الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سهراب : الحبّ ُ كلّ شيء

صباح محسن جاسم

2006 / 4 / 13
الادب والفن


مع إيماءة كل تشرين تومض السماءُ خيط َ بريقها الغريب
ومع كلّ هبّة ٍ من نيسان تـتفتحُ زنابقُ حمراءُ نحيفة ٌ ترتعشُ
عارية ً لكن بزهو.

"كلما قشّرتُ رمانة ًعَجبْتُ لو ُقدّرَ للمرء أن يرى قلوبَ الناس هكذا" ، – ثم يواصل الشاعر متوجسا-
" لكن سرعان ما تنهمر دموعي ما أن تطلق الرمانة رشاش عصيرها في عينيّ".
ذهب هذا المثل سائرا لدى جمهرة من أدباء وفلاسفة عالميين.

بدأ الشعر الحر في إيران كسواه من البلدان التي تأثرت بالحرب العالمية الثانية بسبب من التغيرات الاجتماعية العميقة مما جعل الشعر من بين ألوان الأدب التي انسلخت عن التقليد الأدبي السائد بأشكاله الصارمة وأنماطه التعبيرية إضافة إلى تحرره من قيد القافية والوزن الثابت فمال إلى اعتماد قصيدة الوعي وتنوع في الوزن باعتماد الهارموني الموسيقي في الصور المباشرة والتجربة الحسية.

سهراب سبهري (1928-1980)*

ولد في كاشان في السابع من تشرين الأول عام 1928 من عائلة أرستقراطية لخمسة أبناء. فنان موهوب جدا . بعد حصوله على شهادة الدبلوم من مدرسته العليا، واصل تعليمه ليحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة جامعة طهران.. في السنوات الأثني عشر الأولى بعد تخرجه عمل في عدّة وظائف في أجهزة الدولة ولم يتخلى عن متابعة اهتماماته الشخصية في نظم الشعر والرسم. سافر أيضاً في مناسبات عديدة إلى أوروبا، وأفريقيا.

نشر مجموعاتَه الثلاثة الأولى للشعر، بالعشبِ، 1949، موت اللونِ في 1951 وحياة الأحلام في 1953. كما نشر لاحقا (وقع أقدام الماء) ثم (عابر سبيل) و( الفوليوم الخضراء) وديوانه الرابع (سيل الشمس).
عمل في شركة النفط الوطنية وفي قسمِ الفنون الجميلة من متحف الثقافة والفن. كما اشتعل في القسم البصري السمعي لخدمات وزارةَ الزراعة.
في 1964 استقال من وظيفته وبدأَ يركز كُلّ وقته وطاقته على الشعرِ والرسم. تنقل وعاشَ في الولايات المتحدة الأمريكية لسنة واحدة، قضّى بعد ذلك حوالي سنتينَ في باريس. أثناء هذه فترةِ رسم لوحات عديدةَ تنحى نفس الأسلوب الرقيق والرقيق، الذي تتميز به قصائده.
درس الطباعة الحجرية في باريس، وإلى طوكيو سافر لتعلّم حفر الخشب. في طريق عودته من اليابان في 1961عرج لزيارة الهند وتاج مَحل للمرة الأولى، عَودة في 1964 إلى بمباي، وبينارس، ودلهي، كشمير وباكستان - لاهور وبي شاور. العديد من هذه الرحلاتِ انعكست في قصائدِه الطويلةِ. في 1966 سافر إلى أوروبا، فرنسا وأسبانيا وهولندا وإيطاليا والنمسا. في 1970 سافر مرتين إلى الولايات المتّحدة وبقي هناك سبعة شهور.
كتب من نيويورك لأحد أصدقائه:
لدى إيران أمهاتُ جيداتُ، غذاء رائع، مثقّفون سيئون وسهول جميلة.

نهايةِ 1979 سافر إلى لندن بغية علاجه من اللوكيميا. ظهر انه يعاني من سرطانِ في الدم. بعد مضي عام واحد، تَوفـّى في طهران ودفن في كاشان حيث مسقط رأسه.
شاعر ورسام يمتاز بشعبية واسعة حتى ناداه الإيرانيون بإسمه الأول فقط كما لو كان صديقا لكل شخص.
من الشعر أنجز أربعة دواوين ومن معارض الرسم أقام سبعة عشر معرضا.
تجاوز المألوف من المعاني اليومية بل ومال إلى التعقيد من خلال استخدامه لصيغ شعرية جديدة وبرغم ذلك وجد قرّاؤه أنفسهم منشدّين إلى شعره سابرين أغواره ناسين أحيانا عالم الحقائق وهم يجربون فهما جديدا للإنسان والكون.
في ثقافته خليط من بوذية وغرائبية فهو يمازج بين الرؤى الغربية والشرقية. بذلك أوجد شعرا لا نظير له في تاريخ الأدب الفارسي. فشعره في الواقع رحلة عجيبة في كل مرة تقرأ له ستفهمه بشكل مغاير. هناك محيط بلا قعر من المعاني في شعره ودائما ما يردد : نحن بحاجة إلى صراع على سلطة الأنا والدولة القومية. فسهراب يأخذ بنا في رحلة لعالم مجهول حيث تكشف الأشياء القبيحة جمالها وتغدو معها الأشياء المنفرة مركز لانتباه القراء:

لا أدري
لم الفرَسُ حيوانٌ نبيلٌ والحمامةُ فاتنة ٌ رائعة
لم لا أحد يألفُ النسرَ ؟
لا أعلم لم البرسيمُ يكونُ وضيعاً قياسا بالزنبق الأحمر.
علينا أن نشطفَ عيوننا وأن ننظرَ الأشياءَ بطريقة أخرى
علينا أن نغسلَ كلماتنا
كي يتماه الريحُ بالمطر.

وفق نظرته للوجود ، الجمال ليس مفهوما مجردا إنما هو يُخلق ويُعزز من قبل الناس. فهو بذلك ينحى منحا شكسبيريا في أن ليس هناك ما هو جيد وسيء إنما تفكيرنا الذي يجعله كذلك. لذا ينصحنا أن نصحح نظرتنا للأمور كي ننظر العالم بطريقة أفضل.
لقد استفاد سهراب من تجربته في رسمه للوحاته مما منح بعض قصائده أبعادا لونية مميزة .
أهم ما يميز شعره الغرائبية ، ومزيج من الصوفية والبوذية والزرادشتية والتي من خلالها يدعو المرء كي ينبذ وسائله الشريرة ويستعيد براءة الطفولة في الطبيعة.
وهو مثل الشاعرة فروغ فرخزاد قد تأثر إلى حد بعيد بالشاعر أحمد رضا أحمدي كذلك بالشاعر يدالله رويائي رائد جماعة الطليعة التي عرفت أسلوبها بـ ( فوليوم ) وتعني صورة شعرية بأكثر من بُعد.
لقد خلّف لنا سهراب معجزة من كلمات ومعان.
في 21 نيسان 1980 غادرنا سهراب رفقة َ أسراب طيوره الناصعة البياض.
كان سهراب نادرا ما يشرب الخمرَ وإن فعل " فيشربها باعتدال تام" ويدلف بنا بساتين شعره:

صوب حديقة الرفقاء

للشاعر الفارسي سهراب سبهري
عن الفارسية / Eliyeh
عن الإنجليزية / صباح محسن جاسم
تناديني !
يا لصوتك الرقيق
يزدانُ معه النبتُ مخضرّا ً
كأصدق ِ حُزن ِ
في هذا العصر المعتم ِ وحيدٌ أنا تماما!
هلمّ لأفصحُ لكَ عن وحدتي
ما توقعتُ هجوَمك المفاجيء هذا
بين الدهاليز المعتمة ِ
هذه سِمَة ٌ للحب ِ
لا أحد هناك
دعنا نسرقُ حياتـَنا
نشاركُ بها لوحتين ِ
لنفهم شيئا عن طبيعة الحجرِ
لنبكر بمتابعة أمورنا
تطلـّع إلى عقارب الساعة بلون الكهرمان
كيف تحوّل الوقتَ إلى بارود!
يذوب مثل كلمة في خط صمتي
يصهرُ كتلة َ الحبّ الملتهبةِ في راحة يدي
دفـّئني
ففي كاشان حين تتلبدُ السماءُ
وينهمر المطرُ بغزارة
إن شعرتُ بالبرد ِ
تدفئني شقائقُ النعمانِ من خلف الحجارة
في هذه الطرقات المُظلمة ِ
أخشى مترددا إشعالَ عودَ ثقابٍ
أخشى الوجه الأسمنتي لهذا العصرِ
هلمّ فما عدتُ أخافُ المدنَ
حيث أرضها السوداءُ مرعى للرافعات
في عصر صعود الفولاذ هذا
افتحنى كنافذة تنشدّ ُ لسحرِ ثمارِ الأجاص ِ
هدهدني لأغفو تحت غصن ٍ بعيدا عن الطحن الليلي للمعادن
أيقظني ما أن يأتي مَن يكشفُ عن خاماتِ ضوء الشمس ِ
سأنهضُ إذ سيضوع ُ من أصابعِك الياسمينُ
حينها أرو لي عن قنابل سقطت أثناء ما كنتُ نائماً
أحْكِ لي عن الخدودِ التي فاض بها دمعها أثناء نومي
أرو لي كم من البط فرّ من على سطح البحر عند تلاقي العَجَلُ المدرّعُ
فيما هي تدوسُ حلمَ طفل ِ؟
أي شعور بالراحة يغدو لطائر الكناري حين يصوم عن لونه الأصفر؟
خبرني أية بضاعة بريئة تستوردها الموانيء؟
أي علم استطاع الكشفَ عن جمالية موسيقى البارود؟
أية رسالةٍ من نكهةٍ مجهولةٍ لرغيف خبزٍ جاء بها مذاق مهمة نبوية؟
عندئذ ، مثل إيمان ٍ تدَفـّأَ َ بإشعاع ِ خط الاستواء
سأجلسُكَ في المقدمةِ من الحديقة ِ
* * *
* في الشعر الفارسي المعاصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل