع ولا سجين" يسعل ثم يسعل ثم يعلق:" هادي سعلة سجن المزة"!، يقرأ من كتابه: "فليذهب القادة إلى الحروب.. فليذهب العشاق إلى الغابات.. فليذهب العلماء إلى المختبرات.. أما أنا فسأبحث عن كرسي عتيق.. طالما كل الكتب والدساتير والأديان تؤكد أنني لن أموت إلا.. جائعا أو سجينا..".. رحل الماغوط إذن.. ليتركنا نبحث بدورنا عن.. كرسينا العتيق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين


.. مبادرة شبابية لتخفيف الحر على النازحين في الشمال السوري




.. رغم النزوح والا?عاقة.. فلسطيني في غزة يعلم الأطفال النازحين


.. ألمانيا.. تشديد في سياسة الهجرة وإجراءات لتنفير المهاجرين!




.. ”قرار تاريخي“.. القضاء الفرنسي يصادق على مذكرة اعتقال بشار ا