الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with Samir Amin الحلقة الخامسة
ابراهيم منصوري
2018 / 12 / 14مواضيع وابحاث سياسية
يُسْعِدُ مجلة "فك الارتباط" (Deconnection Journal) أن تواصل حوارها بعد الوفاة مع الاقتصادي والمفكر المقتدر اللامع سمير أمين في إطار الحلقة الخامسة.
• رئيس المجلس العلمي: أهلا بك دكتور سمير من جديد. توقفنا في الحلقة السابقة من هذا الحوار عند السؤال حول أبطالك الأفريقيين وصرحت حينها أنك ستتحفنا بمزيد من آرائك الثاقبة حول الموضوع. فماذا بعد، لو سمحت؟
• سمير أمين: قلت في الحلقة الرابعة من هذا الحوار الشيق معكم إِن أبطالي الأفريقيين ثلاثة وهم فرانز فانون وأميركال كابرال وتوماس سانكارا. أود هنا أن أضيف أشياء أخرى عما قلته في حق البطل الصنديد "فرانز فانون" قبل الخوض في المسيرة النضالية الشاقة للبطَليْن الآخَريْن. كان فرانس فانون طبيبا نفسانياً وهب نفسه للدفاع عن المضطهدين والمقموعين ليس في أفريقيا فحسب بل في كل أرجاء العالم. لقد كان مناضلا في صفوف المُنادين باستقلال الجزائر عن فرنسا ومن المدافعين الأشداء عن تحرر الجزائريين وانعتاقهم من الاستعمار الفرنسي البغيض رغم أنه كان فرنسي الجنسية حتى النخاع: أليست هذه قمة المبادئ ونكران الذات؟ كما أن فانون لم يقتصر على الدفاع عن الجزائر والجزائريين بل تعدى ذلك إلى دعم كل شعوب العالم المستعمرة في طار ما كان يسميه بالتضامن مع "الإخوة المضطهدين" (Les frères opprimés). لقد كان من أهم المؤسسين للفكر العالم - ثالثي (Pensée tiers-mondiste). وطيلة حياته القصيرة والمليئة بالمفاجآت في آن واحد حيث أنه لم يعش إلا زهاء ست وثلاثين سنة، كتب الكثير عن الآثار النفسية للاستعمار على المستعمِر كما على المستعمِر كما حلل الاستعمار تحليلاً علمياً على المستوى الثلاثي السوسيولوجي والنفسي والنفساني (Au triple niveau sociologique, psychologique et psychiatrique) علاوة على مقالاته العلمية الرصينة في التحليل النفسي الذي برع فيه براعة الداري بمكامن الأمور. وخلاصة القول أن فرانز فانون ينطبق عليه قول ابن سينا: "الحياة تُقاس بعرضها لا بطولها" (La vie est mesurable en largeur, non en longueur)، أي أنها تُقَيَّمُ بإنجازات الشخص لا بعدد السنوات التي قضاها على أديم الأرض وهو حي يُرْزق.
كان عند فرانز فانون حدسان من الأهمية بما كان:
أولاً، فهم فانون أن أي تقدم إلى الأمام في المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلدان حديثة الاستقلال لن يبدأ إلّا من المُحيط (Périphérie) وليس من المركز (Centre) لأن الامبريالية لا يمكن أن تسمح لهذه الأقطار بالرُّقِي ما دامت هذه الامبريالية تستفيد من الأرباح الهائلة التي تأتيها من الشركات العابرة للقارات والتي تستغل بلدان المحيط في إطار التراكم الرأسمالي على الصعيد العالمي.
ثانيا، فهم فانون الدور الذي يُمْكِن أن تلعبه طبقة الفلاحين وشبان المدن الفقراء، أو ما يمكن أن يصطلح عليه بشبه البروليتاريا (Semi-prolétariat)، والذين تم تهميشهم أبشع تهميش من طرف الرأسمالية المحيطية (Capitalisme périphérique). كما أن فانون فهم مدى تعاطف شباب أوروبا معهُ شخصياً كما مع هؤلاء المهمشين. إلا أن فانون لم يكن يثق في القومية (Nationalisme) التي كان يعتبرها سلاحا ذا حدين (Arme à double tranchant) لأنها تمكن من توحيد الشعب ضد الامبريالية من جهة إلا أنها غالباً ما تثري النخب المحلية على حساب الشعب من جهة أخرى.
• رئيس المجلس العلمي: وماذا عن بطليك الأفريقييْن الآخريْن؟ أتعتقد أن لهما نفس الوزن الذي لِفَانُونِكَ المُدلّل؟ (يبتسم)...Pèsent-ils plus ou moins que Fanon ?
• سمير أمين: أعتقد أن أبطالي الأفريقيين الثلاثة لهم نفس الوزن تقريباً رغم أن تقدير وزن معنوي لشخص ما بالمقارنة مع آخر غالبا ما يكون صعباً للغاية. إني أعتبر أميلكار كابرال (ََAmilcar Cabral) مناضلا ومفكراً متميزاً. لقد التقيته مرارا وتكراراً وتحدثت معه طويلاً وفهمت أن الرجل كانت له نفس التحفظات حول القومية رغم أنه كان قوميا من رأسه إلى أخمص قدميه. كان كابرال يخشى أن تُسْتَغَلّ القومية في غير صالح الشعب ولكنه كان متفائلاً إلى حد ما، خاصة أنه كان يؤمن بإمكانية انتحار البورجوازية المحلية (Suicide de la bourgeoisie) من أجل الانتصار في حرب التحرير (Guerre de libération). إلا أن الرجل العظيم أميلكار كابرال فشل أخيراً في مساعدة البورجوازية على الانتحار في خضم الاستعمار البرتغالي الذي كان يجثم بكل قواه على غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر في ذلك الوقت.
أما الكولونيل المناضل "توماس سانكارا" فقد تمكن من استنباط الدروس اللازمة من الأنظمة الإصلاحية (Régimes réformistes ) الأولى في بلدان أفريقية متعددة كمصر في عهد جمال عبد الناصر وجزائر هواري بومدين ومالي موديبو وغينيا وغانا وتنزانيا والصومال وأثيوبيا والبينين. بغض النظر عما إذا كانت تلك الأنظمة الإصلاحية اشتراكية المذهب أم لا، فأنا شخصياً أسميها "أنظمة قومية شعبية" (Régimes nationaux-populaires). ويعني هذا التصنيف أن تلك الأنظمة قد فعلت الكثير لصالح شعوبها إلا أنها لم تقم بذلك إلا من فوق (D’en haut) دون العمل على مساعدة الشعب من أجل تنظيم نفسه بنفسه في سبيل تحقيق ما يصبو إليه ( Organisation du peuple par lui-même et pour lui-même ¬). وهذا يعني مُجمَلاً أن تلك الأنظمة الإصلاحية لم تفعل الشيء الكثير لتمكين الشعب من استشراف الاستقلال بنفسه ومن أجله. وفي هذا الصدد، فقه توماس سانكارا الدرس الأساسي وهو أن تقدم بوركينا فاسو لن يتأتى إلا إذا ساعد النظام الحاكم الشعبَ على تنظيم نفسه بنفسه ومن أجل مصالحه هو. وأوضح هنا أن اغتيال الرجل ناجم عن هذه الرؤيا التي لم تكن لِتُعْجِب لا الحكام في مراكز النظام الرأسمالي ولا أذيالها من الزبانية المحلية المتربصة بالشعب. لقد كان توماس سانكارا خطيرا جداً بالنسبة لهؤلاء!
• رئيس المجلس العلمي: شكراً جزيلاً، دكتور أمين. في الحلقة السادسة، سنواصل هذا الحوار الشيق معك. إلى اللقاء.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ تفوز بجائزة نوبل للآداب 20
.. إعصار ميلتون -الخطر للغاية- يجتاح سواحل فلوريدا ويخلف قتلى و
.. المستشار الألماني يعلن عن تسليم مزيد من الأسلحة لإسرائيل
.. صحيفة لوموند: غضب بايدن من نتنياهو لم يترجم إلى أفعال
.. مبعوث صيني: غزة جحيم حقيقي وعلى إسرائيل وقف حربها ضد المدنيي