الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with Samir Amin الحلقة السادسة

ابراهيم منصوري

2018 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


تواصل مجلة "فك الارتباط" (Deconnection Journal) حوارها بعد الوفاة مع الاقتصادي الشهير سمير أمين في إطار الحلقة السادسة. وكما في الحلقات السابقة، يجري الحوار السيد رئيس المجلس العلمي للمجلة.

• رئيس المجلس العلمي: مرحباً بك سيد أمين في الحلقة السادسة من هذا الحوار الشيق معك. لنعد بشيء من التفصيل إلى فكرك الاقتصادي العميق ولبدأ في هذا الإطار بأطروحتك الشهيرة لنيل دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية والتي نشرت ككتاب قيم بعنوان "التراكم على الصعيد العالمي" (L’accumulation à l’échelle mondiale) والذي ترجم إلى اللغة الانجليزية تحت عنوان "Accumulation on a World Scale : A Critique of the Theory of Under-Development". أعتقد هنا أن أي حوار جاد مع سمير أمين في مضمار الاقتصاد السياسي لا بد أن يبدأ من هذا الكتاب "الأسطوري" رغم أن كتابات الدكتور سمير يصعب عدها وإحصاؤها. وأتذكر في هذا الصدد أن أحداً من المترددين على مواقع التواصل الاجتماعي حاول أن ينصف ضيفنا الكريم بوضع لائحة مستفيضة لمؤلفاته المختلفة فلم يفلح واكتفى بما تيسر مما يعرف عنها ثم حصر اللائحة عشوائياً باللغة الفرنسية في بعض ما يعرف عن تلك المؤلفات ومع ذلك غطت اللائحة صفحة طويلة رغم أن المعني كتب عناوين مؤلفاتك دون أن يرجع إلى السطر ولو مرة واحدة. ويمكن للقارئ الكريم أن يرجع إلى تلك اللائحة الطويلة باتباع الرابط الفيسبوكي التالي: https://www.facebook.com/abdellatif.laklida/posts/2065194770159967. لنعد إلى أطروحتك حول التراكم على الصعيد العالمي. ماذا تعني بالتراكم وما فائدته في تفسير تخلف بلدان المحيط (Pays de la périphérie)؟

• سمير أمين: بكل بساطة، نقول في علم الاقتصاد إن التراكم يحدث إذا كان هناك ارتفاع في مخزون الرأسمال (Stock du capital)، مما يعني أن تراكم الرأسمال هو مُرادف إلى حد ما للاستثمار بمعنى التدفق (Flux) في وسائل الإنتاج عكس الرأسمال نفسه الذي يعتبر بمثابة مخزون (Stock)؛ مع العلم أن الرأسمال يجب أن يستوعبه المرء هنا على أنه مختلف تماماً عن معناه في المحاسبة (Comptabilité) بالمقارنة مع مغزاه في علم الاقتصاد. ففي المحاسبة العامة (Comptabilité générale) مثلاً، يُحْسبُ الرأسمال باعتباره كمية من النقود الضرورية لعمل وحدة إنتاج (Unité de production) معينة. أما في الاقتصاد السياسي فالرأسمال هو مرادف للأدوات التي تستغلها المقاولة لإنتاج خيرات وخدمات (Biens et services : Goods and services ) بعينها، ويدخل غالبا في عملية الإنتاج على شكل رأسمال ثابت (Capital constant)، أي آلات الإنتاج (Machines) بكل أصنافها ورأسمال مُتداوَل (Capital circulant)، أي المواد الأولية بصفة عامة، ثم الرأسمال المتغير (Capital variable)، أي قوة عمل البروليتاريا (Force de travail du prolétariat) مع العلم أن العمل (Labor) في علم الاقتصاد سلعة كجميع السلع التي لها سوق وعرض وطلب وقيمة وسعر (Marché, offre, demande, valeur et prix : Market, supply, demand, value and price)؛ مع الأخذ بعين الاعتبار لكون سعر العمل هو معدل الأجر (Taux de salaire : Wage rate) على العموم. إلا أن التحليل الاقتصادي الماركسي لا يحسب الرأسمال بقيمته النقدية (Monetary value) بل بكمية العمل الضرورية اجتماعيا لإنتاجه (ِquantité de travail socialement nécessaire à sa production) كما هو الحال بالنسبة لأية سلعة أو خدمة لها قيمة استعمالية وقيمة تداولية (Valeur d’usage et valeur d’échange). وطبقاً لهذا التحليل فإن الرأسمالي يستغل الطبقة العمالية ليس فقط لأنه يؤدي لهم أُجور بؤس (ٍSalaires de misère ) حتى يتمكن من الاستيلاء على فائض القيمة (Plus-value)؛ ولكن لأنه يستغل أيضاً مجموع وسائل الإنتاج التي تحوي بنفسها كميات عمل راكمها العمال من قبل.

هكذا كان الرأسمال يتراكم ملأ مراكز النظام الرأسمالي في الفترة ما قبل توسع الامبريالية التي وصفها لينين بالمرحلة القصوى للرأسمالية (Stade suprême du capitalisme). اما التوسع الامبريالي فقد نجم عنه تراكم واسع للرأسمال على الصعيد العالمي واستغلال عالمي أبشع للبروليتاريا مع العلم أن بروليتاريا المركز (Prolétariat du centre) لا تماثل بروليتاريا المحيط (Prolétariat de la périphérie) لأن الأولى تتميز بدينامية اجتماعية ملحوظة تمكنها من اللحاق بالطبقة المُتوسط بينما ترزح الثانية في نادي الطبقات الأشد هشاشة وفقرا وتهميشاً (Précarité, pauvreté et exclusion) مع حواجز عالية تمنعها من الاستقلال المادي الذاتي واللحاق بمستوى الطبقة المتوسطة. إن بروليتاريا المحيط لن يتأتى لها ذلك ما دامت بلدانها موطن قدم للرأسمال الخارجي الذي يمكن مركز الرأسمالية من امتصاص الأزمات الداخلية عن طريق استغلال اليد العاملة والمواد الأولية الرخيصة المتاحة في بلدان الجنوب. زد على ذلك أن مراكز الرأسمالية تُسوقُ سلعها وخدماتها ببلدان المُحيط، خاصة المنتوجات الحثيثة تكنولوجياً (Produits intensifs en technologie)، مما يذكرني بأبحاث المفكرة المناضلة "روزا لوكسومبورغ" (Rosa Luxembourg) حول ارتباط التوسع الرأسمالي الامبريالي بضرورة تسويق سلع المركز ببلدان الجنوب من أجل تأخير انهيار النظام الرأسمالي ككل، كنظرية تتكامل تماماً مع ما ذهب إليه "فلاديمير إيليتش ليننين" (Valdimir Illitch Lénine) من أن أزمات النظام الرأسمالي تدفعه إلى مزيد من تراكم الرأسمال ببلدان الجنوب.

• رئيس المجلس العلمي: ولكن، ما هو الفرق بالضبط بين نظرتكم للتخلف ووجهات نظر المدارس الفكرية الأخرى؟

• سمير أمين: بادئ ذي بدء، أود أن أُثير انتباه حضرتك إلى أن سؤالك الوجيه يذكرني وأنت تجري معي هذا الحوار "البوستهيوم" (Dialogue posthume) بنوع الأسئلة التي كان أستاذ اقتصاد مغربي اسمه "محمد الفايز" (Mohamed EL FAIZ) يطرحها على ضيوفه بعد وفاتهم من أمثال "فريدريتش ليشت" (Friedrich List) الذي انتحر للأسف لأنه خسر أموالاً و"عزيز بلال" (Aziz Belal) الذي احترق عن آخره في ضروف غامضة مِلْأَ غرفته الفندقية بمدينة شيكاغو الأمريكية وغيرهما من الباحثين في الاقتصاد، حيث كان يوجه أسئلته الوجيهة لكي تصب في اتجاه فهم أحسن للنظرية الاقتصادية ومدى تناغمها مع الواقع المُعاش في الفترة المعاصرة. وأعتقد في هذا الإطار ان الدكتور محمد الفايز يستحق مقابلة بعد الوفاة مع مجلتكم الموقرة لأن الرجل، رغم عدم معرفة الكثيرين بأبحاثه النيرة، لم يكن اقتصاديا متميزاُ فحسب بل مؤرخاُ فريدا من نوعه وبرع في سلوك الحقول المعرفية التي يعتبرها البعض عن خطأ بأنها هامشية كتأويل وتحليل وتحقيق الوثائق القديمة واستنباط أدوات ايبستيمولوجية ومنهجية جديدة (كما فعل مع كتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية) والغوص في الأنظمة الهيدروليكية وفن الحدائق وما إلى ذلك. وبالرجوع إلى سؤالك حول تموضع فِكْرِي ضمن مدارس الفكر الاقتصادي الأخرى في علاقتها بظاهرة التخلف، أحب أن أشير هنا إلى أن سبر أغوار التخلف قد مر من فترات تاريخية عديدة وفي كل مرة يأتي فكر جديد ليحاول تصحيح ما سبق؛ وهذا السلوك حميد جداً لأن العلم ما هو في الحقيقة إلا مسلسل لتصحيح الأخطاء (Processus à correction d’erreurs)، مما يعني أن العلم نسبي (Science is relative) بالمقارنة مع اللاهوت الذي لن يكون إلا مُطلقاً (Absolute) بحيث أن خلط العلم باللاهوت يفسد الاثنين معاً.

• رئيس المجلس العلمي (مُقَاطِعاً): وكيف بدأ التفكير العلمي في ظاهرة التخلف (The under-development phenomenon)؟

• سمير أمين: لفهم تطور الفكر في مضمار التخلف يجب على الباحث أن يعود خلفاً في التاريخ على الأقل إلى بداية استقلال علم الاقتصاد السياسي عن العلوم الأخرى كالفلسفة وعلم الكلام والتاريخ واللاهوت وما إلى ذلك من شتى العلوم والمعارف. إلا أن نشوء علم الاقتصاد كحقل علمي مستقل يمكن ربطه بظهور المدرسة الكلاسيكية، خاصة مع أدام سميث وديفيد ريكاردو، رغم أن ريكاردو بالنسبة لي هو أهم اقتصادي كلاسيكي في التاريخ ينما أعتبر أدام سميث مجرد ناقل من غيره من المركنتيليين والطبيعيين (Les mercantilistes et les physicocrates) وغيرهم ممن سبقوه، بمن فيهم المفكر العبقري ابن خلدون الذي سبق عصره بحقب مديدة. بالنسبة للاقتصاديين الكلاسيكيين، لا يجب على الاقتصاد السياسي أن يكترث بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب غير متحضرة لا تنطبق عليها شروط السلوك الاقتصادي، خاصة شرط السلوك الرشيد (Comportement rationnel : Rational behavior). لقد كان الكلاسيكيون بكل بساطة يعتبرون الشعوب المتخلفة بمثابة مجموعات بِدائية لا تستحق البحث من الناحية الاقتصادية لأن سلوكها يختلط فيه ما هو اقتصادي وأخلاقي وديني وخرافي وما إلى ذلك من شتى السلوكات. بقيت الأمور هكذا حتى تولد الفكر الاقتصادي حول التخلف من رحم المدرسة الليبرالية نفسها والتي تذهب إلى ان التاريخ الاقتصادي للمجتمعات تاريخ خطي (Histoire linéaire : Linear history) بالضرورة. تطور الفكر الاقتصادي حول التخلف بعد ذلك ليعيد النظر في تعاليم المدرسة الليبرالية، ومن ثمة ظهرت بارادغمات جديدة (Nouveaux paradigmes) كتلك التي يندرج فيها تيارنا الفكري الذي ينبني أساساً على أن التخلف هو نتاج لترابطات معقدة (Articularions complexes) بين مركز النظام الرأسمالي ومحيطه. وسأعود إن شئتَ إلى الشرح المُسهب لهذه النقطة بالذات في إطار الحلقات القادمة من حوارنا الشيق.

• رئيس المجلس العلمي: شكرا جزيلا سيدي سمير مرة أخرى على هذا الصبر الأيوبي معنا مع أمل اللقاء بك مجددا في الحلقة السابعة من مقابلات البوستهيوم معك.

• سمير أمين: انت الذي صبرت معي صبر أيوب مع العلم أن كلمة "أيوب" باللغة الآرامية السريالية تعني حرفيا "الْمَنْبُوذ" (Le banni). وأود أن أضيف هنا أن كل من ينتقد الرأسمالية من أمثالي فسيصبح منبوذاً لا محالة إلا أني أفضل أن أكون منبوذاً وأنا محافظ على مبادئي على أن أكون مبجلاً وأنا أُلقي الورد على من لا يستحقه!!!

• رئيس المجلس العلمي: شكراً على روح دعابتك، أستاذ سمير؛ وإلى اللقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ تفوز بجائزة نوبل للآداب 20


.. إعصار ميلتون -الخطر للغاية- يجتاح سواحل فلوريدا ويخلف قتلى و




.. المستشار الألماني يعلن عن تسليم مزيد من الأسلحة لإسرائيل


.. صحيفة لوموند: غضب بايدن من نتنياهو لم يترجم إلى أفعال




.. مبعوث صيني: غزة جحيم حقيقي وعلى إسرائيل وقف حربها ضد المدنيي