الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with Samir Amin الحلقة الرابعة
ابراهيم منصوري
2018 / 12 / 13مواضيع وابحاث سياسية
في إطار مقابلتا بعد الموت (Interview Posthume) مع الباحث القدير والمفكر اللامع سمير أمين، يُسْعِدُ مجلة "فك الارتباط" (Deconnection Journal) أن تستضيف ضيفها العزيز في حلقة رابعة. أهلا بكم.
• رئيس المجلس العلمي: أهلا وسهلاً ومرحباً مرة أخرى، دكتور أمين. توقفنا في الحلقة الثالثة من هذا الحوار عند فكرة جوهرية تتعلق بمسار بلدان المحيط (Pays de la périphérie ) بعد حصولها على الاستقلال. وكما يعرف المتتبعون لفكرك الغزير، فإنك أوليت اهتماماً جماً لهذا الموضوع، وخاصة أنك معروف بقدراتك الموسوعاتية بحيث أنك لم تقتصر في دراساتك المعمقة على استهلاك أدبيات الاقتصاد السياسي كما تفعل زُمْرة واسعة من الباحثين، بل إنك أبْحرْتَ إبحاراً طويلا في العلوم الاجتماعية والإنسانية بكل ألوانها وأطيافها من أجل فهم أحسن للواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وما إلى ذلك. هلا نورتَ القارئ الكريم أكثر حول مآل بلدان المحيط بعد استقلالها بالمُقارنة مع وضعيتها عندما كانت ترزح تحت نير الاستعمار؟
• سمير أمين: بادئ ذي بدء، أود أن أوضح للقارئ الكريم أن الحلقة السابقة من هذا الحوار ورد فيها خطأ غير مقصود. ففي نص الحوار الذي نشرته مجلتكم المُوقرة، نقرأ ما يلي: "إلا أن توزيع الكعكة على المستوى الكلي يعطي نتيجة مفادها أن سعر الإنتاج (Prix de production) يساوي مجموع فوائض القيمة (ٍSomme des plus-values) بالتمام والكمال". أما الصواب فهو: "إلا أن توزيع الكعكة على المستوى الكلي يعطي نتيجة مفادها أن مجموع الأرباح (Somme des profits) يساوي مجموع فوائض القيمة (ٍSomme des plus- values) بالتمام والكمال". ويعني هدا طبعاً أنه يجب استبدال "سعر الإنتاج" في النص بعبارة "مجموع الأرباح"؛ فمعذرة للقارئة الكريمة والقارئ الكريم، مع العلم أن كل زلةٍ إنسانية بامتياز.
أما بالنسبة لسؤالك الوجيه حول مآل بلدان المُحيط بعد حصولها على الاستقلال بالمقارنة مع وضعها في فترة الاستعمار، فأود أن أشير أولاً وقبل كل شيء إلى أن تغير ميزان القوى بين بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من جهة وبلدان الثالوث (Pays de la triade)، أي أقطار أوروبا والولايات المتحدة واليابان من جهة أخرى، بدأت معالمه تتضح شيئاً فشيئاً بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، خاصة بعد انعقاد مؤتمر باندونغ (اندونيسيا) سنة 1955، والذي تمخض عنه تأسيس ما يسمى تاريخياً بمنظمة دول عدم الانحياز (Organisation des Pays non Alignés) التي ستلعب دوراً هاماً في الموجات اللاحقة للمطالبة باستقلال بلدان المُحيط، خاصة الأقطار الأفريقية. ورغم أن استقلال هذه البلدان قد مكن من التحرر والانعتاق وشيء من تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بعض الجهات، فإن القاعدة كانت على العموم تتمثل في تنمية التخلف (Développement du sous-développement) عوض أن تكون تنميةً بكل معنى الكلمة، لأن النخب في تلك البلدان كانت في مُجملها تنظر إلى التخلف على أنه تأخر في التنمية ومن ثمة فالحل من وجهة نظرها هو العمل على اللحاق بركب بلدان المركز بسلوك نفس النهج الذي سلكته عبر تاريخها الطويل من العُبودية إلى الفيوضالية ثم الرأسمالية التجارية والثورة الصناعية (Révolution industrielle) وما بعد الصناعية (Révolution postindustrielle). لقد كان هذا من قبيل السراب (Mirage) الذي تبعته الأمم المقهورة والمغلوبة على أمرها فانغمست في استعمار من نوع آخر أكثر خطورة ووجدت نفسها أخيراً كالقط الذي أراد أن يُقَلد تِنين الكومودو فتغرب عن مشيته الأولى فلم يعد قطاً كما كان من قبل ولا أصبح تنين كومودو كما كان يحلم.
لا بد هنا من الإشارة إلى بعض الاستثناءات؛ ففي أفريقيا مثلاً، وُلد زعماء صناديد وحكموا بلدانهم بعد الاستقلال وربما كانت نياتهم حسنة. لقد كانواْ يَصْبُونَ إلى بناء نماذج جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالارتكاز على فك الارتباط (Déconnexion) بمراكز النظام الرأسمالي. ولا تنقصنا الأمثلة في هذا الإطار: جمال عبد الناصر في مصر، هواري بومدين في الجزائر، نيريري في تنزانيا، موديبو في مالي، كيريكو في البينين أو ما ما كان يسمى ببلاد الداهومي، "الدورغ" (Derg) في أثيوبيا، الخ، الخ. إلا أن النوايا الحسنة لا تكفي، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه !...لقد فشلت كل هذه النماذج التنموية الثورية لأنها بكل بساطة كانت تُمْلى من فوق (Modèles de développement par le haut)، أي أنها لم تكن تُشْرِكُ الشعْبَ لا على مستوى الصياغة (Formulation) ولا على صعيد التنفيذ (Implémentation)؛ ومن هنا تولد ذلك التضخم الْمُهْوِل في المفاهيم (Inflation des concepts) والذي يعرفه كوكبكم الأزرق، خاصة على مستوى السياسات العمومية: المقاربة التشاركية، التخطيط الاستراتيجي التشاركي، المالية التشاركية، الديمقراطية التشاركية، الخ، الخ. فكما يستهلك آدميو المحيط (Les humains de la périphérie) التكنولوجيا الواردة من مركز النظام الرأسمالي، يستهلك مفاهيمه أيضاً، فلا هم يعرفون تفكيك طلاسم التكنولوجيا ولا فقه المفاهيم ولا هم يحزنون. وأتذكر هنا أن الرئيس البوركينابي المغتال "توماس سانكارا" هو أول من حاول فهم وتطبيق المقاربة التشاركية في تسيير دواليب الحكم والاقتصاد؛ وأجزم أن هذا السلوك هو الذي أدى إلى اغتياله بعد أيام قليلة من مشاركته في مؤتمر قمة الوحدة الأفريقية بأديس أبابا سنة 1987، والذي أعلن فيه عن ضرورة توقف البلدان الأفريقية عن الوفاء الأعمى بتسديد ديونها لبلدان الثالوث الاستغلالية. إن التخبط العشوائي (Random Confusion) لكثير من حكام أفريقيا الثوريين هو المفسر الرئيسي لانحدار بلدانها إلى الدرك الأسفل من التخلف وتطويعها تطويعاً لخدمة أجندات بلدان المركز الرأسمالي وشركاتها العابرة للقارات (Les multinationales )؛ أما الحُكام الذين أعلنواْ جِهَاراً ومنذ إمساكهم بزمام الأمور أنهم أكثر رأسمالية من الرأسماليين أنفسِهمْ فحدث ولا حرج...
• رئيس المجلس العلمي: مَنْ مِنَ المفكرين او الزعماء تعتبرهم أبطال أفريقيا؟ وكيف أثر فيك هؤلاء أو أثرتَ فيهم؟
• سمير أمين: لأكون صريحاً معك ومع نفسي: لن أحدثك عن أبطال أفريقيا بل عن أبطالي ألأفريقيين (Mes héros africains)؛ أقول "أفريقيين" وليس "أفارقة" لأن أي بطل لأفريقيا ليس بالضرورة أفريقي المولد أو الجنسية، بل كل من يفكر عن أفريقيا ويهتم بأوجاعها ومآسيها فهو أفريقي بامتياز. وأقول بكل تأكيد "أبطالي" (Mes héros) وليس "أبطال" وبس...لأنهم بِضعةُ مني وأنا بِضْعةٌ منهم!!! أبطالي الأفريقيون بكل صراحة لا يختلفون عن ثلاثة بالتمام والكمال: فرانز فانون (Frantz Fanon) المارتينيكي الدم والفرنسي الجنسية، أميركال كابرال (َAmircal Cabral) الغيني البيساوي (Bissau- guinéen) الكابفيردي (Capverdien) والبوركينابي (Burkinabé) توماس سانكارا (Thomas Sankara ).
لم ألتقِ "فرانز فانون" قط، ولكني قرأت عنه الكثير وكتبت عنه، بل ذهبت إلى اعتبار فكره المتألق مدرسة متكاملة المعالم والمفاهيم والأفاهيم حتى أني وضعت فكره ضمن مدرسة خاصة سميتها "الفانونية" (Le fanonisme) أو "روح فانون" (L’esprit de Fanon): حذار من إضافة نقطة على حرف الفاء! (يبتسم). إن "المدرسة الفانونية" المتميزة تكاد تصلح لكل زمان ومكان في أفريقيا كما في آسيا وأمريكا اللاتينية. لقد كان مجاهداً بكل معنى الكلمة بالفكر والقلم وعلى الأرض (On the ground)؛ وعمل في أفريقيا وتنقل في مختلف تضاريسها الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ودرس الاستعمار فيها دراسة نفسية (ُEtude psychologique) بحكم مهنته كطبيب نفسي مُلتزم. وسيطول الوقت إن أردت أن أحدثك عن تفاصيل هذا الرجل الاستثنائي الذي لم تلد أم بعد مثله في تفانيه في عمله كطبيب نفسي ونكران ذاته في النضال ضد الاستعمار وفي سبيل نصرة الأمم ورقيها. نفس الشيء ينطبق على البطلين الأفريقيين الْآخَرَيْن: أميركال كابرال وتوماس سانكارا. سأعود إلى تفاصيل عن فرانز فانون وأميرال كابرال وتوماس سانكارا في الحلقات القادمة إن شئت...
• رئيس المجلس العلمي: لقد أَرْهَقْنَا الأستاذ الدكتور سمير أمين في هذه الحلقة من حلقات حوارنا معه بعد الوفاة. وفي الحلقة القادمة، سيكمل الدكتور أمين جوابه الشيق حول أبطاله الأفريقيين قبل أن نطرح عليه أسئلة أخرى انطلاقا من فكره الغزير على مختلف الأصعدة. إلى اللقاء في الحلقة الخامسة، مع تشكراتنا الحارة مرة أخرى لضيفنا الكريم.
• سمير أمين: ربما أنا الذي أرهقتكم ببعض التفاصيل رغم أني أحب ألا تكون مُمِلة أكثر من اللازم. شكراً مرة أُخرى على الاستضافة الكريمة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إسرائيل تحاصر الشواطئ الجنوبية للبنان وتقطع بأرزاق صيادي الأ
.. كأس أمم أفريقيا: الجزائر تسحق توغو 5-1 وتقترب بخطى ثابتة من
.. أضواء الشفق القطبي تزيّن سماء أمريكا مشكلة عرضًا مبهرًا
.. استراتيجية إسرائيلية لدفع إيران وحزب الله لممارسة ضغوط إضافي
.. غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب جنوبي لبنان